الرسم العثمانيالَّذِينَ تَتَوَفّٰىهُمُ الْمَلٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلٰمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
الـرسـم الإمـلائـيالَّذِيۡنَ تَتَوَفّٰٮهُمُ الۡمَلٰۤٮِٕكَةُ طَيِّبِيۡنَ ۙ يَقُوۡلُوۡنَ سَلٰمٌ عَلَيۡكُمُۙ ادۡخُلُوا الۡجَـنَّةَ بِمَا كُنۡتُمۡ تَعۡمَلُوۡنَ
تفسير ميسر:
جنات إقامة لهم، يستقرون فيها، لا يخرجون منها أبدًا، تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار، لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم، بمثل هذا الجزاء الطيب يجزي الله أهل خشيته وتقواه الذين تقبض الملائكةُ أرواحَهم، وقلوبُهم طاهرة من الكفر، تقول الملائكة لهم; سلام عليكم، تحية خاصة لكم وسلامة من كل آفة، ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون من الإيمان بالله والانقياد لأمره.
ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار أنهم طيبون أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة كقوله تعالى "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم" وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء".
الذين تتوفاهم الملائكة طيبين قرأ [ ص; 92 ] الأعمش وحمزة يتوفاهم الملائكة في الموضعين بالياء ، واختاره أبو عبيد ; لما روي عن ابن مسعود أنه قال ; إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم . الباقون بالتاء ; لأن المراد به الجماعة من الملائكة . وطيبين فيه ستة أقوال ; الأول ; طيبين طاهرين من الشرك . الثاني ; صالحين . الثالث ; زاكية أفعالهم وأقوالهم . الرابع ; طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله - تعالى - . الخامس ; طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله . السادس ; طيبين أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم ; بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط . والله أعلم .يقولون سلام عليكم يحتمل وجهين ; أحدهما ; أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة . الثاني ; أن يكون تبشيرا لهم بالجنة ; لأن السلام أمان . وذكر ابن المبارك قال ; حدثني حيوة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي قال ; إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال ; السلام عليك ولي الله الله يقرأ عليك السلام . ثم نزع بهذه الآية " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم " . وقال ابن مسعود ; إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال ; ربك يقرئك السلام . وقال مجاهد ; إن المؤمن ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر عينه . وقد أتينا على هذا في ( كتاب التذكرة ) وذكرنا هناك الأخبار الواردة في هذا المعنى ، والحمد لله .وقوله ; ادخلوا الجنة يحتمل وجهين ; أحدهما ; أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنة . الثاني ; أن يقولوا ذلك لهم في الآخرةبما كنتم تعملون يعني في الدنيا من الصالحات .
يقول تعالى ذكره; كذلك يجزي الله المتقين الذين تَقْبِض أرواحَهم ملائكةُ الله، وهم طيبون بتطييب الله إياهم بنظافة الإيمان، وطهر الإسلام في حال حياتهم وحال مماتهم.كما حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال; أخبرنا أبو حُذيفة، قال; ثنا شبل وحدثني المثنى، قال; أخبرنا إسحاق، قال; ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ) قال; أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وقوله ( يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ) يعني جلّ ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين، وهي تقول لهم; سلام عليكم صيروا إلى الجنة بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة.كما حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال; أخبرنا ابن وهب ، قال; أخبرني أبو صخر، أنه سمع محمد بن كعب القُرَظيّ يقول; إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال; السلام عليك وليّ الله، الله يقرأ عليك السلام ، ثم نـزع بهذه الآية ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ) ... إلى آخر الآية.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس، قوله فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ قال; الملائكة يأتونه بالسلام من قِبَل الله، وتخبره أنه من أصحاب اليمين.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثنا الأشبُّ أبو عليّ، عن أبي رجاء، عن محمد بن مالك، عن البراء، قال; قوله سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قال; يسلم عليه عند الموت.وقوله ( بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يقول; بما كنتم تصيبون في الدنيا أيام حياتكم فيها طاعة الله ، طلب مرضاته.
{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ْ} مستمرين على تقواهم { طَيِّبِينَ ْ} أي: طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق إليهم ويخل في إيمانهم، فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته وألسنتهم بذكره والثناء عليه، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه، { يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ْ} أي: التحية الكاملة حاصلة لكم والسلامة من كل آفة. وقد سلمتم من كل ما تكرهون { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ} من الإيمان بالله والانقياد لأمره، فإن العمل هو السبب والمادة والأصل في دخول الجنة والنجاة من النار، وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم لا بحولهم وقوتهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النحل١٦ :٣٢
An-Nahl16:32