الرسم العثمانيخِتٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنٰفِسُونَ
الـرسـم الإمـلائـيخِتٰمُهٗ مِسۡكٌ ؕ وَفِىۡ ذٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُوۡنَ
تفسير ميسر:
إن أهل الصدق والطاعة لفي الجنة يتنعمون، على الأسرَّة ينظرون إلى ربهم، وإلى ما أعدَّ لهم من خيرات، ترى في وجوههم بهجة النعيم، يُسْقَون من خمر صافية محكم إناؤها، آخره رائحة مسك، وفي ذلك النعيم المقيم فليتسابق المتسابقون. وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عين في الجنة تُعْرَف لعلوها بـ "تسنيم"، عين أعدت؛ ليشرب منها المقربون، ويتلذذوا بها.
وقال ابن مسعود في قوله "ختامه مسك" أي خلطه مسك وقال العوفي عن ابن عباس طيب الله لهم الخمر فكان آخر شيء جعل فيها مسك ختم بمسك وكذا قال قتادة والضحاك وقال إبراهيم والحسن ختامه مسك أي عاقبته مسك وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا أبو حمزة عن جابر عن عبدالرحمن بن سابط عن أبي الدرداء "ختامه مسك" قال شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ختامه مسك" قال طيبه مسك. وقوله تعالى "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" أي وفي مثل هذه الحال فليتفاخر المتفاخرون وليتباهى ويكاثر ويستبق إلى مثله المستبقون كقوله تعالى "لمثل هذا فليعمل العاملون".
ختامه مسك قال مجاهد ; يختم به آخر جرعة . وقيل ; المعنى إذا شربوا هذا الرحيق ففني ما في الكأس ، انختم ذلك بخاتم المسك . وكان ابن مسعود يقول ; يجدون عاقبتها طعم المسك . ونحوه عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي قالا ; ختامه آخر طعمه . وهو حسن ; لأن سبيل الأشربة أن يكون الكدر في آخرها ، فوصف شراب أهل الجنة بأن رائحة آخره رائحة المسك . وعن مسروق عن عبد الله قال ; المختوم الممزوج . وقيل ; مختوم أي ختمت ومنعت عن أن يمسها ماس إلى أن يفك ختامها الأبرار . وقرأ علي وعلقمة وشقيق والضحاك وطاوس والكسائي ( خاتمه ) بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قاله علقمة ; أما رأيت المرأة تقول للعطار ; اجعل خاتمه مسكا ، تريد آخره . والخاتم والختام متقاربان في المعنى ، إلا أن الخاتم الاسم ، والختام المصدر ; قاله الفراء . وفي الصحاح ; والختام ; الطين الذي يختم به . وكذا قال مجاهد وابن زيد ; ختم إناؤه بالمسك بدلا من الطين . حكاه المهدوي . وقال الفرزدق ;وبت أفض أغلاق الختاموقال الأعشى ;وأبرزها وعليها ختمأي عليها طينة مختومة ; مثل نفض بمعنى منفوض ، وقبض بمعنى مقبوض . وذكر ابن المبارك وابن وهب ، واللفظ لابن وهب ، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى ; ختامه مسك ; خلطه ، ليس بخاتم يختم ، ألا ترى إلى قول المرأة من نسائكم ; إن خلطه من الطيب كذا وكذا . إنما خلطه مسك ; قال ; شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر أشربتهم ، لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها . وروى [ ص; 228 ] أبي بن كعب قال ; قيل يا رسول الله ما الرحيق المختوم ؟ قال ; " غدران الخمر " . وقيل ; مختوم في الآنية ، وهو غير الذي يجري في الأنهار . فالله أعلم .وفي ذلك أي وفي الذي وصفناه من أمر الجنة فليتنافس المتنافسون أي فليرغب الراغبون يقال ; ( نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة ; أي ضننت به ، ولم أحب أن يصير إليه . وقيل ; الفاء بمعنى إلى ، أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل ; نظيره ; لمثل هذا فليعمل العاملون ) .
وقوله; ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) يقول تعالى ذكره; وفي هذا النعيم الذي وصف جل ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الأبرار في القيامة، فليتنافس المتنافسون. والتنافس; أن يَنفِس الرجل على الرجل بالشيء يكون له، ويتمنى أن يكون له دونه، وهو مأخوذ من الشيء النفيس، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس، وتطلبه وتشتهيه، وكان معناه في ذلك. فليجدّ الناس فيه، وإليه فليستبقوا في طلبه، ولتحرص عليه نفوسهم.
ذلك الشراب { خِتَامُهُ مِسْكٌ } يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته، أو يفسد طعمه، وذلك الختام، الذي ختم به, مسك.ويحتمل أن المراد أنه [الذي] يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة، وهي المسك الأذفر، فهذا الكدر منه، الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق, يكون في الجنة بهذه المثابة، { وَفِي ذَلِكَ } النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله، { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي: يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - المطففين٨٣ :٢٦
Al-Mutaffifin83:26