الرسم العثمانيدَعْوٰىهُمْ فِيهَا سُبْحٰنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلٰمٌ ۚ وَءَاخِرُ دَعْوٰىهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعٰلَمِينَ
الـرسـم الإمـلائـيدَعۡوٰٮهُمۡ فِيۡهَا سُبۡحٰنَكَ اللّٰهُمَّ وَ تَحِيَّـتُهُمۡ فِيۡهَا سَلٰمٌۚ وَاٰخِرُ دَعۡوٰٮهُمۡ اَنِ الۡحَمۡدُ لِلّٰهِ رَبِّ الۡعٰلَمِيۡنَ
تفسير ميسر:
دعاؤهم في الجنة التسبيح (سبحانك اللهم)، وتحية الله وملائكته لهم، وتحية بعضهم بعضًا في الجنة (سلام)، وآخر دعائهم قولهم; "الحمد لله رب العالمين" أي; الشكر والثناء لله خالق المخلوقات ومربِّيها بنعمه.
"دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين" أي هذا حال أهل الجنة. قال ابن جريج أخبر أن قوله "دعواهم فيها سبحانك اللهم" قال إذا مر بهم الطير يشتهونه قالوا سبحانك اللهم وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله "وتحيتهم فيها سلام" قال فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم فذلك قوله "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين" وقال مقاتل بن حيان; إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم "سبحانك اللهم" قال فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفة من ذهب فيها طعام ليس في الأخرى قال فيأكل منهن كلهن وقال سفيان الثوري; إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال "سبحانك اللهم" وهذه الآية فيها شبه من قوله "تحيتهم يوم يلقونه سلام" الآية. وقوله "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما" وقوله "سلام قولا من رب رحيم" وقوله "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم" الآية وقوله "وآخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين" هذا فيه دلالة على أنه تعالى هو المحمود أبدا المعبود على طول المدى ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره وفي ابتداء كتابه وعند ابتداء تنزيله حيث يقول تعالى "الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب" "الحمد للّه الذي خلق السموات والأرض" إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها وأنه المحمود في الأولى والآخرة في الحياة الدنيا وفي الآخرة في جميع الأحوال ولهذا جاء في الحديث "إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تزايد نعم الله عليهم فتكرر وتعاد وتزداد فليس لها انقضاء ولا أمد فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
قوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمينقوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم دعواهم ; أي دعاؤهم ; والدعوى مصدر دعا يدعو ، كالشكوى مصدر شكا يشكو ; أي دعاؤهم في الجنة أن يقولوا سبحانك اللهم وقيل ; إذا أرادوا أن يسألوا شيئا أخرجوا السؤال بلفظ التسبيح ويختمون بالحمد . وقيل ; نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاءوا ثم سبحوا . وقيل ; إن الدعاء هنا بمعنى التمني قال الله تعالى ولكم فيها ما تدعون أي ما تتمنون . والله أعلم .قوله تعالى وتحيتهم فيها سلام أي تحية الله لهم أو تحية الملك أو تحية بعضهم لبعض ; سلام . وقد مضى في " النساء " معنى التحية مستوفى . والحمد لله .قوله تعالى وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين فيه أربع مسائل ; الأولى ; قيل ; إن أهل الجنة إذا مر بهم الطير واشتهوه قالوا ; سبحانك اللهم ; فيأتيهم الملك بما اشتهوا ، فإذا أكلوا حمدوا الله فسؤالهم بلفظ التسبيح والختم بلفظ الحمد . ولم يحك أبو عبيد إلا تخفيف أن ورفع ما بعدها ; قال ; وإنما نراهم اختاروا هذا وفرقوا بينها وبين قوله عز وجل ; أن لعنة الله وأن غضب الله لأنهم أرادوا الحكاية حين يقال الحمد لله . قال النحاس ; مذهب الخليل وسيبويه أن أن هذه مخففة من الثقيلة . والمعنى أنه الحمد لله . قال محمد بن يزيد ; ويجوز " أن الحمد لله " يعملها خفيفة عملها ثقيلة ; والرفع أقيس . قال النحاس ; وحكى أبو حاتم أن بلال بن أبي بردة قرأ " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " .قلت ; وهي قراءة ابن محيصن ، حكاها الغزنوي لأنه يحكي عنه .[ ص; 229 ] الثانية ; التسبيح والحمد والتهليل قد يسمى دعاء ; روى مسلم والبخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب ; لا إله إلا الله العظيم الحليم . لا إله إلا الله رب العرش العظيم . لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم . قال الطبري ; كان السلف يدعون بهذا الدعاء ويسمونه دعاء الكرب . وقال ابن عيينة وقد سئل عن هذا فقال ; أما علمت أن الله تعالى يقول " إذا شغل عبدي ثناؤه عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " . والذي يقطع النزاع وأن هذا يسمى دعاء وإن لم يكن فيه من معنى الدعاء شيء وإنما هو تعظيم لله تعالى وثناء عليه ما رواه النسائي عن سعد بن أبي وقاص قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجيب له .الثالثة ; من السنة لمن بدأ بالأكل أن يسمي الله عند أكله وشربه ويحمده عند فراغه اقتداء بأهل الجنة ; وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها .الرابعة ; يستحب للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنة ; وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ; وحسن أن يقرأ آخر والصافات فإنها جمعت تنزيه البارئ تعالى عما نسب إليه ، والتسليم على المرسلين ، والختم بالحمد لله رب العالمين .قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون
وأما قوله; (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، فإن معناه; دعاؤهم فيها ; سبحانك اللهم، (12) كما;-17563- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال; أخبرت أن قوله; (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، قال; إذا مرّ بهم الطيرُ يشتهونه (13)قالوا; سبحانك اللهم! وذلك دعواهم، فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فيسلم عليهم فيردّون عليه، فذلك قوله; ( وتحيتهم فيها سلام). قال; فإذا أكلوا حمدوا الله ربّهم، فذلك قوله; (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).17564- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، يقول; ذلك قولهم فيها ، (وتحيتهم فيها سلام).17565- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبيد الله الأشجعي قال; سمعت سفيانا يقول; (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) ، قال; إذا أرادوا الشيء قالوا; " اللهم " ، فيأتيهم ما دَعَوا به.* * *وأما قوله; (سبحانك اللهم) ، فإن معناه; تنـزيها لك ، يا رب ، مما أضاف إليك أهل الشرك بك ، من الكذب عليك والفِرْية. (14)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;17566- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال; سمعت أبي. عن غير واحدٍ عطيةُ فيهم; " سبحان الله " تنـزيهٌ لله.17567- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال; سمعت موسى بن طلحة قال; سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله "، قال; إبراء الله عن السوء.17568- حدثنا أبو كريب ، وأبو السائب ، وخلاد بن أسلم قالوا، حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا قابوس، عن أبيه; أن ابن الكوّاء سأل عليًّا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، قال; كلمة رضيها الله لنفسه.17569- حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال ، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان بن سعيد الثوري ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي، عن موسى بن طلحة قال; سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله "، فقال; تنـزيهًا لله عن السوء. (15)17570- حدثني علي بن عيسى البزار قال ، حدثنا عبيد الله بن محمد قال ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال ، حدثني حفص بن سليمان قال ، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله قال; سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير " سبحان الله " ، فقال; هو تنـزيه الله من كل سوء. (16)17571- حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال ، حدثنا سليمان بن أيوب قال ; حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال; قلت; يا رسول الله ، قول " سبحان الله "؟ قال; تنـزيه الله عن السوء. (17)* * *، (وتحيتهم) ، يقول; وتحية بعضهم بعضًا ، (فيها سلام)، أي ; سَلِمْتَ وأمِنْتَ مما ابتُلي به أهل النار. (18)* * *والعرب تسمي الملك " التحية " ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب;أَزُورُ بِهَــا أَبَــا قَــابُوسَ حَـتَّىأُنِيــخَ عَــلَى تَحِيَّتِــهِ بِجُــنْدِي (19)ومنه قول زهير بن جناب الكلبي;مِــنْ كُــلِّ مَــا نَــالَ الفَتَــىقَــــدْ نِلْتُــــهُ إلا التَّحِيَّـــهْ* * *وقوله; (وآخر دعواهم) ، يقول; وآخر دعائهم (20) ، (أن الحمد لله رب العالمين) ، يقول; وآخر دعائهم أن يقولوا; الحمد لله رب العالمين " ، ولذلك خففت " أن " ولم تشدّد لأنه أريد بها الحكاية.-------------------------الهوامش ;(12) انظر تفسير " الدعوى " فيما سلف 12 ; 303 ، 304 .(13) في المطبوعة ; " فيشتهونه " بالفاء ، وأثبت ما في المخطوطة .(14) انظر تفسير " سبحان " فيما سلف 14 ، 213 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(15) الأثر ; 17567 ، 17569 - " سفيان " بن سعيد ، هو الثوري الإمام المشهور .و " عثمان بن عبد الله بن وهب التيمي " ، مولى آل طلحة ينسب إلى جده يقال ; " عثمان بن وهب " تابعي ثقة ، روى عن ابن عمر ، وأبي هريرة ، وأم سلمة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 155 .و " موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، تابعي ثقة ، روى عن أبيه وغيره من الصحابة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 286 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 147 .وهو خبر مرسل ، وسيأتي موصولا في الذي يليه ، ولكنها أخبار لا يقوم إسنادها .(16) الأثر ; 17570 - " علي بن عيسى البزار " ، شيخ الطبري ، هو " علي بن عيسى بن يزيد البغدادي الكراجكي ، ثقة ، مضى برقم ; 2168 .و " عبيد الله بن محمد بن حفص التميمي ، العيشي " ، من ولد عائشة بنت طلحة ، ثقة ، مستقيم الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 335 .و " عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله " ، منكر الحديث ، لا يحتج به .مترجم في لسان الميزان 3 ; 412 ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 226 ، ومي زان الاعتدال 2 ; 102 .و " حفص بن سليمان الأسدي البزار " ، ضعيف الحديث ، مضى برقم ; 5753 ، 11458 .و " طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، وثقه ابن معين وغيره ، وقال البخاري ; " منكر الحديث " ، وقال في كتاب الضعفاء الصغير ص ; 46 ; " وليس بالقوي " ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 477 .وأبوه ; " يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، تابعي ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 283 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 160 .وهذا خبر هالك الإسناد ، كما رأيت .(17) الأثر ; 17571 - " محمد بن عمرو بن تمام الكلبي ، المصري " ، أبو الكروس ، شيخ الطبري ، مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 1 / 34 .و " سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة " روى نسخة عن أبيه عن آبائه عامة ، أحاديثه لا يتابع عليها ، وروى أحاديث مناكير . وذكره ابن حبان في الثقات . مترجم من التهذيب وابن أبي حاتم 2 / 1 / 101 .وهذا خبر ضعيف الإسناد أيضًا .(18) انظر تفسير " التحية " فيما سلف 8 ; 586 - 590 .(19) من قصيدة طويلة له ، رواها أبو علي القالي في أماليه 3 ; 147 - 150 ، واللسان ( حيا ) ، مع اختلاف في الرواية .(20) انظر تفسير " الدعوى " فيما سلف ص ; 30 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} أي عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض، وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة. {و} أما {تَحِيَّتُهُمْ} فيما بينهم عند التلاقي والتزاور، فهو السلام، أي: كلام سالم من اللغو والإثم، موصوف بأنه {سَلَامٌ} وقد قيل في تفسير قوله {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ} إلى آخر الآية، أن أهل الجنة ـ إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما ـ قالوا سبحانك اللهم، فأحضر لهم في الحال. فإذا فرغوا قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - يونس١٠ :١٠
Yunus10:10