الرسم العثمانيفَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ
الـرسـم الإمـلائـيفَلَوۡ لَا كَانَ مِنَ الۡقُرُوۡنِ مِنۡ قَبۡلِكُمۡ اُولُوۡا بَقِيَّةٍ يَّـنۡهَوۡنَ عَنِ الۡفَسَادِ فِى الۡاَرۡضِ اِلَّا قَلِيۡلًا مِّمَّنۡ اَنۡجَيۡنَا مِنۡهُمۡ ۚ وَاتَّبَعَ الَّذِيۡنَ ظَلَمُوۡا مَاۤ اُتۡرِفُوۡا فِيۡهِ وَكَانُوۡا مُجۡرِمِيۡنَ
تفسير ميسر:
فهلاَّ وُجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير والصلاح، ينهون أهل الكفر عن كفرهم، وعن الفساد في الأرض، لم يوجد من أولئك الأقوام إلا قليل ممن آمن، فنجَّاهم الله بسبب ذلك مِن عذابه حين أخذ الظالمين. واتَّبع عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم ما مُتِّعوا فيه من لذات الدنيا ونعيمها، وكانوا مجرمين ظالمين باتباعهم ما تنعموا فيه، فحقَّ عليهم العذاب.
يقول تعالى فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض وقوله "إلا قليلا" أي قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيرا وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما قال تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" وفي الحديث "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب" ولهذا قال تعالى "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم" وقوله "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" أي استمروا على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ولم يلتفتوا إلى إنكار أو لئك حتى فجأهم العذاب "وكانوا مجرمين".
قوله تعالى ; فلولا كان أي فهلا كانمن القرون من قبلكم أي من الأمم التي قبلكم .أولو بقية أي أصحاب طاعة ودين وعقل وبصر .ينهون قومهم .عن الفساد في الأرض لما أعطاهم الله تعالى من العقول وأراهم من الآيات ; وهذا توبيخ للكفار . وقيل ; لولا هاهنا للنفي ; أي ما كان من قبلكم ; كقوله ; فلولا كانت قرية آمنت أي ما كانت .إلا قليلا استثناء منقطع ; أي لكن قليلا .ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد في الأرض . قيل ; هم قوم يونس ; لقوله ; إلا قوم يونس . وقيل ; هم أتباع الأنبياء وأهل الحق .واتبع الذين ظلموا أي أشركوا وعصوا .ما أترفوا فيه أي من الاشتغال بالمال واللذات ، وإيثار ذلك على الآخرة . وكانوا مجرمين
القول في تأويل قوله تعالى ; فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة ، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي ، وكفرهم برسلي (64) من قبلكم.(أولو بقية) ، يقول; ذو بقية من الفهم والعقل، (65) يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله ، وعليهم في الكفر به (66) ، (ينهون عن الفساد في الأرض) ، يقول; ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به ، في أرضه (67) ، (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، يقول; لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه ، وهم اتباع الأنبياء والرسل.* * *ونصب " قليلا " لأن قوله; (إلا قليلا) استثناء منقطع مما قبله، كما قال; إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا ، [سورة يونس; 98] . وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته. (68)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك ;18690- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد; اعتذر فقال; (فلولا كان من القرون من قبلكم) ، حتى بلغ; (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، فإذا هم الذين نجوا حين نـزل عذاب الله. وقرأ; (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه).18691- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله; (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية) ، إلى قوله; (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، قال; يستقلَّهم الله من كل قوم.18692- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال; سألني بلال عن قول الحسن في القدر، (69) قال; فقال; سمعت الحسن يقول; قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قال; بعث الله هودًا إلى عاد، فنجى الله هودًا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون. وبعث الله صالحًا إلى ثمود، فنجى الله صالحًا وهلك المتمتعون. فجعلت أستقريه الأمم، فقال; ما أراه إلا كان حسن القول في القَدر . (70)18693- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة; (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، أي ; لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض ، (إلا قليلا ممن أنجينا منهم).* * *وقوله; (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، يقول تعالى ذكره; واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه.*ذكر من قال ذلك ;18694- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال; قال ابن عباس; (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، قال; ما أُنْظروا فيه.18695- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه)، من دنياهم.، وكأنّ هؤلاء وجَّهوا تأويل الكلام; واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربُّهم من نعيم الدنيا ولذاتها، إيثارًا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; واتبع الذين ظلَموا ما تجبَّروا فيه من الملك ، وعتَوْا عن أمر الله.*ذكر من قال ذلك ;18696- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله; (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه)، قال; في ملكهم وتجبُّرهم، وتركوا الحق.18697- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال; وتركِهم الحق.18698- حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء.* * *قال أبو جعفر; وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال; إن الله أخبر تعالى ذكره; أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا ، فاستكبروا وكفروا بالله ، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله .* * *، وذلك أن المترف في كلام العرب; هو المنعم الذي قد غُذِّي باللذات، ومنه قول الراجز; (71)نُهْــدِي رُءُوسَ المُــتْرَفينَ الصُّـدَّادْإلــى أمِــير المُــؤْمِنِينَ المُمْتَـادْ (72)* * *وقوله; (وكانوا مجرمين)، يقول; وكانوا مكتسبي الكفر بالله. (73)--------------------الهوامش ;(64) انظر تفسير " القرن " فيما سلف 11 ; 263 / 15 ; 37 .(65) انظر تفسير " البقية " فيما سلف ص ; 447 - 449 .(66) في المطبوعة والمخطوطة ; " وعليهم " بإسقاط " ما " ، والأجود إثباتها .(67) انظر تفسير " الفساد في الأرض " فيما سلف من فهارس اللغة ( فسد ) .(68) انظر فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما .(69) في المطبوعة والمخطوطة هنا ; " في العذر " ، والصواب ما أثبت ، وانظر التعليق التالي .(70) في المطبوعة وحدها ; " في العذر ، والصواب من المخطوطة . ويعني أنه أمر قد فرغ منه ، لقول الله سبحانه لنوح ; " وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم " ، وذلك قبل أن يكونوا ، وهو قول أهل الإثبات ، من أهل الحق .(71) هو رؤبة .(72) سلف البيت وتخريجه وشرح فيما سلف 11 ; 223 ، تعليق ; 1 . ، " الممتاد " ، الذي نسأله العطاء فيعطي .(73) انظر تفسير " الإجرام " فيما سلف من فهارس اللغة (جرم) .
لما ذكر تعالى، إهلاك الأمم المكذبة للرسل، وأن أكثرهم منحرفون، حتى أهل الكتب الإلهية، وذلك كله يقضي على الأديان بالذهاب والاضمحلال، ذكر أنه لولا أنه جعل في القرون الماضية بقايا، من أهل الخير يدعون إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى، فحصل من نفعهم ما بقيت به الأديان، ولكنهم قليلون جدا. وغاية الأمر، أنهم نجوا، باتباعهم المرسلين، وقيامهم بما قاموا به من دينهم، وبكون حجة الله أجراها على أيديهم، ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة { و ْ} لكن { اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ْ} أي: اتبعوا ما هم فيه من النعيم والترف، ولم يبغوا به بدلا. { وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ْ} أي: ظالمين، باتباعهم ما أترفوا فيه، فلذلك حق عليهم العقاب، واستأصلهم العذاب. وفي هذا، حث لهذه الأمة، أن يكون فيهم بقايا مصلحون، لما أفسد الناس، قائمون بدين الله، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرونهم من العمى. وهذه الحالة أعلى حالة يرغب فيها الراغبون، وصاحبها يكون, إماما في الدين، إذا جعل عمله خالصا لرب العالمين.
(الفاء) استئنافيّة
(لولا) حرف تحضيض فيه معنى النفي(كان) ماض تام
(من القرون) جارّ ومجرور متعلّق بـ (كان) ،
(من قبل) جار ومجرور متعلّق بنعت للقرون ، و (كم) ضمير مضاف إليه
(أو لو) فاعل مرفوع لفعل كان، وعلامة الرفع الواو فهو ملحق بجمع المذكّر
(بقية) مضاف إليه مجرور
(ينهون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (عن الفساد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ينهون) ،
(في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق بالفساد ،
(إلّا) حرف للاستثناء
(قليلا) مستثنى منصوب والاستثناء متّصل أو منقطع
(من) حرف جرّ
(من) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق بنعت لـ (قليلا) ،
(أنجينا) فعل ماض وفاعله
(من) كالأول و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من المفعول المحذوف أي أنجيناه منهم
(الواو) عاطفة
(اتّبع) فعل ماض
(الذين) اسم موصول في محلّ رفع فاعلـ (ظلموا) فعل ماض وفاعله
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(أترفوا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ.. والواو نائب الفاعلـ (فيه) مثل منهم متعلّق بـ (أترفوا) ،
(الواو) عاطفة
(كانوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- والواو اسم كان
(مجرمين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة: «لولا كان من القرون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ينهون ... » في محلّ رفع نعت لـ (أولو) .
وجملة: «أنجينا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «اتّبع الذين ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي فما نهوا عن الفساد واتّبع الذين ...وجملة: «ظلموا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «أترفوا فيه» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «كانوا مجرمين» لا محلّ لها معطوفة على جملة اتّبع الذين .
- القرآن الكريم - هود١١ :١١٦
Hud11:116