وَأَوْحٰى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
وَاَوۡحٰى رَبُّكَ اِلَى النَّحۡلِ اَنِ اتَّخِذِىۡ مِنَ الۡجِبَالِ بُيُوۡتًا وَّمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
وألْهَمَ ربك -أيها النبي- النحل بأن اجعلي لك بيوتًا في الجبال، وفي الشجر، وفيما يبني الناس من البيوت والسُّقُف.
المراد بالوحى هنا الإلهام والهداية والإرشاد للنحل أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون ثم محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصها بحيث لا يكون في بيتها خلل.
قوله تعالى ; وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون فيه ثلاث مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; وأوحى ربك إلى النحل قد مضى القول في الوحي وأنه قد يكون بمعنى الإلهام ، وهو ما يخلقه الله - تعالى - في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، وهو من قوله - تعالى - ; ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . ومن ذلك البهائم وما يخلق الله سبحانه فيها من درك منافعها واجتناب مضارها وتدبير معاشها . وقد أخبر - عز وجل - بذلك عن الموات فقال ; تحدث أخبارها . بأن ربك أوحى لها . قال إبراهيم الحربي . لله - عز وجل - في الموات قدرة لم يدر ما هي ، لم يأتها رسول من عند الله ولكن الله - تعالى - عرفها ذلك ; أي ألهمها . ولا خلاف بين المتأولين أن الوحي هنا بمعنى الإلهام . وقرأ يحيى بن وثاب " إلى النحل " بفتح الحاء . وسمي نحلا لأن الله - عز وجل - نحله العسل الذي يخرج منه ; قاله الزجاج . الجوهري ; والنحل والنحلة الدبر يقع على الذكر والأنثى ، حتى يقال ; يعسوب . والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز ، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء . وروي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ; الذبان كلها في النار يجعلها عذابا لأهل النار إلا النحل ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . وروي عن ابن عباس قال ; نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ، خرجه أبو داود أيضا ، وسيأتي في [ النمل ] إن شاء الله - تعالى - .الثانية ; قوله تعالى ; أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون هذا إذا لم يكن لها مالك . وجعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع ، إما في الجبال [ ص; 122 ] وكواها ، وإما في متجوف الأشجار ، وإما فيما يعرش ابن آدم من الأجباح والخلايا والحيطان وغيرها . وعرش معناه هنا هيأ ، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من إتقان الأغصان والخشب وترتيب ظلالها ; ومنه العريش الذي صنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ، ومن هذا لفظة العرش . يقال ; عرش يعرش ويعرش [ بكسر الراء وضمها ] ، وقرئ بهما . قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر ، واختلف في ذلك عن عاصم .الثالثة ; قال ابن العربي ; ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة ، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة ، وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءت بينهما فرج ، إلا الشكل المسدس ; فإنه إذا جمع إلى أمثاله اتصل كأنه كالقطعة الواحدة .
يقول تعالى ذكره; وألهم ربك يا محمد النحل إيحاء إليها( أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) يعني; مما يبنون من السقوف، فرفعوها بالبناء.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثنا مروان، عن إسحاق التميمي، وهو ابن أبي الصباح، عن رجل، عن مجاهد ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) قال; ألهمها إلهاما.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، قال; بلغني، في قوله ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) قال; قذف في أنفسها.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني أبو سفيان، عن معمر، عن أصحابه، قوله ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) قال; قذف في أنفسها أن اتخذي من الجبال بيوتًا.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) ... الآية، قال; أمرها أن تأكل من الثمرات، وأمرها أن تتبع سبل ربها ذللا.وقد بيَّنا معنى الإيحاء واختلاف المختلفين فيه فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك معنى قوله ( يَعْرِشُونَ )وكان ابن زيد يقول في معنى يعرشون، ما حدثني به يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله ( يَعْرِشُونَ ) قال; الكَرْم.
تفسير الآيتين 68 و69 :ـ في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.
(الواو) استئنافيّة
(أوحى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف
(ربّك) فاعل مرفوع.. و (الكاف) مضاف إليه
(إلى النحل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أوحى) ،
(أن) حرف تفسير ،
(اتّخذي) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. و (الياء) ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلـ (من الجبال) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اتّخذي) و (من) تبعيضيّة
(بيوتا) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة في الموضعين
(من الشجر) جار ومجرور متعلّق بما تعلّق به الجارّ الأول فهو معطوف عليه
(من) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بالفعل الأخير ومعطوف على الجارّ الأولـ (يعرشون) مضارع مرفوع..
و (الواو) فاعل.
جملة: «أوحى ربّك..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «اتّخذي ... » لا محلّ لها تفسيريّة.
وجملة: «يعرشون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
(ثمّ) حرف عطف
(كلي) مثل اتخذي
(من كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (كلي) ،
(الثمرات) مضاف إليه مجرور
(الفاء) عاطفة
(اسلكي) مثل اتّخذي،
(سبل) مفعول به
(ربّك) مضاف إليه مجرور.. و (الكاف) مضاف إليه
(ذللا) حال من(سبلا) ،منصوبـ (يخرج) مضارع مرفوع
(من بطونها) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يخرج) ، و (ها) مضاف إليه
(شراب) فاعل مرفوع
(مختلف) نعت لشراب مرفوع
(ألوانه) فاعل اسم الفاعل مختلف مرفوع..
و (الهاء) مضاف إليه
(في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبرمقدّم
(شفاء) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(للناس) جارّ ومجرور متعلّق بشفاء .
(إنّ في.. يتفكّرون) مثل إنّ ... يسمعون .
وجملة: «كلي ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اتّخذي.
وجملة: «اسلكي ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كلي.
وجملة: «يخرج.. شراب» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «إنّ في ذلك لآية ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «فيه شفاء ... » في محلّ رفع نعت ثان لشراب.