الرسم العثمانييٰٓأَيُّهَا الْإِنسٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
الـرسـم الإمـلائـييٰۤاَيُّهَا الۡاِنۡسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الۡكَرِيۡمِ
تفسير ميسر:
يا أيها الإنسان المنكر للبعث، ما الذي جعلك تغتَرُّ بربك الجواد كثير الخير الحقيق بالشكر والطاعة، أليس هو الذي خلقك فسوَّى خلقك فعَدَلك، وركَّبك لأداء وظائفك، في أيِّ صورة شاءها خلقك؟
هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتى يقول قائلهم غره كرمه بل المعنى في هذه الآية ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم أي العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق؟ كما جاء في الحديث; "يقول الله تعالى يوم القيامة يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟" قال ابن أبي حاتم حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم" فقال عمر الجهل. وقال أيضا حدثنا عمر بن شيبة حدثنا أبو خلف حدثنا يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول وقرأ هذه الآية "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم" قال ابن عمر; غره والله جهله قال; وروي عن ابن عباس والربيع بن خيثم والحسن مثل ذلك. وقال قتادة ما غرك بربك الكريم شيء ما غر ابن آدم غير هذا العدو الشيطان. وقال الفضيل بن عياض لو قال لي ما غرك بي لقلت ستورك المرخاة. وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت غرني كرم الكريم. وقال بعض أهل الإشارة إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل لأنه إنما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور. وقد حكي البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا نزلت هذه الآية في الأسود بن شريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله تعالى "ما غرك بربك الكريم"؟.
قوله تعالى ; يا أيها خاطب بهذا منكري البعث . وقال ابن عباس ; الإنسان هنا ; الوليد بن المغيرة . وقال عكرمة ; أبي بن خلف . وقيل ; نزلت في أبي الأشد بن كلدة الجمحي . عن ابن عباس أيضا ( ما غرك بربك ) أي ما الذي غرك حتى كفرت ؟ بربك الكريم أي المتجاوز عنك . قال قتادة ; غره شيطانه المسلط عليه . الحسن ; غره شيطانه الخبيث . وقيل ; حمقه وجهله . رواه الحسن عن عمر - رضي الله عنه - . وروى غالب الحنفي قال ; لما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم قال ; " غره الجهل " وقال صالح بن مسمار ; بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ؟ فقال ; " غره جهله " . وقال عمر - رضي الله عنه - ; كما قال الله تعالى ; إنه كان ظلوما جهولا . وقيل ; غره عفو الله ، إذ لم يعاقبه في أول مرة . قال إبراهيم بن الأشعث ; قيل ; للفضيل بن عياض ; لو أقامك الله تعالى يوم القيامة بين يديه ، فقال لك ; ما غرك بربك الكريم ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال ; كنت أقول غرني ستورك المرخاة ; لأن الكريم هو الستار . نظمه ابن السماك فقال ;يا كاتم الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكا غرك من ربك إمهالهوستره طول مساويكا[ ص; 211 ] وقال ذو النون المصري ; كم من مغرور تحت الستر وهو لا يشعر .وأنشد أبو بكر بن طاهر الأبهري ;يا من غلا في العجب والتيه وغره طول تماديهأملى لك الله فبارزته ولم تخف غب معاصيهوروي عن علي - رضي الله عنه - أنه صاح بغلام له مرات فلم يلبه فنظر فإذا هو بالباب ، فقال ; ما لك لم تجبني ؟ فقال . لثقتي بحلمك ، وأمني من عقوبتك . فاستحسن جوابه فأعتقه . وناس يقولون ; ما غرك ; ما خدعك وسول لك ، حتى أضعت ما وجب عليك ؟ وقال ابن مسعود ; ما منكم من أحد إلا وسيخلو الله به يوم القيامة ، فيقول له ; يابن آدم ماذا غرك بي ؟ يابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟
وقوله; ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) يقول تعالى ذكره; علمت كلّ نفس ما قدّمت لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه، وأخرت وراءه من شيء سنَّه فعمل به.واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال; ثني عن القُرَظي، أنه قال في; ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قال; ما قدّمت مما عملت، وأما ما أخَّرت فالسنة يَسُنها الرجل يُعمل بها من بعده.وقال آخرون; عُني بذلك ما قدّمت من الفرائض التي أدتها، وما أخَّرت من الفرائض التي ضيعتها.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا وكيع، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن عكرِمة ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ ) قال; ما افترض عليها( وَأَخَّرَتْ ) قال; مما افترض عليها.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قال; تعلم ما قدّمت من طاعة الله، وما أخرت مما أُمِرَت به من حقّ لله عليه لم تعمل به.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قال; ما قدّمت من خير، وأخَّرت من حق الله عليها لم تعمل به.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، ( مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قال; ما قدمت من طاعة الله وما أخرت من حق الله.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قال; ما قدّمت; عملت، وما أخرت; تركت وضيَّعت، وأخرت من العمل الصالح الذي دعاها الله إليه.وقال آخرون; بل معنى ذلك; ما قدّمت من خير أو شرّ، وأخَّرت من خير أو شرّ.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب، قال; ثنا هشيم، قال; أخبرنا العوّام، عن إبراهيم التيمي، قال; ذكروا عنده هذه الآية ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قال; أنا مما أخَّرَ الحجاج.وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه، لأن كلّ ما عمل العبد من خير أو شرّ فهو مما قدّمه، وأن ما ضيَّع من حقّ الله عليه وفرّط فيه فلم يعمله، فهو مما قد قدّم من شرّ، وليس ذلك مما أخَّر من العمل، لأن العمل هو ما عمله. فأما ما لم يعمله فإنما هو سيئة قدّمها، فلذلك قلنا; ما أخر; هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة، مما إذا عمل به العامل، كان له مثل أجر العامل بها أو وزره.
يقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه، المتجرئ على مساخطه : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟
(أيها) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصبـ (الإنسان) بدل من أي- أو عطف بيان عليه- تبعه في الرفع لفظا
(ما) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ خبره جملة غرّك
(بربّك) متعلّق بـ (غرّك) ،
(الذي) موصول في محلّ نعت ثان لربّك
(الفاء) عاطفة في الموضعين
(في أيّ) متعلّق بـ (ركّبك) ، و (أيّ) اسم شرط جازم ، معربـ (ما) زائدة ،
(شاء) ماض في محلّ جزم فعل الشرط، وكذلك الجواب ركّبك..
جملة: «النداء ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ما غرّك ... » لا محلّ لها جواب النداء.وجملة: «غرّك ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(ما) .
وجملة: «خلقك ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «سوّاك ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «عدلك ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة سوّاك.
وجملة: «شاء ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «ركّبك ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
- القرآن الكريم - الإنفطار٨٢ :٦
Al-Infitar82:6