فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحْوٰى
فَجَعَلَهٗ غُثَآءً اَحۡوٰىؕ
تفسير ميسر:
نَزِّه اسم ربك الأعلى عن الشريك والنقائص تنزيهًا يليق بعظمته سبحانه، الذي خلق المخلوقات، فأتقن خلقها، وأحسنه، والذي قدَّر جميع المقدرات، فهدى كل خلق إلى ما يناسبه، والذي أنبت الكلأ الأخضر، فجعله بعد ذلك هشيمًا جافًا متغيرًا.
قال ابن عباس هشيما متغيرا وعن مجاهد وقتادة وابن زيد نحوه. قال ابن جرير وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم وأن معني الكلام والذي أخرج المرعى أحوى; أي أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك ثم قال ابن جرير وهذا وإن كان محتملا إلا أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل.
فجعله غثاء أحوى الغثاء ; ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش . وكذلك الغثاء ( بالتشديد ) . والجمع ; الأغثاء ، قتادة ; الغثاء ; الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس ; غثاء وهشيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء كما قال ;كأن طمية المجيمر غدوة من السيل والأغثاء فلكة مغزل وحكى أهل اللغة ; غثا الوادي وجفأ . وكذلك الماء ; إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به . والأحوى ; الأسود أي إن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود . والحوة ; السواد قال الأعشى ;لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثاث وفي أنيابها شنب وفي الصحاح ; والحوة ; سمرة الشفة . يقال ; رجل أحوى ، وامرأة حواء ، وقد حويت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفوة . وتصغير أحوى أحيو في لغة من قال أسيود . ثم [ ص; 17 ] قيل ; يجوز أن يكون أحوى حالا من المرعى ، ويكون المعنى ; كأنه من خضرته يضرب إلى السواد والتقدير ; أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء يقال ; قد حوي النبت حكاه الكسائي ، وقال ;وغيث من الوسمي حو تلاعه تبطنته بشيظم صلتان ويجوز أن يكون أحوى صفة ل غثاء . والمعنى ; أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة ; فجعله أسود من احتراقه وقدمه والرطب إذا يبس اسود . وقال عبد الرحمن بن زيد ; أخرج المرعى أخضر ، ثم لما يبس اسود من احتراقه ، فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار ، لذهاب الدنيا بعد نضارتها .
وقوله; ( فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ) يقول تعالى ذكره; فجعل ذلك المرعى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح؛ وإنما عُني به هاهنا أنه جعله هشيمًا يابسًا متغيرًا إلى الحُوَّة، وهي السواد من بعد البياض أو الخضْرة، من شدّة اليبس.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله; ( غُثَاءً أَحْوَى ) يقول; هشيمًا متغيرًاحدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( غُثَاءً أَحْوَى ) قال; غثاء السيل أحوى، قال; أسود .حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله; ( غُثَاءً أَحْوَى ) قال; يعود يبسًا بعد خُضرة .حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ) قال; كان بقلا ونباتًا أخضر، ثم هاج فيبُس، فصار غُثاء أحوى تذهب به الرياح والسيول. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخَّر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام; والذي أخرج المرعى أحوى; أي أخضر إلى السواد، فجعله غثاء بعد ذلك، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرُّمة;حَــوَّاءُ قَرْحـاءُ أشْـراطِيَّةٌ وَكَـفَتْفِيهَــا الذِّهَــابُ وَحَفَّتْهَـا الْـبَرَاعِيمُ (4)وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فأما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير.------------------الهوامش ;(4) البيت لذي الرمة ( ديوانه ; 573 ) وأنشده أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 186 ) قال ; { فجعله غثاء أحوى } هيجه حتى يبس ، فجعله أسود من احتراقه . غثاء ; هشيما . وهو في موضع آخر من شدة خضرته وكثرة مائه يقال له ; أحوى ؛ قال ذو الرمة ; " قرحاء حواء ... " البيت . وفي ( اللسان ; قرح ) وروضة قرحاء ; في وسطها نورًا أبيض . قال ذو الرمة يصف روضة ; " حواء قرحاء .... " البيت " . وقيل القرحاء ; التي بدا نبتها ; وفي ( اللسان ; شرط ) وروضة أشراطية ; مطرت بالشرطين ، قال ذو الرمة يصف روضة " قرحاء حواء أشراطية ... " يعني ; روضة مطرت بنوء الشرطين ( وهما نجمان من برج الحمل ، يقال لهما قرن الحمل . ( اللسان ; شرط ) . قال ; وإنما قال ; قرحاء ؛ لأن في وسطها نوارة بيضاء ، وقال ; حواء ; لخضرة نباتها . وفي ( اللسان ; ذهب ) والذهبة ، بالكسر ; المطرة . وقيل ; المطرة ; الضعيفة . وقيل ; الجود ( بالفتح ) . والجمع ; ذهاب . قال ذو الرمة يصف روضة ; " حواء قرحاء ... " البيت . ا هـ . وفي ( اللسان ; برعم ) البرعم والبرعوم والبرعومة ( بضم أولها ) كله ; كم ثمر الشجر والنور . وقيل ; زهرة الشجرة ، ونور النبت ، قبل أن يتفتح . وبرعمت الشجرة فهي مبرعمة . وتبرعمت ; أخرجت برعمتها . قال ; وفسر مؤرج قول ذي الرمة ;* فيهـا الذهـاب وحفتهـا البراعيم *فقال ; هي رمال فيها دارات تنبت البقل . ا هـ .
{ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًا، ويذكر فيها نعمه الدينية.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة