إِنَّآ أَنزَلْنٰهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ
اِنَّاۤ اَنۡزَلۡنٰهُ فِىۡ لَيۡلَةِ الۡقَدۡرِ
تفسير ميسر:
إنا أنزلنا القرآن في ليلة الشرف والفضل، وهي إحدى ليالي شهر رمضان.
يخبر تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" وهي ليلة القدر وهي من شهر رمضان كما قال تعالى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" قال ابن عباس وغيره أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى معظما لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها.
سورة القدروهي مدنية في قول أكثر المفسرينذكره الثعلبي . وحكى الماوردي عكسهقلت ; وهي مدنية في قول الضحاك ، وأحد قولي ابن عباس . وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة . وهي خمس آيات .بسم الله الرحمن الرحيمإنا أنزلناه في ليلة القدرقوله تعالى ; إنا أنزلناه يعني القرآن ، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة ; لأن المعنى معلوم ، والقرآن كله كالسورة الواحدة . وقد قال ; شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقال ; حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، يريد ; في ليلة القدر .وقال الشعبي ; المعنى إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر . وقيل ; بل نزل به جبريل - عليه السلام - جملة واحدة في ليلة القدر ، من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، إلى بيت العزة ، وأملاه جبريل على السفرة ، ثم كان جبريل ينزله على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما نجوما . وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة ; قاله ابن عباس ، وقد تقدم في سورة ( البقرة ) . وحكى الماوردي عن ابن عباس قال ; نزل القرآن في شهر رمضان ، وفي ليلة القدر ، في ليلة مباركة ، جملة واحدة من عند الله ، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ; فنجمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة ، ونجمه جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة .قال ابن [ ص; 116 ] العربي ; ( وهذا باطل ; ليس بين جبريل وبين الله واسطة ، ولا بين جبريل ومحمد عليهما السلام واسطة ) .قوله تعالى ; في ليلة القدر قال مجاهد ; في ليلة الحكم .وما أدراك ما ليلة القدر قال ; ليلة الحكم . والمعنى ليلة التقدير ; سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره ، إلى مثلها من السنة القابلة ; من أمر الموت والأجل والرزق وغيره . ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم أربعة من الملائكة ; إسرافيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وجبريل . عليهم السلام .وعن ابن عباس قال ; يكتب من أم الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر وحياة وموت ، حتى الحاج . قال عكرمة ; يكتب حاج بيت الله تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء أبائهم ، ما يغادر منهم أحد ، ولا يزاد فيهم . وقاله سعيد بن جبير . وقد مضى في أول سورة ( الدخان ) هذا المعنى .وعن ابن عباس أيضا ; أن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان ، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر . وقيل ; إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها ، من قولهم ; لفلان قدر ; أي شرف ومنزلة . قاله الزهري وغيره . وقيل ; سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدرا عظيما ، وثوابا جزيلا . وقال أبو بكر الوراق ; سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها . وقيل ; سميت بذلك لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر ، على رسول ذي قدر ، على أمة ذات قدر . وقيل ; لأنه ينزل فيها ملائكة ذوو قدر وخطر . وقيل ; لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة . وقال سهل ; سميت بذلك لأن الله تعالى قدر فيها الرحمة على المؤمنين . وقال ; الخليل ; لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ; كقوله تعالى ; ومن قدر عليه رزقه أي ضيق .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1).يقول تعالى ذكره; إنا أنـزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْر، وهي ليلة الحُكْم التي يقضي الله فيها قضاء السنة؛ وهو مصدر من قولهم; قَدَرَ الله عليّ هذا الأمر، فهو يَقْدُر قَدْرا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن المثنى، قال; ثني عبد الأعلى، قال; ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال; نـزل القرآن كله مرة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئًا أنـزله منه حتى جمعه.حدثنا ابن المثنى قال; ثنا عبد الوهاب، قال; ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال; أنـزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، فهو قوله; ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) .قال; ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه ، وزاد فيه. وكان بين أوّله وآخره عشرون سنة.قال ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال; ثنا المعتمر بن سليمان التيميّ، قال; ثنا عمران أبو العوّام، قال; ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، أنه قال في قول الله; ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال; نـزل أول القرآن في ليلة القدر.حدثني يعقوب، قال; ثنا هشيم، قال; أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس، قال; نـزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فُرِّق في السنين، وتلا ابن عباس هذه الآية; فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ قال; نـزل متفرّقا.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن عُلَية، عن داود، عن الشعبيّ، في قوله; ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال; بلغنا أن القرآن نـزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن سعيد بن جُبير; أنـزل القرآن جملة واحدة، ثم أنـزل ربنا في ليلة القدر; فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ .قال; ثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال; أنـزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينـزله على رسوله، بعضه في أثر بعض، ثم قرأ; وقالوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( ليلة القدر) ; ليلة الحكم.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال; ليلة الحكم.ثنا وكيع. عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جُبير; يؤذن للحجاج في ليلة القدر، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد، ولا يُزاد فيهم، ولا ينقص منهم.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن عُلَية، قال; ثنا ربيعة بن كلثوم، قال; قال رجل للحسن وأنا أسمع; رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال; نعم، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كلّ رمضان، وإنها لليلة القدر، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق، إلى مثلها.حدثنا أبو كُرَيب. قال; ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عمر. قال; ليلة القدر في كلّ رمضان.
يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } كما قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وذلك أن الله [تعالى] ، ابتدأ بإنزاله في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
(الضمير) في(أنزلناه) يعود على القرآن الكريم وإن لم يتقدّم له ذكر أخذا من إسناد إنزاله إليه تعالى
(في ليلة) متعلّق بـ (أنزلناه) ..
جملة: «إنّا أنزلناه ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «أنزلناه ... » في محلّ رفع خبر إنّ.2- 5
(الواو) اعتراضيّة
(ما) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ في الموضعين..
خبر الأول جملة أدراك، وخبر الثاني
(ليلة) ،
(ليلة) الثاني مبتدأ مرفوع خبره
(خير)
(من ألف) متعلّق بـ (خير) ،
(تنزّل) مضارع مرفوع حذفت منه إحدى التاءين
(فيها) متعلّق بـ (تنزّل) ،
(بإذن) متعلّق بـ (تنزّل) ،
(من كلّ) متعلّق بـ (تنزّل) و (من) للسببيّة
(سلام) خبر مقدم مرفوع للمبتدأ المؤخّر
(هي) ،
(حتّى مطلع) جارّ ومجرور متعلّق بـ (سلام) .
وجملة: «ما أدراك ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «أدراك ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(ما) .
وجملة: «ما ليلة ... » في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل أدراك.
وجملة: «ليلة القدر خير ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «تنزّل الملائكة ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ آخر.
وجملة: «سلام هي ... » لا محلّ لها استئنافيّة.