الرسم العثمانيوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا
الـرسـم الإمـلائـيوَاخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحۡمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيٰنِىۡ صَغِيۡرًا
تفسير ميسر:
وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة.
"واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" أي تواضع لهما بفعلك "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" أي في كبرهما وعند وفاتهما قال ابن عباس ثم أنزل الله "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الآية وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر ثم قال "آمين آمين آمين" قيل يا رسول الله علام ما أمنت؟ قال "أتاني جبريل فقال يا محمد رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك قل آمين فقلت آمين ثم قال رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له قل آمين فقلت آمين ثم قال رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين فقلت آمين" "حديث آخر" قال الإمام أحمد; حدثنا هشيم حدثنا علي بن زيد عن زرارة بن أوفى عن مالك بن الحارث عن رجل منهم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من ضم يتيما من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ومن أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزى بكل عضو منه عضوا منه" ثم قال; حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد فذكر معناه إلا أنه قال عن رجل عن قومه يقال له مالك أو ابن مالك وزاد "ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله" "حديث آخر" وقال الإمام أحمد; حدثنا عفان عن حماد ابن سلمة حدثنا علي بن زيد عن زرارة بن أوفى عن مالك بن عمرو القشيري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار فإن كل عظم من عظامه محررة بعظم من عظامه ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله عز وجل ومن ضم يتيما من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله وجبت له الجنة "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا حجاج ومحمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن قتادة سمعت زرارة بن أوفى يحدث عن أبي مالك القشيري قال; قال النبي صلى الله عليه وسلم "من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه" ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة به وفيه زيادات أخر "حديث آخر" قال الإمام أحمد; حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك أحد أبويه أو كلاهما عنده الكبر ولم يدخل الجنة" صحيح من هذا الوجه ولم يخرجوه سوى مسلم من حديث أبي عوانة وجرير وسليمان بن بلال عن سهيل به. "حديث آخر" قال الإمام أحمد; حدثنا ربعي بن إبراهيم قال أحمد وهو أخو إسماعيل بن علية وكان يفضل على أخيه عن عبدالرحمن ابن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان فانسلخ فلم يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة قال ربعي ولا أعلمه إلا قال "أو أحدهما" ورواه الترمذي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي عن ربعي بن إبراهيم ثم قال غريب من هذا الوجه. "حديث آخر" قال الإمام أحمد; حدثنا يونس حدثنا محمد حدثنا عبدالرحمن بن الغسيل حدثنا أسيد بن علي عن أبيه عن أبي عبيد عن أبي أسيل وهو مالك بن ربيعة الساعدي قال; بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال نعم خصال أربع; الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن سليمان وهو ابن الغسيل به "حديث آخر" قال الإمام أحمد; حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عبدالرحمن عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال "فهل لك من أم؟" قال نعم قال "فالزمها فإن الجنة عند رجليها" ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول ورواه النسائي وابن ماجه من حديث ابن جريج به. "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معديكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يوصيكم بآبائكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب" وأخرجه ابن ماجه من حديث عبدالله بن عياش به. "حديث آخر" قال أحمد حدثنا يونس حدثنا أبو عوانه عن أشعث بن سليم عن أبيه عن رجل من بني يربوع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو يكلم الناس يقول "يد المعطي العليا أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك" "حديث آخر" قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البزار في مسنده; حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا عمرو بن سفيان حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن ليث بن أبي سليم عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها؟ قال "لا ولا بزفرة واحدة" أو كما قال ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. قلت والحسن بن أبي جعفر ضعيف والله أعلم.
قوله تعالى ; واخفض لهما جناح الذل من الرحمة هذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما ، والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة ; كما أشار إليه سعيد بن المسيب . وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده . والذل ; هو اللين . وقراءة الجمهور بضم الذال ، من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذال وذليل . وقرأ سعيد بن جبير وابن عباس وعروة بن الزبير " الذل " بكسر الذال ، ورويت عن عاصم ; من قولهم ; دابة ذلول بينة الذل . والذل في الدواب المنقاد السهل دون الصعب . فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة ، في أقواله وسكناته ونظره ، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب .قوله تعالى ; الخطاب في هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به أمته ; إذ لم يكن له - عليه السلام - في ذلك الوقت أبوان . ولم يذكر الذل في قوله - تعالى - ; واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده . ومن في قوله ; من الرحمة لبيان الجنس ، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس ، لا بأن يكون ذلك استعمالا . ويصح أن يكون لانتهاء الغاية .ثم أمر - تعالى - عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم ، وأن ترحمهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك ; إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك [ ص; 221 ] على أنفسهما ، وأسهرا ليلهما ، وجاعا وأشبعاك ، وتعريا وكسواك ، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر ، فتلي منهما ما وليا منك ، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم . قال - صلى الله عليه وسلم - ; لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه . وسيأتي في سورة [ مريم ] الكلام على هذا الحديث .قوله تعالى ; كما ربياني خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية ، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما ، وهذا كله في الأبوين المؤمنين . وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى ، كما تقدم . وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا كله منسوخ بقوله ; ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين - إلى قوله - أصحاب الجحيم فإذا كان والدا المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به هاهنا ; إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر ; لأن هذا وحده نسخ بالآية المذكورة . وقيل ; ليس هذا موضع نسخ ، فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين ، كما تقدم . أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك ، لا رحمة الآخرة ، لا سيما وقد قيل إن قوله ; وقل رب ارحمهما نزلت في سعد بن أبي وقاص ، فإنه أسلم ، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة ، فذكر ذلك لسعد فقال ; لتمت ، فنزلت الآية . وقيل ; الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين . والصواب أن ذلك عموم كما ذكرنا ، وقال ابن عباس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا . ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا فقال رجل ; يا رسول الله ، وإن ظلماه ؟ قال ; وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه . وقد روينا بالإسناد المتصل عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال ; جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ; يا رسول الله ، إن أبي أخذ مالي . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل ; فأتني بأبيك فنزل جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ; إن الله - عز وجل - يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله ؟ فقال ; سله يا رسول الله ، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي ! فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; إيه ، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في [ ص; 222 ] نفسك ما سمعته أذناك ؟ فقال الشيخ ; والله يا رسول الله ، ما زال الله - عز وجل - يزيدنا بك يقينا ، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي . قال ; قل وأنا أسمع قال قلت ;غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبتلسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذيطرقت به دوني فعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنهالتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التيإليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظةكأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتيفعلت كما الجار المصاقب يفعل أوليتني حق الجوار ولم تكنعلي بمال دون مالك تبخلقال ; فحينئذ أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلابيب ابنه وقال ; ( أنت ومالك لأبيك ) . قال الطبراني ; اللخمي لا يروي - يعني هذا الحديث - عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد ; وتفرد به عبيد الله بن خلصة . والله أعلم .
يقول تعالى ذكره; وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، في قوله; ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال; لا تمتنع من شيء يُحبانه.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا الأشجعي ، قال; سمعت هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال; هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحبَّاه.حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال; ثنا أيوب بن سويد، قال; ثنا الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال; لا تمتنع من شيء أحباه.حدثني يعقوب، قال; ثنا ابن عُليَة، عن عبد الله بن المختار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال; هو أن لا تمتنع من شيء يريدانه.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا المقرئ أبو عبد الرحمن، عن حرملة بن عمران، عن أبي الهداج، قال; قلت لسعيد بن المسيب; ما قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال; ألم تر إلى قول العبد المذنب للسيد الفظّ الغليظ. والذُّلّ بضم الذال والذّلَّة مصدران من الذليل، وذلك أن يتذلل، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل; قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلا وذلك نظير القلّ والقلة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ، والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة، والقاف من القِلَّة، لما قال الأعشى;وَمَا كُنْتُ قُلا قبلَ ذلكَ أزْيَبَا (3)يريد; القلة، وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم; دابة ذَلول; بينة الذلّ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة.ومنه قول الله جلّ ثناؤه هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا يُجمع ذلك ذُلُلا كما قال جلّ ثناؤه فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا . وكان مجاهد يتأوّل ذلك أنه لا يتوعَّر عليها مكان سلكته.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق والشام ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ) بضمّ الذال على أنه مصدر من الذليل. وقرأ ذلك سعيد بن جبير وعاصم الجَحْدَرِيّ; (جَناحَ الذِّلّ) بكسر الذال.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا بهز بن أسد، قال; ثنا أبو عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال; كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذلولا.حدثنا نصر بن عليّ، قال; أخبرني عمر بن شقيق، قال; سمعت عاصما الجحدري يقرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال; كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذَلولا.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عمر بن شقيق، عن عاصم، مثله.قال أبو جعفر; وعلى هذا التأويل الذي تأوّله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها وبكسرها.حدثنا نصر وابن بشار؛ وحُدثت عن الفراء، قال; ثني هشيم، عن أبي بشر جعفر بن إياس. عن سعيد بن جبير، أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ) قال الفرّاء; وأخبرني الحكم بن ظهير، عن عاصم بن أبى النَّجود، أنه قرأها الذِّلّ أيضا، فسألت أبا بكر فقال; الذِّل قرأها عاصم.وأما قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فإنه يقول; ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل ربّ ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك، كما تعطفا عليّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) هكذا عُلِّمتم، وبهذا أمرتم، خذوا تعليم الله وأدبه، ذُكر لنا " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول; مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيهِ أوْ أحَدَهُما ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذلكَ فأبْعَدَهُ الله وأسْحَقَهُ". ولكن كانوا يرون أنه من بَرّ والديه، وكان فيه أدنى تُقى، فإن ذلك مُبْلِغه جسيم الخير، وقال جماعة من أهل العلم; إن قول الله جلّ ثناؤه ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) منسوخ بقوله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ بن داود، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) ثم أنـزل الله عزّ وجلّ بعد هذا مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قال في سورة بني إسرائيل (إمَّا يَبْلُغانّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدهُمُا أو كِلاهُما).... إلى قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فنسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ... الآية.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، قال; قال ابن جريج، قال ابن عباس ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا ).... الآية، قال; نسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . .. الآية.وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا في كلّ الآباء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويلها على الخصوص، فيكون معنى الكلام; وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنين، كما رَبياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقوله ربياني; نَمَّياني .------------------الهوامش ;(3) هذا عجز بيت للأعشى ميمون بن قيس ( ديوان طبع القاهرة ، بشرح الدكتور محمد حسين ص 115) من قصيدة يهجو بها عمرو بن المنذر بن عبدان ، ويعاتب بني سعد بن قيس ; وصدره ; "فأرضوه أن أعطوه مني ظلامة" . وقال في (لسان العرب; زيب) الأزيب; الدعي ؛ قال الأعشى يذكر رجلا من قيس عيلان ، كان جارا لعمرو بن المنذر ، وكان اتهم هداجا قائد الأعشى بأنه سرق راحلة له ، لأنه وجد بعض لحمها في بيته ، فأخذ هداج وضرب والأعشى جالس ؛ فقام ناس منهم فأخذوا من الأعشى قيمة الراحلة ، فقال الأعشى ;دَعـا رَهْطَـهُ حَـوْلِي فَجَاءُوا لِنَصْرِهِوَنَــادَيْتُ حَــيًّ بالمُسَــانَّاهِ غُيَّبًـافَـأَعْطَوْهُ مِنِّـيَ النِّصْفَ أَوْ ضَعْفُوا لَهُوَمـا كُـنْتُ قُـلاّ قَبْـلَ ذَلِـكَ أَزْيَبَــاأي كنت غريبا في ذلك الموضع ، لا ناصر لي . والنصف ; النصفة . يقول ; أرضوه وأعطوه النصف أو فوقه . والقل من الرجال الخسيس ، ومنه قول الأعشى . أ هـ .
{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } أي: تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد. { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا } أي: ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيرا. وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الإسراء١٧ :٢٤
Al-Isra'17:24