كَلَّآ إِنَّ كِتٰبَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ
كَلَّاۤ اِنَّ كِتٰبَ الۡفُجَّارِ لَفِىۡ سِجِّيۡنٍؕ
تفسير ميسر:
حقا إن مصير الفُجَّار ومأواهم لفي ضيق، وما أدراك ما هذا الضيق؟ إنه سجن مقيم وعذاب أليم، وهو ما كتب لهم المصير إليه، مكتوب مفروغ منه، لا يزاد فيه ولا يُنقص.
يقول تعالى حقا" إن كتاب الفجار لفي سجين"أي أن مصيرهم ومأواهم لفي سجين فعيل من السجن وهو الضيق كما يقال فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك.
قوله تعالى ; كلا إن كتاب الفجار لفي سجين قال قوم من أهل العلم بالعربية ; ( كلا ) ردع وتنبيه ، أي ليس الأمر على ما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان ، أو تكذيب بالآخرة ، فليرتدعوا عن ذلك . فهي كلمة ردع وزجر ، ثم استأنف فقال ; إن كتاب الفجار . وقال الحسن ; كلا بمعنى حقا . وروى ناس عن ابن عباس كلا قال ; ألا تصدقون ; فعلى هذا ; الوقف " لرب العالمين . وفي تفسير مقاتل ; إن أعمال الفجار . وروى ناس عن ابن عباس قال ; إن أرواح الفجار وأعمالهم لفي سجين . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ; سجين صخرة تحت الأرض السابعة ، تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها . ونحوه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب ; قال كعب ; تحتها أرواح الكفار تحت خد إبليس . وعن كعب أيضا قال ; سجين صخرة سوداء تحت الأرض السابعة ، مكتوب فيها اسم كل شيطان ، تلقى أنفس الكفار عندها .وقال سعيد بن جبير ; سجين تحت خد إبليس . يحيى بن سلام ; حجر أسود تحت الأرض ، يكتب فيه أرواح الكفار . وقال عطاء الخراساني ; هي الأرض السابعة السفلى ، وفيها إبليس وذريته . وعن ابن عباس قال ; إن الكافر يحضره الموت ، وتحضره رسل الله ، فلا يستطيعون لبغض الله له وبغضهم إياه ، أن يؤخروه ولا يعجلوه حتى تجيء ساعته ، فإذا [ ص; 221 ] جاءت ساعته قبضوا نفسه ، ورفعوه إلى ملائكة العذاب ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر ، ثم هبطوا به إلى الأرض السابعة ، وهي سجين ، وهي آخر سلطان إبليس ، فأثبتوا فيها كتابه . وعن كعب الأحبار في هذه الآية قال ; إن روح الفاجر إذا قبضت يصعد بها إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبلها ، ثم يهبط بها إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبلها ، فتدخل في سبع أرضين ، حتى ينتهى بها إلى سجين ، وهو خد إبليس . فيخرج لها من سجين من تحت خد إبليس رق ، فيرقم فيوضع تحت خد إبليس . وقال الحسن ; سجين في الأرض السابعة . وقيل ; هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم .قال مجاهد ; المعنى عملهم تحت الأرض السابعة لا يصعد منها شيء . وقال ; سجين صخرة في الأرض السابعة . وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; " سجين جب في جهنم وهو مفتوح " وقال في الفلق ; " إنه جب مغطى " . وقال أنس ; هي دركة في الأرض السفلى . وقال أنس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; " سجين أسفل الأرض السابعة " . وقال عكرمة ; " سجين ; خسار وضلال " ; كقولهم لمن سقط قدره ; قد زلق بالحضيض . وقال أبو عبيدة والأخفش والزجاج ; لفي سجين لفي حبس وضيق شديد ، فعيل من السجن ; كما يقول ; فسيق وشريب ; قال ابن مقبل ;ورفقة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصت به الأبطال سجيناوالمعنى ; كتابهم في حبس ; جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم ، أو لأنه يحل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان . وقيل ; أصله سجيل ، فأبدلت اللام نونا . وقد تقدم ذلك . وقال زيد بن أسلم ; سجين في الأرض السافلة ، وسجيل في السماء الدنيا . القشيري ; سجين ; موضع في السافلين ، يدفن فيه كتاب هؤلاء ، فلا يظهر بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون . وهذا دليل على خبث أعمالهم ، وتحقير الله إياها ; ولهذا قال في كتاب الأبرار ; يشهده المقربون .
القول في تأويل قوله تعالى ; كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)يقول تعالى ذكره; ( كَلا ) ، أي ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء الكفار، أنهم غير مبعوثين ولا معذّبين، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا( لَفِي سِجِّينٍ ) وهي الأرض السابعة السفلى، وهو " فعيل " من السجن، كما قيل; رجل سِكِّير من السكر، وفِسيق من الفسق.وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم; مثل الذي قلنا في ذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار، قال; ثنا أبو أحمد، قال; ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سميّ ; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال; في الأرض السابعة.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سميّ، قال; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال; الأرض السفلى، قال; إبليس مُوثَق بالحديد والسلاسل في الأرض السفلى.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرني جرير بن حازم، عن سليمان الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال; كنا جلوسا إلى كعب أنا وربيع بن خيثم وخالد بن عُرْعرة، ورهط من أصحابنا، فأقبل ابن عباس، فجلس إلى جنب كعب، فقال; يا كعب أخبرني عن سِجِّين، فقال كعب; أما سجِّين; فإنها الأرض السابعة السفلى، وفيها أرواح الكفار تحت حدّ إبليس.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) ذُكر أن عبد الله بن عمرو كان يقول; هي الأرض السفلى فيها أرواح الكفار، وأعمالهم أعمال السوء.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فِي سِجِّينٍ ) قال; في أسفل الأرض السابعة.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) يقول; أعمالهم في كتاب في الأرض السفلى.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله; ( لَفِي سِجِّينٍ ) قال; عملهم في الأرض السابعة لا يصعد.حدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (1)حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال; ثنا مطرِّف بن مازن قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة قال; ( سِجِّينٍ ) الأرض السابعة.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( لَفِي سِجِّينٍ ) يقول; في الأرض السفلى.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا سليمان، قال; ثنا أبو هلال، قال; ثنا قتادة، في قوله; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال; الأرض السابعة السفلى.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال; يقال سجين; الأرض السافلة، وسجين; بالسماء الدنيا.وقال آخرون; بل ذلك حدّ إبليس.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن شمر، قال; جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له ابن عباس; حدِّثني عن قول الله; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ... ) الآية، قال كعب; إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ويُهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها، فتهبط فتدخل تحت سبع أرضين، حتى ينتهي بها إلى سجين، وهو حدّ إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت حدّ إبليس، رَقّ فيرقم ويختم ويوضع تحت حدّ إبليس بمعرفتها الهلاك إلى يوم القيامة.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله; ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال; تحت حدّ إبليس.وقال آخرون; هو جبّ في جهنم مفتوح، ورووا في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.حدثنا به إسحاق بن وهب الواسطي، قال; ثنا مسعود بن مسكان الواسطي، قال; ثنا نضر بن خُزيمة الواسطي، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; " الفَلَقُ جُبّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطًّى، وأما سِجِّينٌ فمَفْتُوحٌ".وقال بعض أهل العربية; ذكروا أن سجين; الصخرة التي تحت الأرض، قال; ويُرَى أن سجين صفة من صفاتها، لأنه لو كان لها اسما لم يجر، قال; وإن قلت; أجريته لأني ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها.وإنما اخترت القول الذي اخترت في معنى قوله; ( سِجِّينٍ ) لما حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا ابن نمير، قال; ثنا الأعمش، قال; ثنا المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عمرو، عن البراء، قال; ( سِجِّينٍ ) الأرض السفلى.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال; وذكر نفس الفاجر، وأنَّهُ يُصعَدُ بها إلى السَّماء، قال; " فَيَصْعَدُون بها فَلا يمُرُّونَ بِها عَلى مَلإ مِنَ المَلائِكَة إلا قالُوا; ما هَذَا الرُّوحُ الخَبِيثُ؟ قال; فَيَقُولُونَ; فُلانٌ بأقْبَحِ أسمَائِهِ التي كان يُسَمَّى بها في الدنيا حتى يَنْتَهوا بِهَا إلى السَّماء الدُّنْيا، فيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ. فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم; لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللهُ; اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي أسْفَلِ الأرْضِ فِي سجِّينٍ فِي الأرْضِ السُّفْلَى ".حدثنا نصر بن عليّ، قال; ثنا يحيى بن سليم، قال; ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; ( كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال; سجين; صخرة في الأرض السابعة، فيجعل كتاب الفجار تحتها.------------------------الهوامش ;(1) هذا الإسناد جاء في الأصل مرتين ; مرة هنا ، ومرة في الذي قبله .
يقول تعالى: { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ } [وهذا شامل لكل فاجر] من أنواع الكفرة والمنافقين، والفاسقين { لَفِي سِجِّينٍ }
(كلّا) حرف ردع وزجر عمّا كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث
(اللام) المزحلقة للتوكيد
(في سجين) متعلّق بخبر إنّ
(الواو) استئنافيّة
(ما) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ خبره جملة أدراك
(ما) مثل الأول خبره
(سجّين) ،
(كتاب) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو..
جملة: «إنّ كتاب الفجّار لفي سجّين» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ما أدراك ... » لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «أدراك ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(ما) .
وجملة: «ما سجّين ... » في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل أدراك.
وجملة: «
(هو) كتاب ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.