الرسم العثمانيوَيَدْعُ الْإِنسٰنُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسٰنُ عَجُولًا
الـرسـم الإمـلائـيوَيَدۡعُ الۡاِنۡسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهٗ بِالۡخَيۡرِ ؕ وَكَانَ الۡاِنۡسَانُ عَجُوۡلًا
تفسير ميسر:
ويدعو الإنسان أحيانًا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر، وذلك عند الغضب، مثل ما يدعو بالخير، وهذا من جهل الإنسان وعجلته، ومن رحمة الله به أنه يستجيب له في دعائه بالخير دون الشر؛ لأنه يعلم منه عدم القصد إلى إرادة ذلك، وكان الإنسان بطبعه عجولا.
يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله بالشر أي بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه كما قال تعالى "ولو يعجل الله للناس الشر" الآية وكذا فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة وقد تقدم في الحديث "لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها" وإنما يحمل ابن أدم على ذلك قلقه وعجلته ولهذا قال تعالى "وكان الإنسان عجولا" وقد ذكر سلمان الفارسي وابن عباس ههنا قصة آدم عليه السلام حين هم بالنهوض قائما قبل أن تصل الروح إلى رجليه وذلك أنه جاءته النفخة من قبل رأسه فلما وصلت إلى دماغه عطس فقال الحمد لله فقال الله "يرحمك ربك يا آدم" فلما وصلت إلى عينيه فتحهما فلما سرت إلى أعضائه وجسده جعل ينظر إليه ويعجبه فهم بالنهوض قبل أن تصل إلى رجليه فلم يستطيع قال يا رب عجل قبل الليل.
قوله تعالى ; ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا قوله تعالى ; ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير قال ابن عباس وغيره ; هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له ; اللهم أهلكه ، ونحوه .دعاءه بالخير أي كدعائه ربه أن يهب له العافية ; فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك لكن بفضله لا يستجيب له في ذلك . نظيره ; ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير وقد تقدم . وقيل ; نزلت في النضر بن الحارث ، كان يدعو ويقول ; اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . وقيل ; هو أن يدعو في طلب المحظور كما يدعو في طلب المباح ، قال الشاعر وهو ابن جامع ;أطوف بالبيت فيمن يطوف وأرفع من مئزري المسبل وأسجد بالليل حتى الصباحوأتلو من المحكم المنزل عسى فارج الهم عن يوسفيسخر لي ربة المحملقال الجوهري ; يقال ما على فلان محمل مثال مجلس أي معتمد . والمحمل أيضا ; واحد محامل الحاج . والمحمل مثال المرجل ; علاقة السيف . وحذفت الواو من ويدع الإنسان [ ص; 204 ] في اللفظ والخط ولم تحذف في المعنى لأن موضعها رفع فحذفت لاستقبالها اللام الساكنة ; كقوله - تعالى - ; سندع الزبانية ويمح الله الباطل وسوف يؤت الله المؤمنين يناد المناد فما تغن النذر .وكان الإنسان عجولا أي طبعه العجلة ، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير . وقيل ; أشار به إلى آدم - عليه السلام - حين نهض قبل أن تركب فيه الروح على الكمال . قال سلمان ; أول ما خلق الله - تعالى - من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق جسده ، فلما كان عند العصر بقيت رجلاه لم ينفخ فيهما الروح فقال ; يا رب عجل قبل الليل ; فذلك قوله ; وكان الإنسان عجولا . وقال ابن عباس ; لما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فذهب لينهض فلم يقدر ; فذلك قوله ; وكان الإنسان عجولا . وقال ابن مسعود ; لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ; فذلك حين يقول ; خلق الإنسان من عجل ذكره البيهقي . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; لما صور الله - تعالى - آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك وقد تقدم . وقيل ; سلم - عليه السلام - أسيرا إلى سودة فبات يئن فسألته فقال ; أنيني لشدة القد والأسر ; فأرخت من كتافه فلما نامت هرب ; فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ; قطع الله يديك فلما أصبحت كانت تتوقع الآفة ; فقال - عليه السلام - ; إني سألت الله - تعالى - أن يجعل دعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر ونزلت الآية ; ذكره القشيري أبو نصر - رحمه الله - . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ; اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفينه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته [ ص; 205 ] فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة . وفي الباب عن عائشة وجابر . وقيل ; معنى وكان الإنسان عجولا أي يؤثر العاجل وإن قل ، على الآجل وإن جل .
يقول تعالى ذكره مذكرا عباده أياديه عندهم، ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشرّ، فيقول; اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بالخير; يقول; كدعائه ربه بأن يهب له العافية، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده، يقول; فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشرّ كما يستجاب له في الخير هلك، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ( وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ) يعني قول الإنسان; اللهمَّ العنه واغضب عليه، فلو يُعَجل له ذلك كما يُعجل له الخير، لهلك، قال; ويقال; هو وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا أن يكشف ما به من ضرّ، يقول تبارك وتعالى; لو أنه ذكرني وأطاعني، واتبع أمري عند الخير، كما يدعوني عند البلاء، كان خيرا له.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ) يدعو على ماله، فيلعن ماله وولده، ولو استجاب الله له لأهلكه.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال; ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ) قال; يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك، وعلى خادمه، أو على ماله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ) قال; ذلك دعاء الإنسان بالشرّ على ولده وعلى امرأته، فيعجل; فيدعو عليه، ولا يحب أن يصيبه.واختلف في تأويل قوله ( وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ) فقال مجاهد ومن ذكرت قوله; معناه; وكان الإنسان عَجولا بالدعاء على ما يكره، أن يُستجاب له فيه.وقال آخرون; عنى بذلك آدم أنه عجل حين نفخ فيه الروح قبل أن تجري في جميع جسده ، فرام النهوض، فوصف ولده بالاستعجال، لما كان من استعجال أبيهم آدم القيام، قبل أن يتمّ خلقه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن المثنى، قال; ثنا محمد بن جعفر، قال; ثنا شُعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، أن سلمان الفارسيّ، قال; أوّل ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يُخلق، قال; وبقيت رجلاه؛ فلما كان بعد العصر قال; يا ربّ عَجِّل قبل الليل، فذلك قوله ( وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ).حدثنا أبو كريب، قال; ثنا عثمان بن سعيد، قال; ثنا بشر بن عمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال; لما نفخ الله في آدم من روحه أتت النفخة من قبَل رأسه، فجعل لا يجرى شيء منها في جسده، إلا صار لحما ودما؛ فلما انتهت النفخة إلى سرّته، نظر إلى جسده، فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول الله تبارك وتعالى ( وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ) قال; ضَجِرا لا صبر له على سرّاء، ولا ضرّاء.
وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله -بلطفه - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }
(الواو) استئنافيّة
(يدعو) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الواو (الإنسان) فاعل مرفوع
(بالشرّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يدعو) ،
(دعاءه) منصوب على نزع الخافض أي كدعائه ، و (الهاء) ضمير مضاف إليه، وهو فاعل المصدر،
(بالخير) جارّ ومجرور متعلّق بـ (دعاء)
(الواو) استئنافيّة
(كان) فعل ماض ناقص
(الإنسان) اسم كان مرفوع
(عجولا) خبر كان منصوب.
جملة: «يدعو الإنسان ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كان الإنسان عجولا ... » لا محلّ لها استئناف فيه معنى التعليل.
- القرآن الكريم - الإسراء١٧ :١١
Al-Isra'17:11