الرسم العثمانيوَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَلَـمَّا سَكَتَ عَنۡ مُّوۡسَى الۡغَضَبُ اَخَذَ الۡاَلۡوَاحَ ۖ وَفِىۡ نُسۡخَتِهَا هُدًى وَّرَحۡمَةٌ لِّـلَّذِيۡنَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُوۡنَ
تفسير ميسر:
ولما سكن عن موسى غضبه أخذ الألواح بعد أن ألقاها على الأرض، وفيها بيان للحق ورحمة للذين يخافون الله، ويخشون عقابه.
يقول تعالى "ولما سكت عن موسى الغضب" أي غضبه على قومه "أخذ الألواح" أي التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل غيرة لله وغضبا له "وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون" يقول كثير من المفسرين إنها لما ألقاها تكسرت ثم جمعها بعد ذلك ولهذا قال بعض السلف فوجد فيها هدى ورحمة وأما التفصيل فذهب وزعموا أن رضاضها لم يزل موجودا في خزائن الملوك لبني إسرائيل إلى الدولة الإسلامية والله أعلم بصحة هذا. وأما الدليل الواضح على أنها تكسرت حين ألقاها وهي من جوهر الجنة فقد أخبر تعالى أنه لما أخذها بعدما ألقاها وجد فيها "هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون" ضمن الرهبة معنى الخضوع ولهذا عداها باللام. وقال قتادة في قوله تعالى "أخذ الألواح" قال رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد; قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون أي آخرون في الخلق سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم قال رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله نارا فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم قال رب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة رب اجعلهم أمتي قال تلك أما أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفوعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال قتادة فذكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح وقال اللهم اجعلني من أمة أحمد.
قوله تعالى ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون[ ص; 263 ] قوله تعالى ولما سكت عن موسى الغضب أي سكن . وكذلك قرأها معاوية بن قرة " سكن " بالنون . وأصل السكوت السكون والإمساك ; يقال ; جرى الوادي ثلاثا ثم سكن ، أي أمسك عن الجري . وقال عكرمة ; سكت موسى عن الغضب ; فهو من المقلوب . كقولك ; أدخلت الأصبع في الخاتم وأدخلت الخاتم في الأصبع . وأدخلت القلنسوة في رأسي ، وأدخلت رأسي في القلنسوة .أخذ الألواح التي ألقاها وفي نسختها هدى ورحمة أي هدى من الضلالة ; ورحمة أي من العذاب . والنسخ ; نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر . ويقال للأصل الذي كتبت منه ; نسخة ، وللفرع نسخة . فقيل ; لما تكسرت الألواح صام موسى أربعين يوما ; فردت عليه وأعيدت له تلك الألواح في لوحين ، ولم يفقد منها شيئا ; ذكره ابن عباس . قال القشيري ; فعلى هذا وفي نسختها أي وفيما نسخ من الألواح المتكسرة ونقل إلى الألواح الجديدة هدى ورحمة . وقال عطاء ; وفيما بقي منها . وذلك أنه لم يبق منها إلا سبعها ، وذهب ستة أسباعها . ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء . وقيل ; المعنى وفي نسختها أي وفيما نسخ له منها من اللوح المحفوظ هدى . وقيل ; المعنى وفيما كتب له فيها هدى ورحمة ، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه . وهذا كما يقال ; انسخ ما يقول فلان ، أي أثبته في كتابك .للذين هم لربهم يرهبون أي يخافون . وفي اللام ثلاثة أقوال ; قول الكوفيين هي زائدة . قال الكسائي ; حدثني من سمع الفرزدق يقول ; نقدت لها مائة درهم ، بمعنى نقدتها . وقيل ; هي لام أجل ; المعنى ; والذين هم من أجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة ; عن الأخفش . وقال محمد بن يزيد ; هي متعلقة بمصدر ; المعنى ; للذين هم رهبتهم لربهم . وقيل ; لما تقدم المفعول حسن دخول اللام ; كقوله ; إن كنتم للرؤيا تعبرون . فلما تقدم المعمول وهو المفعول ضعف عمل الفعل فصار بمنزلة ما لا يتعدى .
القول في تأويل قوله ; وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بقوله; " ولما سكت عن موسى الغضب ". ولما كفّ عنه وسكن. (31)* * *وكذلك كل كافٍّ عن شيء; " ساكت عنه "، وإنما قيل للساكت عن الكلام " ساكت "، لكفه عنه. (32)وقد ذكر عن يونس الجرمي أنه قال (33) يقال; " سكت عنه الحزن "، وكلُّ شيء، فيما زعم، ومنه قول أبي النجم;وَهَمَّــتِ الأفْعَــى بِــأَنْ تَسِـيحَاوَسَـــكَتَ المُكَّــاءُ أَنْ يَصِيحَــا (34)* * *= " أخذ الألواح "، يقول; أخذها بعد ما ألقاها, وقد ذهب منها ما ذهب = " وفي نسختها هدى ورحمة "، يقول; وفيما نسخ فيها، أي كتب فيها (35) = " هدى " بيان للحق= " ورحمة للذين هم لربهم يرهبون "، يقول; للذين يخافون الله ويخشون عقابَه على معاصيه. (36)* * *واختلف أهل العربية في وجه دخول " اللام " في قوله; " لربهم يرهبون "، مع استقباح العرب أن يقال في الكلام; " رهبت لك "; بمعنى رهبتك= " وأكرمت لك "، بمعنى أكرمتك. فقال بعضهم; ذلك كما قال جل ثناؤه; إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ، [سورة يوسف; 43]، أوصل الفعل باللام.* * *وقال بعضهم; من أجل ربِّهم يرهبون.* * *وقال بعضهم; إنَّما دخلت عَقِيب الإضافة; الذين هم راهبون لربهم، وراهبُو ربِّهم= ثم أدخلت " اللام " على هذا المعنى، لأنها عَقِيب الإضافة، لا على التكليف. (37)* * *وقال بعضهم; إنما فعل ذلك، لأن الاسم تقدم الفعل, فحسن إدخال " اللام ".* * *وقال آخرون; قد جاء مثله في تأخير الاسم في قوله; رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ [سورة النمل; 72]. (38)* * *وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال; سمعت الفرزدق يقول; " نقدت له مائة درهم "، يريد; نقدته مائة درهم. (39) قال; والكلام واسع.-------------------الهوامش ;(31) (2) في المطبوعة ; (( ولما كف موسى عن الغضب )) ، وهو اجتهاد من ناشر المطبوعة الأولى ، ولم يصب . فإن المخطوطة أسقطت تفسير العبارة ، وجاء فيها هكذا ; (( ولما سكت عن موسى الغضب ، وكذلك كل كاف ...... )) ، والتفسير الذي أثبته الناشر الأول تفسير ذكره الزجاج قال ; (( معناه ; ولما سكن . وقيل; معناه; ولما سكت موسى عن الغضب - على القلب ، كما قالوا ; أدخلت القلنسوة في رأس ، والمعنى ; أدخلت رأسي في القلنسوة . قال والقول الأول الذي معناه سكن ، هو قول أهل العربية )) . ولو أراد أبو جعفر ، لفسره كما فسره الزجاج ، فآثرت أن أضع تفسير أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 ; 229 ، لأن الذي يليه هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن .(32) (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 229 .(33) (2) انظر ما سلف ص ; 129 ، تعليق ; 3 .(34) (3) لم أجد البيتين . وكان في المطبوعة ; (( تسبحا )) و (( تضبحا )) ، وهو خطأ وفساد ، ولأبي النجم أبيات كثيرة من الرجز على هذا الوزن ، ولم أجد الرجز بتمامه . وصواب قراءة ما كان في المخطوطة هو ما أثبت .(35) (4) انظر تفسير (( النسخة )) فيما سلف 2 ; 472 . = وكان في المطبوعة هنا ، مكان قوله ; (( أي ; كتب فيها )) ، ما نصه ; (( أي ; منها )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأن الناسخ كتبها بخط دقيق في آخر السطر ، فوصل الكلام بعضه ببعض ، فساءت كتابته .(36) (5) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .(37) (1) في المطبوعة ; لا على التعليق )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكأنه يعني بقوله ; (( التكليف )) معنى التعليق )) ، لأن (( التكليف )) هو (( التحميل )) ، ولم أجد تفسير هذه الكلمة في مكان آخر ، ولعلها من اصطلاح بعض قدماء النحاة .(38) (2) انظر ما سلف 6 ; 511 / 7 ; 164 ، ومعاني القرآن للفراء 1 ; 233 .(39) (3) نقله الفراء في معاني القرآن 1 ; 233 عن الكسائى ، قال ; (( سمعت بعض العرب يقول ; نقدت لها مئة درهم ، يريد ; نقدتها مئة ، لامرأة تزوجها )) .
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أي: سكن غضبه، وتراجعت نفسه، وعرف ما هو فيه، اشتغل بأهم الأشياء عنده، فـ أَخَذَ الألْوَاحَ التي ألقاها، وهي ألواح عظيمة المقدار، جليلة وَفِي نُسْخَتِهَا أي: مشتملة ومتضمنة هُدًى وَرَحْمَةٌ أي: فيها الهدى من الضلالة، وبيان الحق من الباطل، وأعمال الخير وأعمال الشر، والهدى لأحسن الأعمال، والأخلاق، والآداب، ورحمة وسعادة لمن عمل بها، وعلم أحكامها ومعانيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى اللّه ورحمته، وإنما يقبل ذلك وينقاد له، ويتلقاه بالقبول الذين [هم] لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أي: يخافون منه ويخشونه، وأما من لم يخف اللّه ولا المقام بين يديه، فإنه لا يزداد بها إلا عتوا ونفورا وتقوم عليه حجة اللّه فيها.
(الواو) استئنافيّة
(لمّا سكت) مثل لمّا رجع ،
(عن موسى) جارّ ومجرور متعلّق بـ (سكت) ، وعلامة الجر الفتحة المقدّرة على الألف فهو ممنوع من الصرف (الغضب) فاعل مرفوع
(أخذ) فعل ماض والفاعل هو (الألواح) مفعول به منصوبـ (الواو) حاليّة
(في نسخة) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم و (ها) ضمير مضاف إليه
(هدى) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف
(الواو) عاطفة
(رحمة) معطوفة على هدى مرفوع مثله
(اللام) حرف جرّ
(الذين) موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بكلّ من هدى ورحمة ،
(هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(اللام) زائدة للتقوية ،
(ربّ) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به مقدّم عاملة يرهبون و (هم) ضمير مضاف إليه
(يرهبون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
جملة: «سكت ... الغضب» في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «أخذ ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «في نسختها هدى» في محلّ نصب حال.
وجملة: «هم ... يرهبون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .وجملة: «يرهبون» في محلّ رفع خبر المبتدأ هم.
- القرآن الكريم - الأعراف٧ :١٥٤
Al-A'raf7:154