وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلٰلُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْءَاصَالِ
وَلِلّٰهِ يَسۡجُدُ مَنۡ فِى السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضِ طَوۡعًا وَّكَرۡهًا وَّظِلٰلُهُمۡ بِالۡغُدُوِّ وَالۡاٰصَالِ ۩
تفسير ميسر:
ولله وحده يسجد خاضعًا منقادًا كُلُّ مَن في السموات والأرض، فيسجد ويخضع له المؤمنون طوعًا واختيارًا، ويخضع له الكافرون رغمًا عنهم؛ لأنهم يستكبرون عن عبادته، وحالهم وفطرتهم تكذِّبهم في ذلك، وتنقاد لعظمته ظلال المخلوقات، فتتحرك بإرادته أول النهار وآخره.
يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ودان له كل شيء ولهذا يسجد له كل شيء طوعا من المؤمنين وكرها على الكافرين " وظلالهم بالغدو " أي البكر " والآصال " وهو جمع أصيل وهو آخر النهار كقوله تعالى " أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله ".
قوله تعالى ; ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال قوله تعالى ; ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها قال الحسن وقتادة وغيرهما ; المؤمن يسجد طوعا ، والكافر يسجد كرها بالسيف . وعن قتادة أيضا ; يسجد الكافر كارها حين لا ينفعه الإيمان . وقال الزجاج ; سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة . وقال ابن زيد ; " طوعا " من دخل في الإسلام رغبة ، و " كرها " من دخل فيه رهبة بالسيف . وقيل ; " طوعا " من طالت مدة إسلامه فألف السجود ، و " كرها " من يكره نفسه لله تعالى ; فالآية في المؤمنين ، وعلى هذا يكون معنى " والأرض " وبعض من في الأرض . قال القشيري ; وفي الآية مسلكان ; أحدهما ; أنها عامة والمراد بها التخصيص ; فالمؤمن يسجد طوعا ، وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين ; فالآية محمولة على هؤلاء ، ذكره الفراء . وقيل على هذا القول ; الآية في المؤمنين ; منهم من يسجد طوعا لا يثقل عليه السجود ، ومنهم من يثقل عليه ; لأن التزام التكليف مشقة ، ولكنهم يتحملون المشقة إخلاصا وإيمانا ، إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه . والمسلك الثاني ; وهو الصحيح - إجراء الآية على التعميم ; وعلى هذا طريقان ; أحدهما ; أن المؤمن يسجد طوعا ، وأما الكافر فمأمور [ ص; 264 ] بالسجود مؤاخذ به . والثاني ; وهو الحق - أن المؤمن يسجد ببدنه طوعا ، وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق ، يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع ; وهذا كقوله ; وإن من شيء إلا يسبح بحمده وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة .وظلالهم بالغدو والآصال أي ظلال الخلق ساجدة لله تعالى بالغدو والآصال ; لأنها تبين في هذين الوقتين ، وتميل من ناحية إلى ناحية ; وذلك تصريف الله إياها على ما يشاء ; وهو كقوله تعالى ; أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون قاله ابن عباس وغيره . وقال مجاهد ; ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ; وظل الكافر يسجد كرها وهو كاره . وقال ابن الأنباري ; يجعل للظلال عقول تسجد بها وتخشع بها ، كما جعل للجبال أفهام حتى خاطبت وخوطبت . قال القشيري ; في هذا نظر ; لأن الجبل عين ، فيمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة ، وأما الظلال فآثار وأعراض ، ولا يتصور تقدير الحياة لها ، والسجود بمعنى الميل ; فسجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب ; يقال ; سجدت النخلة أي مالت . و الآصال جمع أصل ، والأصل جمع أصيل ; وهو ما بين العصر إلى الغروب ، ثم أصائل جمع الجمع ; قال أبو ذؤيب الهذلي ;لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائلو " ظلالهم " يجوز أن يكون معطوفا على " من " ويجوز أن يكون ارتفع بالابتداء والخبر محذوف ; التقدير ; وظلالهم سجد بالغدو والآصال و " بالغدو " يجوز أن يكون مصدرا ، ويجوز أن يكون جمع غداة ; يقوي كونه جمعا مقابلة الجمع الذي هو الآصال به .
قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعًا, فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْهًا حين يُكْرَهون على السُّجود . كما;-20298- حدثنا بشر قال; حدثنا يزيد قال; حدثنا سعيد, عن قتادة; (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) ، فأما المؤمن فيسجد طائعًا, وأما الكافر فيسجد كارهًا .20299- حدثني المثنى قال; حدثنا سويد قال; أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان قال; كان ربيع بن خُثيم إذا تلا هذه الآية; (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) قال; بلى يا رَبَّاه .20300- حدثني يونس قال; أخبرنا ابن وهب قال; قال ابن زيد, في قوله; (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) قال; من دخل طائعًا، هذا طوعًا(وكرهًا) من لم يدخل إلا بالسَّيف .* * *وقوله; (وظلالهم بالغدوّ والآصال) يقول; ويسجد أيضًا ظلالُ كل من سجد طوعًا وكرهًا بالغُدُوات والعَشَايا. (13) وذلك أن ظلَّ كلٍّ شخص فإنه يفيء بالعشيّ، كما قال جل ثناؤه أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ، [سورة النحل;48]* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك;20301- حدثني محمد بن سعد قال; حدثني أبي قال; حدثني عمي قال; حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله; (وظلالهم بالغدوّ والآصال) ، يعني; حين يفيء ظلُّ أحدهم عن يمينه أو شماله .20302- حدثني المثنى قال; حدثنا إسحاق قال; حدثنا عبد الله بن الزبير, عن سفيان قال في تفسير مجاهد; (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال; ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع, وظلُّ الكافر يسجد طوعًا وهو كاره . (14)20304- حدثني يونس قال; أخبرنا ابن وهب قال; قال ابن زيد في قوله; (وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال; ذُكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له, وقرأ; سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [سورة النحل;48]. قال; تلك الظلال تسجد لله .* * *و " الآصال "; جمع أصُلٍ, و " الأصُل "; جمع " أصيلٍ"، و " الأصيل "; هو العشيُّ, وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، (15) قال أبو ذؤيب;لَعَمْـرِي لأَنْـتَ البَيْـتُ أُكْـرِمَ أَهْلَـهُوَأَقْعُــدُ فِــي أَفْيَائِــهِ بِالأصَـائِلِ (16)* * *القول في تأويل قوله تعالى ; قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّاقال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله ;مَنْ رَبُّ السموات والأرض ومدبِّرها, فإنهم سيقولون الله . وأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول; " الله ", فقال له; قل، يا محمد; ربُّها، الذي خلقها وأنشأها, هو الذي لا تصلح العبادة إلا له, وهو الله . ثم قال; فإذا أجابوك بذلك فقل لهم; أفاتخذتم من دون رب السموات والأرض أولياء لا تملك لأنفسها نفعًا تجلبه إلى نفسها, ولا ضرًّا تدفعه عنها, وهي إذ لم تملك ذلك لأنفسها, فمِنْ مِلْكه لغيرها أبعدُ فعبدتموها, وتركتم عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الأشياء كلها . ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلا فقال; قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ .--------------------------الهوامش ;(13) انظر تفسير" الغدو" فيما سلف 13 ; 354 .(14) قوله ;" يسجد طوعًا وهو كاره" ، يعني أن الظل ، وهو من خلق الله المتعبد له ، يسجد طوعًا ، وصاحب الظل كاره للسجود ، وهو الكافر ، أعاذنا الله وإياك .(15) انظر تفسير" الآصال" فيما سلف 13 ; 354 ، 355 .(16) ديوانه ; 141 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 239 ، 328 ، والإنصاف ; 304 ، 305 ، والخزانة 2 ; 489 ، 564 ، واللسان ( أصل ) . وللنحاة فيه لجاجة كثيرة .
أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها خاضعة لربها، تسجد له { طَوْعًا وَكَرْهًا } فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع اختيارا كالمؤمنين، والكره لمن يستكبر عن عبادة ربه، وحاله وفطرته تكذبه في ذلك، { وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } أي: ويسجد له ظلال المخلوقات أول النهار وآخره وسجود كل شيء بحسب حاله كما قال تعالى: { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها كان هو الإله حقا المعبود المحمود حقا وإلاهية غيره باطلة، ولهذا ذكر بطلانها
(الواو) عاطفة
(لله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يسجد) وهو مضارع مرفوع
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعلـ (في السموات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصولـ (الأرض) معطوف على السموات بالواو مجرور
(طوعا) مصدر في موضع الحال أي طائعا
(كرها) معطوف على
(طوعا) بالواو منصوبـ (الواو) عاطفة
(ظلالهم) معطوف على الموصول من مرفوع.. و (هم) ضمير مضاف إليه
(بالغدوّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يسجد) ،
(الآصال) معطوف على الغدوّ بالواو مجرور مثله. وجملة: «يسجد ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة السابقة.