الرسم العثمانيإِلَّا مَا شَآءَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُۥ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفٰى
الـرسـم الإمـلائـياِلَّا مَا شَآءَ اللّٰهُؕ اِنَّهٗ يَعۡلَمُ الۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفٰىؕ
تفسير ميسر:
سنقرئك -أيها الرسول- هذا القرآن قراءة لا تنساها، إلا ما شاء الله مما اقتضت حكمته أن ينسيه لمصلحة يعلمها. إنه - سبحانه- يعلم الجهر من القول والعمل، وما يخفى منهما.
"إلا ما شاء الله" وهذا اختيار ابن جرير وقال قتادة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله وقيل المراد بقوله فلا تنسى طلب وجعل معني الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما يشاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه. وقوله تعالى "إنه يعلم الجهر وما يخفى" أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شيء.
ووجه الاستثناء على هذا ، ما قاله الفراء ; إلا ما شاء الله ، وهو لم يشأ أن تنسى شيئا كقوله تعالى ; خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك . ولا يشاء . ويقال في الكلام ; لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت ، وإلا أن أشاء أن أمنعك ، والنية على ألا يمنعه شيئا . فعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف التمام . وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس ; فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات ، إلا ما شاء الله . وعن سعيد عن قتادة ، قال ; كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله . وعلى هذه الأقوال قيل ; إلا ما شاء الله أن ينسى ، ولكنه لم ينس شيئا منه بعد نزول هذه الآية . وقيل ; إلا ما شاء الله أن ينسى ، ثم يذكر بعد ذلك فإذا قد نسي ، ولكنه يتذكر ولا ينسى نسيانا كليا . وقد روي أنه أسقط آية في [ ص; 18 ] قراءته في الصلاة ، فحسب أبي أنها نسخت ، فسأله فقال ; " إني نسيتها " . وقيل ; هو من النسيان أي إلا ما شاء الله أن ينسيك . ثم قيل ; هذا بمعنى النسخ أي إلا ما شاء الله أن ينسخه . والاستثناء نوع من النسخ . وقيل ; النسيان بمعنى الترك أي يعصمك من أن تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه . فهذا في نسخ العمل ، والأول في نسخ القراءة . قال الفرغاني ; كان يغشى مجلس الجنيد أهل البسط من العلوم ، وكان يغشاه ابن كيسان النحوي ، وكان رجلا جليلا فقال يوما ; ما تقول يا أبا القاسم في قول الله تعالى ; سنقرئك فلا تنسى ؟ فأجابه مسرعا - كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات ; لا تنسى العمل به . فقال ابن كيسان ; لا يفضض الله فاك مثلك من يصدر عن رأيه . وقوله فلا ; للنفي لا للنهي . وقيل ; للنهي وإنما أثبتت الياء ; لأن رءوس الآي على ذلك . والمعنى ; لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة . والأول هو المختار ; لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتا معلوما . وأيضا فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف ، وعليها القراء . وقيل ; معناه إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله . وقيل ; المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله أن ينال بنو آدم والبهائم ، فإنه لا يصير كذلك .قوله تعالى ; إنه يعلم الجهر أي الإعلان من القول والعمل . وما يخفى من السر . وعن ابن عباس ; ما في قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتم ; يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل ; الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك . وما يخفى هو ما نسخ من صدرك .
حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى ) كان صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا( إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ) .وقال آخرون; معنى النسيان في هذا الموضع; الترك؛ وقالوا; معنى الكلام; سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به، مما ننسخه.وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك; لم يشأ الله أن تنسى شيئًا، وهو كقوله; خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ولا يشاء. قال; وأنت قائل في الكلام; لأعطينك كلّ ما سألت إلا ما شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، ولا تشاء شيئًا. قال; وعلى هذا مجاري الأيمان، يستثنى فيها، ونية الحالف; اللمام.والقول الذي هو أولى بالصواب عندي قول من قال; معنى ذلك; فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه.وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك أظهر معانيه.وقوله; ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) يقول تعالى ذكره; إن الله يعلم الجهر يا محمد من عملك ما أظهرته وأعلنته ( وَمَا يَخْفَى ) يقول; وما يخفى منه فلم تظهره مما كتمته، يقول; هو يعلم جميع أعمالك سرّها وعلانيتها؛ يقول; فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به.
{ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي: فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد .
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الأعلى٨٧ :٧
Al-A'la87:7