الرسم العثمانيقَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلٰى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَآءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
الـرسـم الإمـلائـيقَالَ سَاٰوِىۡۤ اِلٰى جَبَلٍ يَّعۡصِمُنِىۡ مِنَ الۡمَآءِؕ قَالَ لَا عَاصِمَ الۡيَوۡمَ مِنۡ اَمۡرِ اللّٰهِ اِلَّا مَنۡ رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا الۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ الۡمُغۡرَقِيۡنَ
تفسير ميسر:
قال ابن نوح; سألجأ إلى جبل أتحصَّن به من الماء، فيمنعني من الغرق، فأجابه نوح; لا مانع اليوم من أمر الله وقضائه الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا مَن رحمه الله تعالى، فآمِنْ واركب في السفينة معنا، وحال الموج المرتفع بين نوح وابنه، فكان من المغرقين الهالكين.
"قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" وقيل إنه اتخذ له مركبا من زجاج وهذا من الإسرائيليات والله أعلم بصحته والذي نص عليه القرآن أنه قال "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق فقال لها أبوه نوح عليه السلام "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله وقيل إن عاصما بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس بمعني مطعوم ومكسو "وحال بينهما الموج فكان من المغرقين".
قوله تعالى ; قال سآوي أي أرجع وأنضم . " إلى جبل يعصمني " أي يمنعني من الماء فلا أغرق .قال لا عاصم اليوم من أمر الله أي لا مانع ; فإنه يوم حق فيه العذاب على الكفار . وانتصب " عاصم " على التبرئة . ويجوز " لا عاصم اليوم " تكون لا بمعنى ليس .إلا من رحم في موضع نصب استثناء ليس من الأول ; أي لكن من رحمه الله فهو يعصمه ، قاله الزجاج . ويجوز أن يكون في موضع رفع ، على أن عاصما بمعنى معصوم ; مثل ; ماء دافق أي مدفوق ; فالاستثناء . على هذا متصل ; قال الشاعر ;[ ص; 37 ]بطيء القيام رخيم الكلا م أمسى فؤادي به فاتناأي مفتونا . وقال آخر ( الشاعر هو الحطيئة ) ;دع المكارم لا تنهض لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسيأي المطعوم المكسو . قال النحاس ; ومن أحسن ما قيل فيه أن تكون " من " في موضع رفع ; بمعنى لا يعصم اليوم من أمر الله إلا الراحم ; أي إلا الله . وهذا اختيار الطبري . ويحسن هذا أنك لم تجعل عاصما بمعنى معصوم فتخرجه من بابه ، ولا " إلا " بمعنى " لكن "وحال بينهما الموج يعني بين نوح وابنه .فكان من المغرقين قيل ; إنه كان راكبا على فرس قد بطر بنفسه ، وأعجب بها ; فلما رأى الماء جاء قال ; يا أبت فار التنور ، فقال له أبوه ; يا بني اركب معنا فما استتم المراجعة حتى جاءت موجة عظيمة فالتقمته هو وفرسه ، وحيل بينه وبين نوح فغرق . وقيل ; إنه اتخذ لنفسه بيتا من زجاج يتحصن فيه من الماء ، فلما فار التنور دخل فيه وأقفله عليه من داخل ، فلم يزل يتغوط فيه ويبول حتى غرق بذلك . وقيل ; إن الجبل الذي أوى إليه " طور سيناء " .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; قال ابن نوح لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة خوفًا عليه من الغرق; ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) يقول; سأصير إلى جبل أتحصّن به من الماء ، (30) فيمنعني منه أن يغرقني.* * *ويعني بقوله; (يعصمني) يمنعني، مثل " عصام القربة " ، الذي يشدُّ به رأسها ، فيمنع الماء أن يسيل منها. (31)* * *وقوله; (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)، يقول; لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نـزل بالخلق من الغرق والهلاك ، إلا من رحمنا فأنقذنا منه، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم.* * *، ف " من " في موضع رفع، لأن معنى الكلام; لا عاصم يَعصم اليوم من أمر الله إلا الله.* * *وقد اختلف أهل العربية في موضع " من " في هذا الموضع.فقال بعض نحويي الكوفة; هو في موضع نصب، لأن المعصوم بخلاف العاصم، والمرحوم معصوم . قال; كأن نصبه بمنـزلة قوله; مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [ سورة النساء ; 157] ، قال; ومن استجاز ; اتِّبَاعَ الظَّنِّ ، والرفع في قوله; (32)وَبَلْـــــدَةٌ لَيْسَ بِهَـــــا أَنِيسُإِلا الْيَعَـــــــــافِيرُ وَإِلا العِيسُ (33)لم يجز له الرفع في " من "، لأن الذي قال; " إلا اليعافير "، جعل أنيس البرِّ ، اليعافير وما أشبهها. وكذلك قوله; إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ، يقول علمهم ظنٌّ. قال; وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول; " المعصوم " هو " عاصم " في حال، ولكن لو جعلت " العاصم " في تأويل " معصوم " ، [كأنك قلت]; " لا معصوم اليوم من أمر الله " ، (34) لجاز رفع " من ". قال; ولا ينكر أن يخرج " المفعول " على " فاعل "، ألا ترى قوله; مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ، [سورة الطارق; 6] ، معناه ، والله أعلم ; مدفوق ، وقوله; فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ، معناها; مرضية؟ قال الشاعر; (35)دَعِ الْمَكَــارِمَ لا تَرْحَــلْ لِبُغْيَتِهَــاوَاقْعُـدْ فَـإِنَّكَ أَنْـتَ الطَّـاعِمُ الْكَاسِي (36)ومعناه; المكسوُّ.* * *وقال بعض نحويّي البصرة; (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) ، على; " لكن من رحم "، ويجوز أن يكون على; لا ذا عصمة; أي ; معصوم، ويكون (إلا من رحم) ، رفعًا بدلا من " العاصم " .* * *قال أبو جعفر; ولا وجه لهذه الأقوال التي حكيناها عن هؤلاء، لأن كلام الله تعالى إنما يُوَجَّه إلى الأفصح الأشهر من كلام من نـزل بلسانه ، ما وُجِد إلى ذلك سبيل.ولم يضطرَّنا شيء إلى أن نجعل " عاصمًا " في معنى " معصوم "، ولا أن نجعل " إلا " بمعنى " لكن "، إذ كنا نجد لذلك في معناها الذي هو معناه في المشهور من كلام العرب مخرجًا صحيحًا، وهو ما قلنا من أنَّ معنى ذلك; قال نوح; لا عاصم اليوم من أمر الله ، إلا من رحمَنا فأنجانا من عذابه، كما يقال; " لا مُنجي اليوم من عذاب الله إلا الله " ، " ولا مطعم اليومَ من طعام زيد إلا زيد " . فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم.* * *وقوله; (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)، يقول; وحال بين نوح وابنه موجُ الماء فغرق، (37) فكان ممن أهلكه بالغرق من قوم نوح صلى الله عليه وسلم.-----------------------الهوامش ;(30) انظر تفسير " أوى " فيما سلف 13 ; 477 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(31) انظر تفسير " يعصم " فيما سلف 10 ; 472 ، تعليق ; 2 / 15 ; 73 .(32) هو جران العود .(33) سلف البيت وتخريجه فيما مضى 9 ; 203 .(34) الزيادة بين القوسين من معاني القرآن للفراء ، وهو نص كلامه .(35) هو الحطيئة .(36) ديوانه ; 54 ، وطبقات فحول الشعراء ; 98 ، واللسان ( طعم ) ، ( كسا ) ، ومعاني القرآن للفراء ، وغيرها كثير ، في خبره المشهور لما ذم الزبرقان ، واستعدى عليه عمر بن الخطاب ، وقال عمر لحسان ; أهجاه ؟ قال ; لا ، ولكنه ذرق عليه ! وقد فسرته على أن " الطاعم " و" الكاسي " ، على النسب ، أي ; ذو الطعام ، يشتهيه ويستجيده من شرهه ، وذو الكسوة ، يتخيرها ويتأنق فيها ، لا هم له في المكارم . ولذلك قال الزبرقان لعمر ; أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس ! ! ومثل هذا قول عبد الرحمن بن حسان ;إنِّـي رأَيْـتُ مِـنَ المَكَـارِمِ حَسْـبَكُمأَن تَلْبَسُــوا حُـرَّ الثِّيَـابِ وَتَشْـبَعُوا.(37) انظر تفسير " حال " فيما سلف 13 ; 472 .
فـ { قَالَ } ابنه، مكذبا لأبيه أنه لا ينجو إلا من ركب معه السفينة. { سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } أي: سأرتقي جبلا، أمتنع به من الماء، فـ { قَالَ } نوح: { لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } فلا يعصم أحدا، جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب، لما نجا إن لم ينجه الله. { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ } الابن { مِنَ الْمُغْرَقِينَ }
(قال) فعل ماض، والفاعل هو أي ابن نوح
(السين) حرف استقبالـ (آوي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل أنا
(إلى جبل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (آوي) ،
(يعصمني) مضارع مرفوع.. و (النون) للوقاية و (الياء) مفعول به، والفاعل هو (من الماء) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يعصم) ،
(قال) مثل الأول، والفاعل هو أي نوح
(لا) نافية للجنس
(عاصم) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصبـ (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بحال من أمر الله ،
(من أمر) جارّ ومجرور متعلّق بخبر لا
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(إلّا) أداة استثناء
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء المتّصل أو المنقطع بحسب تأويل معنى عاصم ،
(رحم) فعل ماض، والفاعل هو أي الله ،(الواو) عاطفة
(حال) فعل ماض
(بين) ظرف مكان منصوبمتعلّق بـ (حال) ، و (هما) ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه
(الموج) فاعل مرفوع
(الفاء) عاطفة
(كان) ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من المغرقين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «سآوي ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «يعصمني ... » في محلّ جرّ نعت لجبل.
وجملة: «قالـ (الثانية) ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «لا عاصم.. من أمر الله ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «رحم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «حال.. الموج ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «كان من المغرقين ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة حال.
- القرآن الكريم - هود١١ :٤٣
Hud11:43