فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
فَاسۡتَقِمۡ كَمَاۤ اُمِرۡتَ وَمَنۡ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡا ؕ اِنَّهٗ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ بَصِيۡرٌ
تفسير ميسر:
فاستقم -أيها النبي- كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك، ولا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم، إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.
يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان وهو البغي إنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد فلا يغفل عن شيء ولا يخفي عليه شيء.
قوله تعالى ; فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصيرقوله تعالى ; فاستقم كما أمرت الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولغيره . وقيل ; له والمراد أمته ; قاله السدي . وقيل ; " استقم " اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك . فتكون السين سين السؤال ، كما تقول ; أستغفر الله أطلب الغفران منه . والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال ; فاستقم على امتثال أمر الله . وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال ; قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ! قال ; قل آمنت بالله ثم استقم . وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن عثمان بن حاضر الأزدي قال ; دخلت على ابن عباس فقلت أوصني ! فقال ; نعم ! عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع .ومن تاب معك أي استقم أنت وهم ; يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته . قال ابن عباس ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه ، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له ; لقد أسرع إليك الشيب ! فقال ; شيبتني هود وأخواتها . وقد تقدم في أول السورة . وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا علي السري يقول ; رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت ; يا رسول الله ! روي عنك أنك قلت ; شيبتني هود . فقال ; نعم فقلت له ; ما الذي شيبك منها ؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم ! فقال ; لا ولكن قوله ; " فاستقم كما أمرت " .ولا تطغوا نهى عن الطغيان ، والطغيان مجاوزة الحد ; ومنه إنا لما طغى الماء . وقيل ; أي لا تتجبروا على أحد .
القول في تأويل قوله تعالى ; فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه، كما أمرك ربك (23) ، (ومن تاب معك)، يقول; ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، (ولا تطغوا) ، يقول; ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه. (24) (إنه بما تعملون بصير) ، يقول; إن ربكم ، أيها الناس ، بما تعملون من الأعمال كلِّها ، طاعتها ومعصيتها ، " بصير " ، ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ. (25) يقول تعالى ذكره; فاتقوا الله، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد.* * *وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله; (فاستقم كما أمرت) ، ما;-18600- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان في قوله; (فاستقم كما أمرت) ، قال; استقم على القرآن.18601- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله; (ولا تطغوا) ، قال; الطغيان; خلاف الله ، وركوب معصيته . ذلك " الطغيان ".------------------الهوامش ;(23) لنظر تفسير " الاستقامة " فيما سلف ص ; 187 .(24) لنظر تفسير " طغى " فيما سلف ص ; 34 ، تعليق ; 3 ، والمراجع هناك .(25) لنظر تفسير " بصير " فيما سلف من فهارس اللغة ( بصر ) .
ثم لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم, أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه، من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة.وقوله: { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ْ} أي: لا يخفى عليه من أعمالكم شيء, وسيجازيكم عليها، ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها
(الفاء) استئنافيّة
(استقم) فعل أمر، والفاعل أنت
(الكاف) حرف جر ،
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق
(أمرت) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على السكون..
و (التاء) نائب الفاعل، والعائد محذوف أي أمرتها
(الواو) عاطفة
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع معطوف على فاعل استقم
(تاب) فعل ماض، والفاعل هو وهو العائد
(معك) ظرف منصوب متعلق بـ (تاب) و (الكاف) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(لا) ناهية جازمة
(تطغوا) مضارع مجزوم، وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعلـ (إنّه بما تعملون بصير) مثل إنّه ... خبير .
جملة: «استقم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أمرت» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «تاب ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «لا تطغوا ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «إنّه ... بصير» لا محل لها تعليليّة.
وجملة: «تعملون» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
(الواو) عاطفة
(لا تركنوا) مثل لا تطغوا
(إلى) حرف جرّ
(الذين) موصول في محلّ جرّ متعلّق بـ (تركنوا) ،
(ظلموا) فعل ماض وفاعله
(الفاء) فاء السببيّة
(تمسّ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء و (كم) ضمير مفعول به
(النار) فاعل مرفوع.
والمصدر المؤوّلـ (أن تمسّكم..) في محلّ رفع معطوف على مصدر متصيّد من الكلام المتقدّم أي: لا يكن منكم ركون إلى الذين ظلموا فمسّ النار لكم.(الواو) واو الحالـ (ما) نافية
(اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلق بخبر مقدّم
(من دون) جارّ ومجرور حال من أولياء
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(من) حرف جرّ زائد
(أولياء) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر
(ثمّ) حرف عطف
(لا) نافية
(تنصرون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل.
وجملة: «لا تركنوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تطغوا.
وجملة: «ظلموا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «تمسّكم النار» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «ما لكم.. من أولياء» في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب في(تمسّكم) .
وجملة: «لا تنصرون» في محلّ نصب معطوفة على جملة ما لكم.. من أولياء.