وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصٰرَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوٰهِهِمْ ۖ يُضٰهِـُٔونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قٰتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ
وَقَالَتِ الۡيَهُوۡدُ عُزَيۡرُ ۨابۡنُ اللّٰهِ وَقَالَتِ النَّصٰرَى الۡمَسِيۡحُ ابۡنُ اللّٰهِؕ ذٰ لِكَ قَوۡلُهُمۡ بِاَ فۡوَاهِهِمۡ ۚ يُضَاهِئُونَ قَوۡلَ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا مِنۡ قَبۡلُ ؕ قَاتَلَهُمُ اللّٰهُ ۚ اَنّٰى يُؤۡفَكُوۡنَ
تفسير ميسر:
لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله. وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله. وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم، وهم بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم. قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل؟
وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال الكفار من اليهود والنصارى لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة والفرية على الله تعالى فأما اليهود فقالوا في العزير أنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وذكر السدي وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك أن العمالقة لما غلبت على بني إسرائيل فقتلوا علماءهم وسبوا كبارهم بقي العزيز يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم حتى سقطت جفون عينيه فبينما هو ذات يوم إذ مر على جبانة وإذا امرأة تبكي عند قبر وهي تقول وامطعماه واكاسياه فقال لها; ويحك من كان يطعمك قبل هذا؟ قالت الله قال; فإن الله حي لا يموت قالت; يا عزيز فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال; الله قالت; فلم تبكي عليهم؟ فعرف أنه شيء قد وعظ به ثم قيل له اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه وصل هناك ركعتين فإنك ستلقى هناك شيخا فما أطعمك فكله فذهب ففعل ما أمر به فإذا الشيخ فقال له; افتح فمك ففتح فمه فألقى فيه شيئا كهيئة الجرة العظيمة ثلاث مرات فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال يا بني إسرائيل قد جئتكم بالتوراة فقال يا عزير ما كنت كذابا فعمد فربط على إصبع من أصابعه قلما وكتب التوراة بإصبعه كلها فلما تراجع الناس من عدوهم ورجع العلماء أخبروا بشأن عزير فاستخرجوا النسخ التي كانوا أودعوها في الجبال وقابلوه بها فوجدوا ما جاء به صحيحا فقال بعض جهلتهم إنما صنع هذا لأنه ابن الله وأما ضلال النصارى في المسيح فظاهر. ولهذا كذَّب الله سبحانه الطائفتين فقال " ذلك قولهم بأفواههم " أي لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم "يضاهئون " أي يشابهون " قول الذين كفروا من قبل " أي من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضل هؤلاء "قاتلهم الله" وقال ابن عباس; لعنهم الله " أني يؤفكون " أي كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر ويعدلون إلى الباطل؟.
قوله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكونفيه سبع مسائل ;قرأ عاصم والكسائي عزير ابن الله بتنوين عزير . والمعنى أن " ابنا " على هذا خبر ابتداء عن ( عزير ) ، و " عزير " ينصرف عجميا كان أو عربيا . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو [ ص; 51 ] عمرو وابن عامر ( عزير ابن ) بترك التنوين لاجتماع الساكنين ، ومنه قراءة من قرأ " قل هو الله أحد الله الصمد " . قال أبو علي ; وهو كثير في الشعر . وأنشد الطبري في ذلك ;لتجدني بالأمير برا وبالقناة مدعسا مكراإذا غطيف السلمي فراالثانية ; قوله تعالى وقالت اليهود هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص ؛ لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك . وهذا مثل قوله تعالى ; الذين قال لهم الناس ولم يقل ذلك كل الناس . وقيل ; إن قائل ما حكي عن اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم . قال النقاش ; لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا فإذا قالها واحد فيتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة ، لأجل نباهة القائل فيهم . وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها . فمن هاهنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها . والله أعلم .وقد روي أن سبب ذلك القول أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير يسيح في الأرض ، فأتاه جبريل فقال ; أين تذهب ؟ قال ; أطلب العلم ، فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم . وقيل ; بل حفظها الله عزيرا كرامة منه له ، فقال لبني إسرائيل ; إن الله قد حفظني التوراة ، فجعلوا يدرسونها من عنده . وكانت التوراة مدفونة ، كان دفنها علماؤهم حين أصابهم من الفتن والجلاء والمرض ما أصاب وقتل بختنصر إياهم . ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا ; إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله حكاه الطبري . وظاهر قول النصارى أن المسيح ابن الله ، إنما أرادوا بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة . وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبري وغيرهما . وهذا أشنع الكفر . قال أبو المعالي ; أطبقت النصارى على أن المسيح إله وأنه ابن إله . قال ابن عطية ; ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة . وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر .الثالثة ; قال ابن العربي ; في هذا دليل من قول ربنا تبارك وتعالى على أن من أخبر عن كفر غيره الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به لا حرج عليه ؛ لأنه إنما ينطق به على معنى الاستعظام له والرد عليه ولو شاء ربنا ما تكلم به أحد ، فإذا مكن من إطلاق الألسن به فقد أذن بالإخبار عنه على معنى إنكاره بالقلب واللسان والرد عليه بالحجة والبرهان .[ ص; 52 ] الرابعة ; قوله تعالى ذلك قولهم بأفواههم قيل ; معناه التأكيد ، كما قال تعالى ; يكتبون الكتاب بأيديهم وقوله ; ولا طائر يطير بجناحيه وقوله ; فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ومثله كثير . وقيل ; المعنى أنه لما كان قول ساذج ليس فيه بيان ولا برهان ، وإنما هو قول بالفم مجرد نفس دعوى لا معنى تحته صحيح لأنهم معترفون بأن الله سبحانه لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون أن له ولدا ، فهو كذب وقول لساني فقط ، بخلاف الأقوال الصحيحة التي تعضدها الأدلة ويقوم عليها البرهان . قال أهل المعاني ; إن الله سبحانه لم يذكر قولا مقرونا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولا زورا ، كقوله ; يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا و يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم .الخامسة ; قوله تعالى يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ( يضاهئون ) يشابهون ، ومنه قول العرب ; امرأة ضهيأ للتي لا تحيض أو التي لا ثدي لها ، كأنها أشبهت الرجال . وللعلماء في ( قول الذين كفروا ) ثلاثة أقوال ; الأول ; قول عبدة الأوثان ; اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . الثاني ; قول الكفرة ; الملائكة بنات الله . الثالث ; قول أسلافهم ، فقلدوهم في الباطل واتبعوهم على الكفر ، كما أخبر عنهم بقوله تعالى ; إنا وجدنا آباءنا على أمة .السادسة ; اختلف العلماء في " ضهيأ " هل يمد أو لا ، فقال ابن ولاد ; امرأة ضهيأ ، وهي التي لا تحيض ، مهموز غير ممدود . ومنهم من يمد وهو سيبويه فيجعلها على فعلاء بالمد ، والهمزة فيها زائدة لأنهم يقولون نساء ضهي فيحذفون الهمزة . قال أبو الحسن قال لي النجيرمي ; ضهيأة بالمد والهاء . جمع بين علامتي تأنيث ، حكاه عن أبي عمرو الشيباني في النوادر . وأنشد ;ضهيأة أو عاقر جمادابن عطية ; من قال يضاهئون مأخوذ من قولهم ; امرأة ضهياء ، فقوله خطأ ، قاله أبو علي ؛ لأن الهمزة في " ضاهأ " أصلية ، وفي " ضهياء " زائدة كحمراء .[ ص; 53 ] السابعة ; قوله تعالى قاتلهم الله أنى يؤفكون أي لعنهم الله ، يعني اليهود والنصارى ؛ لأن الملعون كالمقتول . قال ابن جريج ; قاتلهم الله هو بمعنى التعجب . وقال ابن عباس ; كل شيء في القرآن قتل فهو لعن ، ومنه قول أبان بن تغلب ;قاتلها الله تلحاني وقد علمت أني لنفسي إفسادي وإصلاحيوحكى النقاش أن أصل " قاتل الله " الدعاء ، ثم كثر في استعمالهم حتى قالوه على التعجب في الخير والشر ، وهم لا يريدون الدعاء . وأنشد الأصمعي ;يا قاتل الله ليلى كيف تعجبني وأخبر الناس أني لا أباليها
القول في تأويل قوله ; وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)قال أبو جعفر; واختلف أهل التأويل في القائل; (عزير ابن الله).فقال بعضهم; كان ذلك رجلا واحدًا, هو فِنْحاص.* ذكر من قال ذلك;16619- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال; سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير قوله; (وقالت اليهود عزير ابن الله)، قال; قالها رجل واحد, قالوا; إن اسمه فنحاص. وقالوا; هو الذي قال; إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ، [سورة آل عمران; 181].وقال آخرون; بل كان ذلك قول جماعة منهم.* ذكر من قال ذلك;16620- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة, عن ابن عباس قال; أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سَلامُ بن مشكم, ونعمانُ بن أوفى, (20) وشأسُ بن قيس, ومالك بن الصِّيف, فقالوا; كيف نتّبعك وقد تركت قِبْلتنا, وأنت لا تزعم أنّ عزيرًا ابن الله؟ فأنـزل في ذلك من قولهم; (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله)، إلى; (أنى يؤفكون). (21)16621- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله; (وقالت اليهود عزير ابن الله)، وإنما قالوا; هو ابن الله من أجل أن عُزَيرًا كان في أهل الكتاب، وكانت التوراة عندهم، فعملوا بها ما شاء الله أن يعملوا, (22) ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق، وكان التّابوت فيهم. فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء, رفع الله عنهم التابوت, وأنساهُم التوراة، ونسخها من صدورهم, وأرسل الله عليهم مرضًا, فاستطلقت بطونهم حتى جعل الرجل يمشي كبدُه, حتى نسوا التوراة, ونسخت من صدورهم, وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثُوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم, وكان عزير قبلُ من علمائهم, فدعا عزيرٌ الله، وابتهل إليه أن يردّ إليه الذي نسخَ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله, نـزل نور من الله فدخل جَوْفه, فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة, فأذّن في قومه فقال; يا قوم، قد آتاني الله التوراةَ وردَّها إليَّ ! فعلقَ بهم يعلمهم, (23) فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إنَّ التابوت نـزل بعد ذلك وبعد ذهابه منهم، فلما رأوا التابوت عرَضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلِّمهم, فوجدوه مثله, فقالوا; والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله.16622- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي; (وقالت اليهود عزير ابن الله)، إنما قالت ذلك, لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم, وأخذوا التوراة, وذهب علماؤهم الذين بقُوا، وقد دفنوا كتب التوراة في الجبال. (24) وكان عزير غلامًا يتعبَّد في رءوس الجبال، لا ينـزل إلا يوم عيد. فجعل الغلام يبكي ويقول; " ربِّ تركتَ بني إسرائيل بغير عالم " ! فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفارُ عينيه، فنـزل مرة إلى العيد، فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلتْ له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول; يا مطعماه, ويا كاسِياه ! فقال لها; ويحك, من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك أو ينفعك قبل هذا الرجل؟ (25) قالت; الله! قال; فإن الله حي لم يمت! قالت; يا عزير, فمن كان يعلِّم العلماء قبلَ بني إسرائيل؟ قال; الله! قالت; فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خُصِم، (26) ولَّى مدبرًا, فدعته فقالت; يا عزير، إذا أصبحت غدًا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه, ثم اخرج فصلِّ ركعتين, فإنه يأتيك شيخٌ، فما أعطاك فخُذْه. فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر, فاغتسل فيه, ثم خرج فصلى ركعتين. فجاءه الشيخُ فقال; افتح فمك! ففتح فمه, فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة، مجتمع كهيئة القوارير، ثلاث مرار. (27) فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة, فقال; يا بني إسرائيل, إني قد جئتكم بالتوراة! فقالوا; يا عزير، ما كنت كذَّابًا! فعمد فربط على كل إصبع له قلمًا, وكتب بأصابعه كلها, فكتب التوراة كلّها. فلما رجعَ العلماء، أخبروا بشأن عزير, فاستخرج أولئك العلماء كُتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال, وكانت في خوابٍ مدفونة, (28) فعارضوها بتوراة عزير، فوجدوها مثلها, فقالوا; ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه!* * *واختلفت القرأة في قراءة ذلك.فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض المكيين والكوفيين; " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ "، لا ينونون " عزيرًا ".* * *وقرأه بعض المكيين والكوفيين; ( عُزَيْرٌ ابْنُ الله )، بتنوين " عُزَيْرٌ" قال; هو اسم مجْرًى وإن كان أعجميًّا، لخفته. وهو مع ذلك غير منسوب إلى الله, فيكون بمنـزلة قول القائل; " زيدٌ بن عبد الله ", وأوقع " الابن " موقع الخبر. ولو كان منسوبًا إلى الله لكان الوجه فيه، إذا كان الابن خبرًا، الإجراء، والتنوين, فكيف وهو منسوب إلى غير أبيه.وأما من ترك تنوين " عزير ", فإنه لما كانت الباء من " ابن " ساكنة مع التنوين الساكن، والتقى ساكنان، فحذف الأول منهما استثقالا لتحريكه, قال الراجز; (29)لَتَجــــدَنِّي بِـــالأمِيرِ بَـــرًّاوَبِالقَنَــــاةِ مِدْعَسًـــا مِكَـــرَّاإذَا غُطَيْفُ السُّلَمِيُّ فَرَّا (30)فحذف النون للساكن الذي استقبلها.* * *قال أبو جعفر; وأولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ; ( عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ )، بتنوين " عزير "، لأن العرب لا تنون الأسماء إذا كان " الابن " نعتًا للاسم, [وتنونه إذا كان خبرًا]، كقولهم; " هذا زيدٌ بن عبد الله ", فأرادوا الخبر عن " زيد " بأنه " ابن الله ", (31) ولم يريدوا أن يجعلوا " الابن " له نعتًا و " الابن " في هذا الموضع خبر لـ " عزير ", لأن الذين ذكر الله عنهم أنهم قالوا ذلك, إنما أخبروا عن " عزير "، أنه كذلك, وإن كانوا بقيلهم ذلك كانوا كاذبين على الله مفترين.* * *=(وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يعني قول اليهود; (عزير ابن الله). يقول; يُشْبه قول هؤلاء في الكذب على الله والفرية عليه ونسبتهم المسيح إلى أنه لله ابنٌ، كذِبَ اليهود وفريتهم على الله في نسبتهم عزيرًا إلى أنه لله ابن, (32) ولا ينبغي أن يكون لله ولدٌ سبحانه, بل له ما في السماوات والأرض, كل له قانتون.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;16623- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله; (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يقول; يُشبِّهون.16624- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم.16625- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدّي; (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، النصارى يضاهئون قول اليهود في " عزيز ".16626- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج; (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يقول; النصارى، يضاهئون قول اليهود.16627- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله; (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يقول; قالوا مثل ما قال أهل الأوثان.* * *وقد قيل; إن معنى ذلك; يحكون بقولهم قولَ أهل الأوثان، (33) الذين قالوا; اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى . (34)* * *واختلفت القرأة في قراءة ذلك.فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق; (يُضَاهُونَ)، بغير همز.* * *وقرأه عاصم; (يُضَاهِئُونَ)، بالهمز, وهي لغة لثقيف.* * *وهما لغتان, يقال; " ضاهيته على كذا أضَاهيه مضاهاة " و " ضاهأته عليه مُضَأهاة ", إذا مالأته عليه وأعنته.* * *قال أبو جعفر; والصواب من القراءَة في ذلك ترك الهمز, لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، واللغة الفصحى.* * *وأما قوله; (قاتلهم الله)، فإن معناه، فيما ذكر عن ابن عباس, ما;-16628- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله; (قاتلهم الله)، يقول; لعنهم الله. وكل شيء في القرآن " قتل "، فهو لعن.* * *وقال ابن جريج في ذلك ما;-16629- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله; (قاتلهم الله)، يعني النصارى, كلمةٌ من كلام العرب. (35)* * *فأما أهل المعرفة بكلام العرب فإنهم يقولون; معناه; قتلهم الله. والعرب تقول; " قاتعك الله ", و " قاتعها الله "، بمعنى; قاتلك الله. قالوا; و " قاتعك الله " أهون من " قاتله الله ".وقد ذكروا أنهم يقولون; " شاقاه الله ما تاقاه ", يريدون; أشقاه الله ما أبقاه.قالوا; ومعنى قوله; (قاتلهم الله)، كقوله; قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ، [سورة الذاريات; 10]، و قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ، [سورة البروج; 4]، واحدٌ هو بمعنى التعجب.* * *فإن كان الذي قالوا كما قالوا, فهو من نادر الكلام الذي جاء على غير القياس, لأنّ " فاعلت " لا تكاد أن تجيء فعلا إلا من اثنين, كقولهم; " خاصمت فلانًا "، و " قاتلته ", وما أشبه ذلك. وقد زعموا أن قولهم; " عافاك الله " منه, وأن معناه; أعفاك الله, بمعنى الدعاء لمن دعا له بأن يُعْفيه من السوء.* * *وقوله; (أنى يؤفكون)، يقول; أيَّ وجه يُذْهبُ بهم، ويحيدون؟ وكيف يصدُّون عن الحق؟ وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل. (36)--------------------------الهوامش ;(20) في سيرة ابن هشام ; " ونعمان بن أوفى أبو أنس ، ومحمود بن دحية، وشاس . . . " .(21) الأثر ; 16620 - سيرة ابن هشام 2 ; 219 .(22) في المطبوعة ; " يعملون بها ما شاء الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .(23) في المطبوعة ; " فعلق يعلمهم " ، وفي المخطوطة "فعلق به يعلمهم ، ورجحت صواب ما أثبت . يقال ; " علقت أفعل كذا " بمعنى ; طفقت . من قولهم ; " علق بالشيء " ، إذا لزمه ، قال يزيد بن الطثرية ;عَلِقْـنَ حَـوْلِي يَسْـأَلْنَ القِـرَى أُصُلاوليسَ يَــرْضَيْنَ مِنِّــي بالمعَـاذِيرِبمعنى ; طفقن ( انظر طبقات فحول الشعراء ; 587 ، تعليق ; 4 ) .(24) في المطبوعة ; " فدفنوا " ، وأثبت ما في المخطوطة .(25) في المطبوعة ، جعلها جميعًا بالواو على العطف ، وأثبت ما في المخطوطة .(26) " خصم " ، أي ; غلب في الخصام والحجاج .(27) في المطبوعة ; " مجتمعا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، والدر المنثور . وهذا الموضع من الخبر ، يحتاج إلى نظر في صحته ومعناه .(28) " خوابي " جمع " خابية " ، وهي الجرة الكبيرة .(29) لم أعرف قائله .(30) نوادر أبي زيد ; 91 ، معاني القرآن للفراء 1 ; 431 . اللسان ( صهب ) ، ( دعس ) ، ( دعص ) ، وغيرها ، وقبله في النوادر ;جــاءُوا يجــرُّون الحــدِيدَ جَـرًّاصُهْــبَ السِّــبالِ يَبتغـونَ الشـرَّافي النوادر ; " يجرون السود " ، وهذه رواية غيره .(31) هذه الجملة كانت في المخطوطة هكذا ; " لأن النون العرب من الأسماء إذا كان الابن نعتا للاسم ، كقولهم ; هذا زيد بن عبد الله ، فأرادوا الخبر عن زيد بأنه ابن الله " . وهو كلام مضطرب غاية الاضطراب .وصححها في المطبوعة هكذا ; " لأن العرب لا تنون الأسماء ، إذا كان الابن نعتا للاسم ، كقولهم ; هذا زيد بن عبد الله ، فأرادوا الخبر عن عزير بأنه ابن الله " ، وهو أيضا مضطرب .فأبقيت تصحيح الناشر الأول في صدر الجملة ، ثم صححت سائر الكلام بما يوافق المخطوطة ، ثم زدت فيه ما بين القوسين ، حتى يستقيم الكلام على وجه مرضي بعض الرضى . ولا أشك أن الناسخ قد أسقط قدرا من كلام أبي جعفر .(32) في المطبوعة ; " نسبة قول هؤلاء . . . ككذب اليهود وفريتهم " ، أخطأ في قراءة " يشبه " ، فجعلها " نسبة " ، ثم زاد في " كذب " كافًا أخرى في أولها ، ليستقيم الكلام ، فلم يستقم . وقوله ; " كذب " مفعول قوله ; " يشبه " . وذلك معنى " المضاهأة " كما سيأتي .(33) في المطبوعة ; " أهل الأديان " ، والصواب ما أثبت من المخطوطة .(34) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 433 .(35) يعني أنها كلمة تقولها العرب ، لا تريد بها معنى " القتل " ، كقولهم ; " تربت يداك " ، لا يراد بها وقوع الأمر .(36) انظر تفسير " الإفك " فيما سلف 10 ; 486 / 11 ; 554 .
لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب، ذكر من أقوالهم الخبيثة، ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم، والاجتهاد وبذل الوسع فيه فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم، فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على اللّه، وتنقصوا عظمته وجلاله. وقد قيل: إن سبب ادعائهم في {عزير} أنه ابن اللّه، أنه لما سلط الله الملوك على بني إسرائيل، ومزقوهم كل ممزق، وقتلوا حَمَلَةَ التوراة، وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها أو لأكثرها، فأملاها عليهم من حفظه، واستنسخوها، فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة. {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ} عيسى ابن مريم {ابْنُ اللَّهِ} قال اللّه تعالى {ذَلِكَ} القول الذي قالوه {قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} لم يقيموا عليه حجة ولا برهانا. ومن كان لا يبالي بما يقول، لا يستغرب عليه أي قول يقوله، فإنه لا دين ولا عقل، يحجزه، عما يريد من الكلام. ولهذا قال: {يُضَاهِئُونَ} أي: يشابهون في قولهم هذا {قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي: قول المشركين الذين يقولون: {الملائكة بنات اللّه} تشابهت قلوبهم، فتشابهت أقوالهم في البطلان. {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين، إلى القول الباطل المبين.
(الواو) استئنافيّة
(قالت) فعل ماض ... و (التاء) للتأنيث
(اليهود) فاعل مرفوع
(عزيز) مبتدأ مرفوع ،
(ابن) خبر مرفوع
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(قالت النصارى ... الله) مثل نظيرها المتقدّمة
(ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ.. و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (قول) خبر مرفوع و (هم) ضمير مضاف إليه
(بأفواه) جارّ ومجرور متعلّق بحال من قول عامله الإشارة و (هم) مثل الأخير
(يضاهئون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (قول) مفعول به منصوبـ (الذين) موصول مضاف إليه في محلّ جرّ
(كفروا) فعل ماض وفاعله
(من) حرف جرّ
(قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (كفروا) ،
(قاتل) فعل ماض و (هم) ضمير مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(أنّى) اسم استفهام في محلّ نصب حال ،
(يؤفكون) مضارع مرفوع مبنيّ للمجهول.. والواو نائب الفاعل.جملة: «قالت اليهود ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «عزير ابن الله» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «قالت النصارى ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة قالت اليهود.
وجملة: «المسيح ابن الله» في محلّ نصب مقول القول للقول الثاني.
وجملة: «ذلك قولهم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يضاهئون ... » في محلّ نصب حال من الضمير في قولهم أو من القول والعائد محذوف أي يضاهئون به «1» .
وجملة: «كفروا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «قاتلهم الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يؤفكون» في محلّ نصب حال من مفعول قاتلهم الله.