الرسم العثمانياتَّبِعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ
الـرسـم الإمـلائـياِتَّبِعُوۡا مَاۤ اُنۡزِلَ اِلَيۡكُمۡ مِّنۡ رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُوۡا مِنۡ دُوۡنِهٖۤ اَوۡلِيَآءَ ؕ قَلِيۡلًا مَّا تَذَكَّرُوۡنَ
تفسير ميسر:
اتبعوا -أيها الناس- ما أُنزل إليكم من ربكم من الكتاب والسنة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، ولا تتبعوا من دون الله أولياء كالشياطين والأحبار والرهبان. إنكم قليلا ما تتعظون، وتعتبرون، فترجعون إلى الحق.
قال تعالى مخاطبا للعالم "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" أي اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه "ولا تتبعوا من دونه أولياء" أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره "قليلا ما تذكرون" كقوله "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقوله "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" الآية. وقوله "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون".
قوله تعالى اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرونفيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم يعني الكتاب والسنة . قال الله تعالى ; وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . وقالت فرقة ; هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته . والظاهر أنه أمر لجميع الناس دونه . أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن ، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ، وامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه . ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص .الثانية قوله تعالى ولا تتبعوا من دونه أولياء من دونه من غيره . والهاء تعود على الرب سبحانه ، والمعنى ; لا تعبدوا معه غيره ، ولا تتخذوا من عدل عن دين الله وليا . وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه . وروي عن مالك بن دينار أنه قرأ [ ص; 147 ] ( ولا تبتغوا من دونه أولياء ) أي ولا تطلبوا . ولم ينصرف أولياء لأن فيه ألف التأنيث . وقيل ; تعود على ما من قوله ; اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم .قليلا ما تذكرون ما زائدة . وقيل ; تكون مع الفعل مصدرا .
القول في تأويل قوله ; اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3)قال أبو جعفر; يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام; اتبعوا، أيها الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى, واعملوا بما أمركم به ربكم, ولا تتبعوا شيئًا من دونه = يعني; شيئًا غير ما أنـزل إليكم ربكم. يقول; لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان, فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم.* * *فإن قال قائل; وكيف قلت; " معنى الكلام; قل اتبعوا ", وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟قيل; إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا, فإن في الكلام دلالة عليه, وذلك قوله; فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ , ففي قوله; " لتنذر به "، الأمر بالإنذار, وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام; أنذر القومَ وقل لهم; اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم.ولو قيل معناه; لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم; اتبعوا ما أنـزل إليكم = كان غير مدفوع.* * *وقد كان بعض أهل العربية يقول; قوله; (اتبعوا)، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم , ومعناه; كتاب أنـزل إليك, فلا يكن في صدرك حرج منه, اتبع ما أنـزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله; يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [سورة الطلاق; 1]، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم , ثم جعل الفعل للجميع, إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته, كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته; " أما تتقون الله، أما تستحيون من الله!"، ونحو ذلك من الكلام. (5)وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع, فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام، لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه.* * *وقوله; (قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ)، يقول; قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق. (6)------------------الهوامش ;(5) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 371 ، فهذه مقالته .(6) انظر تفسير (( التذكر )) فيما سلف 11 ; 489 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك .
ثم خاطب اللّه العباد، وألفتهم إلى الكتاب فقال: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم، وهو: { مِنْ رَبِّكُمْ } الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل عليكم هذا الكتاب الذي، إن اتبعتموه، كملت تربيتكم، وتمت عليكم النعمة، وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها { وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } أي: تتولونهم، وتتبعون أهواءهم، وتتركون لأجلها الحق. { قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة، لما آثرتم الضار على النافع، والعدو على الوليِّ.
(اتّبعوا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو ضمير متصل في محلّ رفع فاعلـ (ما) اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به
(أنزل إليكم) مثل أنزل إليك ،
(من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أنزل) و (كم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(لا) ناهية جازمة
(تتّبعوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعلـ (من دون) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من أولياء- نعت تقدّم على المنعوت-، و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(أولياء) مفعول به منصوبـ (قليلا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته أي تذكّرون تذكّرا قليلا
(ما) حرف زائد لتأكيد القلّة
(تذكّرون) مضارع مرفوع حذفت منه إحدى التاءين، وعلامة الرفع ثبوت النون ... والواو فاعل.
جملة «اتّبعوا ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة «أنزل إليكم» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة «لا تتّبعوا ... » : لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة «تذكّرون» : لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - الأعراف٧ :٣
Al-A'raf7:3