الرسم العثمانيفَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلٰى قَوْمِ لُوطٍ
الـرسـم الإمـلائـيفَلَمَّا رَاٰۤ اَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ اِلَيۡهِ نَـكِرَهُمۡ وَاَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيۡفَةً ؕ قَالُوۡا لَا تَخَفۡ اِنَّاۤ اُرۡسِلۡنَاۤ اِلٰى قَوۡمِ لُوۡطٍ
تفسير ميسر:
فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تَصِل إلى العجل الذي أتاهم به ولا يأكلون منه، أنكر ذلك منهم، وأحس في نفسه خيفة وأضمرها، قالت الملائكة -لما رأت ما بإبراهيم من الخوف-; لا تَخَفْ إنا ملائكة ربك أُرسلنا إلى قوم لوط لإهلاكهم.
وقوله "فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم" تنكرهم "وأوجس منهم خيفة" وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم "وأوجس منهم خيفة" قال السدي; لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه فلما رآهم أجلهم "فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين" فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول - وامرأته قائمة وهو جالس - في قراءة ابن مسعود "فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون" قالوا يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال فإن لهذا ثمنا قالوا وما ثمنه؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت; عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا! وقال ابن حاتم; حدثنا علي بن الحسين حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محيصن في ضيف إبراهيم قال; كانوا أربعة; جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم فقرب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار وقوله تعالى إخبارا عن الملائكة "قالوا لا تخف" أي قالوا لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم فضحكت سارة استبشارا بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظ كفرهم وعنادهم فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوما يأتيهم العذاب وهم في غفلة وقوله "ومن وراء إسحاق يعقوب" قال العوفي عن ابن عباس; فضحكت أي حاضت وقول محمد بن قيس إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط وقول الكلبي; إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعفا ووجدا وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما فلا يلتفت إلى ذلك والله أعلم. وقال وهب بن منبه; إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها.
قوله تعالى ; فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم يقول ; أنكرهم ; تقول ; نكرتك وأنكرتك واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته ; قال الشاعر ;وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعافجمع بين اللغتين . ويقال ; نكرت لما تراه بعينك . وأنكرت لما تراه بقلبك .
القول في تأويل قوله تعالى ; فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; فلما رأى إبراهيم أيديَهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به، والطعام الذي قدّم إليهم ، نكرهم، وذلك أنه لما قدم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم ، فيما ذكر، كفّوا عن أكله، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله. وكان إمساكهم عن أكله ، عند إبراهيم ، وهم ضِيَفانه مستنكرًا. ولم تكن بينهم معرفةٌ، وراعه أمرهم، وأوجس في نفسه منهم خيفة.* * *وكان قتادة يقول; كان إنكاره ذلك من أمرهم ، كما;-18311- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة; (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة) ، وكانت العرب إذا نـزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم، ظنوا أنه لم يجئ بخير، وأنه يحدِّث نفسه بشرّ.18312- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرَهم) ، قال ; كانوا إذا نـزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم، ظنوا أنه لم يأت بخير، وأنه يحدّث نفسه بشرّ، ثم حدَّثوه عند ذلك بما جاؤوا.*وقال غيره في ذلك ما;-18313- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل، عن الأسود بن قيس، عن جندب بن سفيان قال; لما دخل ضيف إبراهيم عليه السلام ، قرّب إليهم العجل، فجعلوا ينكتُون بقِداح في أيديهم من نبْل، ولا تصل أيديهم إليه، نكرهم عند ذلك. (37)* * *يقال منه; " نكرت الشيء أنكره "، و " أنكرته أنكره " ، بمعنى واحد، ومن " نكرت " و " أنكرت "، قول الأعشى;وَأَنْكَـرَتْنِي وَمَـا كَـانَ الَّـذِي نَكِـرَتْمِـنَ الحَـوَادِثِ , إلا الشَّـيْبَ وَالصَّلَعَا (38)فجمع اللغتين جميعا في البيت. وقال أبو ذؤيب;فَنَكِرْنَــهُ , فَنَفَـرْنَ, وامْتَرَسَـتْ بِـهِهَوْجَــاءُ هَادِيَــةٌ وَهَــادٍ جُرْشُـعُ (39)* * *وقوله; (وأوجس منهم خيفة) ، يقول; أحسَّ في نَفسه منهم خيفة وأضمرها. (40) ، (قالوا لا تخف ) ، يقول; قالت الملائكة ، لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم; لا تخف منا وكن آمنًا، فإنا ملائكة ربّك ، (أرسلنا إلى قوم لوط).---------------------الهوامش ;(37) الأثر ; 18313 - " الأسود بن قيس العبدي ، البجلي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم ; 7440 .و" جندب بن سفيان " ، منسوب إلى جده ، وهو ; " جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي " ، كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا حزورًا ، كما قال هو ، وهو الذي راهق ، ولم يدرك بعد . مترجم في الإصابة ، وغيره ، وفي التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 220 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 510 .(38) ديوانه ; 72 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 293 ، واللسان ( نكر ) وغيرهما ، وسيأتي في التفسير 29 ; 145 ( بولاق ) ، ومما يرويه أبو عبيدة ، أن أبا عمرو بن العلاء قال ; " أنا قلت هذا البيت وأستغفر الله " ، فلم يروه ، وأنه أنشد بشارًا هذا البيت وهو يسمعه وقيل له ; إنه للأعشى ، فقال ; ليس هذا من كلامه . فقلت له ; يا سيدي ، ولا عرف القصيدة . ثم قال ; أعمى شيطان . وهذه قصة تروى أنا في شك منها .(39) ديوانه ، ( ديوان الهذليين ) 1 ; 8 ، وشرح المفضليات ; 867 ، وغيرهما ، يذكر حمر الوحش ، لما شرعت في الماء ، وسمعت حس الصائد ، فقال ;فَشَــرِبْنَ ثُـمَّ سَـمِعْنَ حِسًّـا دُونَـهُشَـرَفُ الحِجَـابِ , وَرَيْبَ قَرْعٍ يَقْرَعُوَنمِيمَــةً مِـنْ قَــانِصٍ متلبِّــبٍفـي كَفِّـهِ جَـشْءٌ أَجَـشُّ وأَقْطَـعُيقول ; سمعن حس الصائد ، يحجبه ما ارتفع من الحرة وهو " شرف الحجاب " ، ثم يقول ; سمعن ما رابهن من قرع القوس وصوت الوتر ، وسمعن نميمة الصائد ، وهو ما ينم عليه من حركته ، و" المتلبب "المحتزم بثوبه . و" الجشء " القضيب الذي تعمل منه القوس . و" أجش " غليظ الصوت . و" الأقطع " جمع " قطع " ( بكسر فسكون ) ، وهو نصل بين النصلين ، صغير . يقول ; فلما سمعت ذلك أنكرته فنفرت ، فامترست الأتان بالحمار ، أي دنت منه دنوًا شديدًا ، من شدة ملازمتها له . و"سطعاء " طويلة العنق ، و"هادية " متقدمة ، وهو "هاد " متقدم ، " جرشع "، منتفخ الجنبين .وأما رواية " هوجاء هادية " ، فإنه يعني ; جريئة متقدمة . .(40) انظر تفسير " خيفة " فيما سلف 13 ; 353 .
{ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ } أي: إلى تلك الضيافة { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } وظن أنهم أتوه بشر ومكروه، وذلك قبل أن يعرف أمرهم. فـ { قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ } أي: إنا رسل الله, أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - هود١١ :٧٠
Hud11:70