الرسم العثمانيقُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوٓءُ ۚ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
الـرسـم الإمـلائـيقُلْ لَّاۤ اَمۡلِكُ لِنَفۡسِىۡ نَـفۡعًا وَّلَا ضَرًّا اِلَّا مَا شَآءَ اللّٰهُ ؕ وَلَوۡ كُنۡتُ اَعۡلَمُ الۡغَيۡبَ لَاسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ الۡخَيۡرِ ۖ ۛۚ وَمَا مَسَّنِىَ السُّۤوۡءُ ۛۚ اِنۡ اَنَا اِلَّا نَذِيۡرٌ وَّبَشِيۡرٌ لِّقَوۡمٍ يُّؤۡمِنُوۡنَ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول-; لا أقدرُ على جَلْبِ خير لنفسي ولا دفع شر يحل بها إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تكثِّر لي المصالح والمنافع، ولاتَّقيتُ ما يكون من الشر قبل أن يقع، ما أنا إلا رسول الله أرسلني إليكم، أخوِّف من عقابه، وأبشر بثوابه قومًا يصدقون بأني رسول الله، ويعملون بشرعه.
أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا أطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه كما قال تعالى "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا" الآية وقوله "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" قال عبدالرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" قال لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملا صالحا وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال مثله ابن جريج وفيه نظر لأن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ديمة وفي رواية كان إذا عمل عملا أثبته فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر إلى الله عز وجل في جميع أحواله اللهم إلا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك والله أعلم. والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" أي من المال وفي رواية لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه شيئا إلا ربحت فيه ولا يصيبني الفقر. وقال ابن جرير وقال آخرون; معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلاء من الرخص فاستعددت له من الرخص. وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم "وما مسني السوء" قال لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير أي نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات كما قال تعالى "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا".
قوله تعالى قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنونقوله تعالى قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيرا ولا أدفع عنها شرا ; فكيف أملك علم الساعة . وقيل ; لا أملك لنفسي الهدى والضلال .إلا ما شاء الله في موضع نصب بالاستثناء . والمعنى ; إلا ما شاء الله أن يملكني ويمكنني منه . وأنشد سيبويه ;مهما شاء بالناس يفعلولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته . وقيل ; لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب . وقال ابن عباس ; لو كنت أعلم سنة الجدب لهيأت لها في زمن الخصب ما يكفيني . وقيل ; المعنى لو كنت أعلم التجارة التي تنفق لاشتريتها وقت كسادها . وقيل ; المعنى لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح ; عن الحسن وابن جريج . وقيل ; المعنى لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه . وكله مراد ، والله أعلم .وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون هذا استئناف كلام ، أي ليس بي جنون ، لأنهم نسبوه إلى الجنون . وقيل ; هو متصل ، والمعنى لو علمت الغيب لما مسني سوء ولحذرت ، ودل على هذا قوله تعالى ; إن أنا إلا نذير مبين .
القول في تأويل قوله ; قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; قل، يا محمد، لسائليك عن الساعة; أَيَّانَ مُرْسَاهَا =(لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا)، يقول; لا أقدر على اجتلاب نفع إلى نفسي, ولا دفع ضر يحلّ بها عنها إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك، بأن يقوّيني عليه ويعينني (1) =(ولو كنت أعلم الغيب)، يقول; لو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد (2) =(لاستكثرت من الخير)، يقول; لأعددت الكثير من الخير. (3)* * *ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الخير " الذي عناه الله بقوله; (لاستكثرت من الخير). (4) فقال بعضهم; معنى ذلك; لاستكثرت من العمل الصالح.* ذكر من قال ذلك;15494 - حدثنا القاسم قال; حدثنا الحسين قال; حدثني حجاج قال; قال ابن جريج; قوله; (قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا) قال; الهدى والضلالة =(لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) قال; " أعلم الغيب "، متى أموت = لاستكثرت من العمل الصالح.15495 - حدثني المثنى قال; حدثنا أبو حذيفة قال; حدثنا شبل, عن ابن أبى نجيح, عن مجاهد, مثله.15496 - حدثني يونس قال; أخبرنا ابن وهب قال; قال ابن زيد, في قوله; (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، ; قال; لاجتنبت ما يكون من الشرّ واتَّقيته.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; " ولو كنت أعلم الغيب " لأعددت للسَّنة المجدبة من المخصبة, ولعرفت الغلاء من الرُّخْص, واستعددت له في الرُّخْص.* * *وقوله; (وما مسني السوء)، يقول; وما مسني الضر (5) =(إن أنا إلا نذير وبشير)، يقول; ما أنا إلا رسولٌ لله أرسلني إليكم, أنذر عقابه مَن عصاه منكم وخالف أمره, وأبشّرَ بثوابه وكرامته من آمن به وأطاعه منكم. (6)* * *وقوله; (لقوم يؤمنون)، يقول; يصدقون بأني لله رسول, ويقرون بحقية ما جئتهم به من عنده. (7)-----------------الهوامش ;(1) انظر تفسير (( ملك )) فيما سلف 10 ; 147 ، 187 ، 317 .(2) انظر تفسير ((الغيب )) فيما سلف 11 ; 464 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(3) انظر تفسير (( استكثر )) فيما سلف 12 ; 115 .(4) انظر تفسير (( الخير )) فيما سلف 2 ; 505 / 7 ; 91 .(5) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف 12 ; 573 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(6) انظر تفسير (( نذير )) فيما سلف ص ; 290 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك . = وتفسير (( بشير )) فيما سلف 11 ; 369 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .(7) في المطبوعة ; (( بحقية ما جئتهم به )) ، والصواب من المخطوطة ، وقد غيرها في مئات من المواضع ، انظر ما سلف ص ; 113 ، تعليق ; 1 والمراجع هناك . و (( الحقيقة )) ، مصدر ، بمعني الصدق والحق ، كما أسلفت .
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا فإني فقير مدبر، لا يأتيني خير إلا من اللّه، ولا يدفع عني الشر إلا هو، وليس لي من العلم إلا ما علمني اللّه تعالى. وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه. ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب. إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ أنذر العقوبات الدينية والدنيوية والأخروية، وأبين الأعمال المفضية إلى ذلك، وأحذر منها. وَبَشِيرٌ بالثواب العاجل والآجل، ببيان الأعمال الموصلة إليه والترغيب فيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هذه البشارة والنذارة، وإنما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون، وهذه الآيات الكريمات، مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضر. فإنه ليس بيده شيء من الأمر، ولا ينفع من لم ينفعه اللّه، ولا يدفع الضر عمن لم يدفعه اللّه عنه، ولا له من العلم إلا ما علمه اللّه تعالى، وإنما ينفع من قبل ما أرسل به من البشارة والنذارة، وعمل بذلك، فهذا نفعه صلى الله عليه وسلم، الذي فاق نفع الآباء والأمهات، والأخلاء والإخوان بما حث العباد على كل خير، وحذرهم عن كل شر، وبينه لهم غاية البيان والإيضاح.
(قل) مثل السابق
(لا) حرف نفي(أملك) مضارع مرفوع، والفاعل أنا
(لنفس) جارّ ومجرور متعلّق بفعل أملك- أو بحال من(نفعا) ، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء، و (الياء) ضمير مضاف إليه
(نفعا) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(ضرّا) معطوف على
(نفعا) منصوبـ (إلّا) حرف استثناء
(ما) اسم موصول في محلّ نصب على الاستثناء المتصل أو المنقطع
(شاء) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(لو) حرف شرط غير جازم
(كنت) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على السكون.. و (التاء) ضمير اسم كان
(أعلم) مثل أملك
(الغيب) مفعول به منصوبـ (اللام) واقعة في جواب لو (استكثرت) فعل ماض وفاعله
(من الخير) جارّ ومجرور متعلّق بـ (استكثرت) ،
(الواو) عاطفة
(ما) حرف نفي(مسّني) فعل ماض.. و (نون) الوقاية و (ياء) المتكلّم مفعول به
(السوء) فاعل مرفوع
(إنّ) حرف نفي(أنا) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(إلّا) أداة حصر
(نذير) خبر مرفوع
(الواو) عاطفة
(بشير) معطوف على نذير مرفوع(لقوم) جارّ ومجرور متعلّق ببشير
(يؤمنون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
جملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا أملك ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «شاء الله» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «كنت أعلم ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة لا أملك.
وجملة: «أعلم ... » في محلّ نصب خبر كنت.
وجملة: «استكثرت ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «ما مسّني السوء» لا محلّ لها معطوفة على جواب الشرط.
وجملة: «إن أنا إلّا نذير» لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «يؤمنون» في محلّ جرّ نعت لقوم.
- القرآن الكريم - الأعراف٧ :١٨٨
Al-A'raf7:188