الرسم العثمانيوَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا
الـرسـم الإمـلائـيوَّاَنَّهٗ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الۡاِنۡسِ يَعُوۡذُوۡنَ بِرِجَالٍ مِّنَ الۡجِنِّ فَزَادُوۡهُمۡ رَهَقًا
تفسير ميسر:
وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن، فزاد رجالُ الجنِّ الإنسَ باستعاذتهم بهم خوفًا وإرهابًا ورعبًا. وهذه الاستعاذة بغير الله، التي نعاها الله على أهل الجاهلية، من الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح منه. وفي الآية تحذير شديد من اللجوء إلى السحرة والمشعوذين وأشباههم.
أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوءهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم كما قال قتادة "فزادوهم رهقا" أي إثما وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم "فزادوهم رهقا" أي ازدادت الجن عليهم جرأة وقال السدي; كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول; أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي قال قتادة; فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد فكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون فذلك قول الله عز وجل "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا" أي إثما وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم "رهقا" أي خوفا. وقال العوفي عن ابن عباس "فزادوهم رهقا" أي إثما وكذا قال قتادة; وقال مجاهد زاد الكفار طغيانا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا فروة بن المغراء الكندي حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا" ثم قال وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه. وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل وهو ولد الشاة وكان جنيا حتى يرهب الأنسي ويخاف منه ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله تعالى أعلم.
وقيل ; انقطع الإخبار عن الجن هاهنا فقال الله تعالى ; وأنه كان رجال من الإنس فمن فتح وجعله من قول الجن ردها إلى قوله ; أنه استمع ، ومن كسر جعلها مبتدأ من قول الله تعالى . والمراد به ما كانوا يفعلونه من قول الرجل إذا نزل بواد ; أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ; فيبيت في جواره حتى يصبح ; قاله الحسن وابن زيد وغيرهما .قال مقاتل ; كان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ، ثم من بني حنيفة ، ثم فشا ذلك في العرب ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم . وقال كردم بن أبي السائب ; خرجت مع أبي إلى المدينة أول ما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملا من الغنم ، فقال الراعي ; يا عامر الوادي ، [ أنا ] جارك . فنادى مناد يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد . وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة ; وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا أي زاد الجن الإنس رهقا أي خطيئة وإثما ; قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . والرهق ; الإثم في كلام العرب وغشيان المحارم ; ورجل رهق إذا كان كذلك ; ومنه قوله تعالى ; وترهقهم ذلة وقال الأعشى ;لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا[ ص; 12 ] يعني إثما . وأضيفت الزيادة إلى الجن إذ كانوا سببا لها . وقال مجاهد أيضا ; فزادوهم أي إن الإنس زادوا الجن طغيانا بهذا التعوذ ، حتى قالت الجن ; سدنا الإنس والجن . وقال قتادة أيضا وأبو العالية والربيع وابن زيد ; ازداد الإنس بهذا فرقا وخوفا من الجن .وقال سعيد بن جبير ; كفرا . ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر وشرك . وقيل ; لا يطلق لفظ الرجال على الجن ; فالمعنى ; وأنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجن برجال من الإنس ، وكان الرجل من الإنس يقول مثلا ; أعوذ بحذيفة بن بدر من جن هذا الوادي . قال القشيري ; وفي هذا تحكم إذ لا يبعد إطلاق لفظ الرجال على الجن .
وقوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر; وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نـزلوا منازلهم.وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا، كالذي حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال; كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول; أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما.حدثنا الحسن بن عرفة، قال; ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال; كان الرجل منهم إذا نـزل الوادي فبات به، قال; أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) كانوا إذا نـزلوا الوادي قالوا; نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فتقول الجنّ; ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا.قال; ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال; كانوا في الجاهلية إذا نـزلوا بالوادي قالوا; نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون; تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا!حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; (يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال; كانوا يقولون إذا هبطوا واديا; نعوذ بعظماء هذا الوادي.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) ذُكر لنا أن هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نـزلوا بواد قالوا; نعوذ بأعز أهل هذا المكان؛ قال الله; (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ; أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) كانوا في الجاهلية إذا نـزلوا منـزلا يقولون; نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال; كانوا يقولون; فلان من الجنّ ربّ هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ الوادي من دون الله، قال; فيزيده بذلك رهقا، وهو الفرَق.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال كان الرجل في الجاهلية إذا نـزل بواد قبل الإسلام قال; إن أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.وقوله; (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم; معنى ذلك; فزاد الإنس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم، جراءة عليهم، وازدادوا بذلك إثما.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) فزادهم ذلك إثما.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قال، قال الله; (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ; أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) يقول; خطيئة.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، قال; ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال; فيزدادون عليهم جراءة.قال ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال ازدادوا عليهم جراءة.وقال آخرون; بل عني بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله; (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال; زاد الكفار طغيانا.وقال آخرون; بل عني بذلك فزادوهم فَرَقا.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال; فيزيدهم ذلك رهقا، وهو الفرق.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال; زادهم الجنّ خوفا.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال; معنى ذلك; فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثما، وذلك زادوهم به استحلالا لمحارم الله. والرهق في كلام العرب; الإثم وغِشيان المحارم؛ ومنه قول الأعشى;لا شَـيْءَ يَنْفَعُنِـي مِـنْ دُونِ رُؤْيَتِهـاهـلْ يَشْـتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا (6)يقول; ما لم يغش محرما.--------------------الهوامش ;(6) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة 365 من القصيدة المرقومة80 ) . وفي اللسان; (رهق) قال ; والرهق; غشيان المحارم من شرب الخمر ونحوه. قال ابن بري; وكذلك فسر الرهق في شعر الأعشى; بأنه غشيان المحارم، وما لا خير فيه قوله; "لا شيء ينفعني.." البيت قلت; وتفسير ابن برى لا يعجبني، لأن الأعشى لم يكن يعرف المحرمات، وإنما يحسن تفسيره كما قال شارح الديوان; إن الرهق; الدنو من المحبوب والقرب منه، والتمنع بما ينوله، فأما إذا كان بعيدا عنه فلا شفاء ولا قرار. وفي (اللسان; رهق) عن الزجاج، فزادهم رهقا; أي ذلة وضعفا. وقيل; سفها وطغيانا. وقيل في تفسيره; الظلم. وقيل; الفساد.. إلخ
{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: \" أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه \".
6-
(الواو) عاطفة
(أنّه كان ... ) مثل السابق
(من الإنس) متعلّق بنعت لـ (رجال)
(برجال) متعلّق بـ (يعوذون) ،
(من الجنّ) متعلّق بنعت لـ (رجال) الثاني
(الفاء) عاطفة
(رهقا) مفعول به ثان منصوب. وجملة: «كان رجال ... » في محلّ رفع خبر
(أنّ) . وجملة: «يعوذون ... » في محلّ نصب خبر كان. وجملة: «زادوهم ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة كان رجال.
- القرآن الكريم - الجن٧٢ :٦
Al-Jinn72:6