الرسم العثمانيوَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا
الـرسـم الإمـلائـيوَيَوۡمَ يَقُوۡلُ نَادُوۡا شُرَكَآءِىَ الَّذِيۡنَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيۡبُوۡا لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ مَّوۡبِقًا
تفسير ميسر:
واذكر لهم إذ يقول الله للمشركين يوم القيامة; نادوا شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي في العبادة؛ لينصروكم اليوم مني، فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم، وجعلنا بين العابدين والمعبودين مهلكًا في جهنم يهلكون فيه جميعًا.
يقول تعالى مُخبرا عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رءوس الأشهاد تقريعًا لهم وتوبيخًا " نادوا شركائي الذين زعمتم " أي في دار الدنيا ادعوهم اليوم ينقذونكم مما أنتم فيه كما قال تعالى " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " وقوله " فدعوهم فلم يستجيبوا لهم " كما قال " وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم " الآية وقال " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له " الآيتين وقال تعالى " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقوله وجعلنا بينهم موبقا قال ابن عباس وقتادة وغير واحد مهلكًا وقال قتادة; ذكر لنا أن عمرًا البكالي حدث عن عبدالله بن عمرو قال; هو واد عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة وقال قتادة; موبقا واديا في جهنم. وقال ابن جرير; حدثني محمد بن سنان القزاز حدثنا عبد الصمد حدثنا يزيد بن زريع سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله تعالى " وجعلنا بينهم موبقًا " قال واد في جهنم من قيح ودم وقال الحسن البصري; موبقا عداوة والظاهر من السياق ههنا أنه المهلك ويجوز أن يكون واديًا في جهنم أو غيره والمعنى أن الله تعالى بيَّن أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير.وأما إن جعل الضمير في قوله " بينهم " عائدًا إلى المؤمنين والكافرين كما قال عبد الله بن عمرو إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به فهو كقوله تعالى " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون " وقال " يومئذ يصدعون " وقال تعالى " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " وقال تعالى " ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم ـ إلى قوله- وضل عنهم ما كانوا يفترون ".
قوله تعالى ; ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم أي اذكروا يوم يقول الله ; أين شركائي ؟ أي ادعوا الذين أشركتموهم بي فليمنعوكم من عذابي . وإنما يقول ذلك لعبدة الأوثان . وقرأ حمزة ويحيى وعيسى بن عمر " نقول " بنون . الباقون بالياء ; لقوله ; شركائي ولم يقل ; شركائنا .فدعوهم أي فعلوا ذلك .فلم يستجيبوا لهم أي لم يجيبوهم إلى نصرهم ولم يكفوا عنهم شيئا .وجعلنا بينهم موبقا قال أنس بن مالك ; هو واد في جهنم من قيح ودم . وقال ابن عباس ; أي وجعلنا بين المؤمنين والكافرين حاجزا . وقيل ; بين الأوثان وعبدتها ، ونحو قوله ; فزيلنا بينهم قال ابن الأعرابي ; كل شيء حاجز بين شيئين فهو موبق ، وذكر ابن وهب عن مجاهد في قوله - تعالى - ; موبقا قال واد في جهنم يقال له موبق ، وكذلك قال نوف البكالي إلا أنه قال ; يحجز بينهم وبين المؤمنين . عكرمة ; هو نهر في جهنم يسيل نارا على حافتيه حيات مثل البغال الدهم فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا منها بالاقتحام في النار .وروى زيد بن درهم عن أنس بن مالك قال ; موبقا ( واد من قيح ودم في جهنم ) . وقال عطاء والضحاك ; مهلكا في جهنم ; ومنه يقال ; أوبقته ذنوبه إيباقا . وقال أبو عبيدة ; موعدا للهلاك . الجوهري ; وبق يبق وبوقا هلك ، والموبق مثل الموعد مفعل من وعد يعد ، ومنه قوله - تعالى - ; وجعلنا بينهم موبقا . وفيه لغة أخرى ; وبق يوبق وبقا . وفيه لغة ثالثة ; وبق يبق بالكسر فيهما ، وأوبقه أي أهلكه . وقال زهير ;ومن يشتري حسن الثناء بماله يصن عرضه من كل شنعاء موبققال الفراء ; جعل تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)يقول عزّ ذكره ، (وَيَوْمَ يَقُولُ) الله عزّ ذكره للمشركين به الآلهة والأنداد (نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) يقول لهم; ادعوا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في العبادة لينصروكم ويمنعوكم مني (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) يقول; فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا)فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم; معناه; وجعلنا بين هؤلاء المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا يومئذ عداوة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال; ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، في قول الله; (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; جعل بينهم عداوة يوم القيامة.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عثمان بن عمر، عن عوف، عن الحسن (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; عداوة.وقال آخرون; معناه; وجعلنا فعلهم ذلك لهم مَهْلِكا.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; مَهْلِكا.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله; (مَوْبِقًا) قال; هلاكا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; الموبق; المهلك، الذي أهلك بعضهم بعضا فيه، أوبق بعضهم بعضا ، وقرأ (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا).حُدثت عن محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك (مَوْبِقًا) قال; هلاكا.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن منصور، عن عرفجة، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; مهلكا.وقال آخرون; هو اسم واد في جهنم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار، قال; ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عمرو البِكَالّي; (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; واد عميق فُصِل به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، وأهل الجنة، وأهل النار.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) ذكر لنا أن عمر البِكَالي حدّث عن عبد الله بن عمرو، قال; هو واد عميق فُرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا عمر بن عبيد، عن الحجاج بن أرطاة، قال; قال مجاهد (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; واديا في النار.حدثنا محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن ، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; واديا في جهنم.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثني محمد بن سنان القزاز، قال; ثنا عبد الصمد، قال; ثنا يزيد بن درهم، قال; سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عزّ وجلّ(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال; واد في جهنم من قيح ودم.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، ومن وافقه في تأويل الموبق; أنه المهلك، وذلك أن العرب تقول في كلامها; قد أوبقت فلانا; إذا أهلكته ، ومنه قول الله عز وجل; أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا بمعنى; يهلكهن. ويقال للمهلك نفسه ; قد وبق فلان فهو يوبق وبقا. ولغة بني عامر; يابق بغير همز. وحُكي عن تميم أنها تقول; ييبق. وقد حُكي وبق يبق وبوقا، حكاها الكسائي. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول; الموبق; الوعد، ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر;وحـادّ شَـرَوْرَى فالسـتَّارَ فَلَـمْ يَدَعْتِعــارًا لَــهُ والــوَاديَيْنِ بمَـوْبقِ (4)ويتأوّله بموعد ، وجائز أن يكون ذلك المهلك الذي جعل الله جلّ ثناؤه بين هؤلاء المشركين، هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو، وجائز أن يكون العداوة التي قالها الحسن.------------------------الهوامش;(4) البيت في ( اللسان ; وبق ) قال ; وبق الرجل يبق وبقا ووبوقا ( من باب ضرب ) ووبق ( من باب حسب ) وبقا ، واستوبق هلك . وأوبقه هو . والموبق ; مفعل ( بكر العين ) منه ، كالموعد مفعل من وعد يعد . ومنه قوله تعالى ; " وجعلنا بينهم موبقا " قال الفراء ; يقول جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا ; أي مهلكا لهم في الآخرة . وقال ابن الأعرابي ; موبقا ; أي حاجزا ، وكل حاجز بين شيئين فهو موبق . وقال أبو عبيدة ;الموبق ; الموعد ، في قوله " وجعلنا بينهم موبقا " واحتج بقوله " وحاد شرورى... " البيت معناه ; بموعد. وحاد شرورى ; نأى عنها وهي جبل بين العمق والمعدن ، في طريق مكة إلى الكوفة ، بين بني أسد وبني عامر ، والستار ، جبل بالحجاز معروف ، أسفل من النباج ، وتعار ; جبل أيضا ، ببلاد قيس .
ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا، وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال، وحكم بجهل صاحبه وسفهه، أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة، وأن الله يقول لهم: { نَادُوا شُرَكَائِيَ } بزعمكم أي: على موجب زعمكم الفاسد، وإلا فبالحقيقة ليس لله شريك في الأرض، ولا في السماء، أي: نادوهم، لينفعوكم، ويخلصوكم من الشدائد، { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } لأن الحكم والملك يومئذ لله، لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره. { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ } أي: بين المشركين وشركائهم { مَوْبِقًا } أي، مهلكا، يفرق بينهم وبينهم، ويبعد بعضهم من بعض، ويتبين حينئذ عداوة الشركاء لشركائهم، وكفرهم بهم، وتبريهم منهم، كما قال تعالى { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }
(الواو) استئنافيّة
(يوم) مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر
(يقول) مضارع مرفوع، والفاعل هو أي الله
(نادوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. و (الواو) فاعلـ (شركائي) مفعول به منصوب، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء.. و (الياء) مضاف إليه
(الذين) اسم موصول في محلّ نصب نعت لشركاء
(زعمتم) فعل ماض وفاعله، وقد حذف المفعولان أي زعمتموهم شركاء
(الفاء) عاطفة
(دعوهم) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. و (الواو) فاعل، و (هم) ضمير مفعول به
(الفاء) عاطفة
(لم) حرف نفي وجزم
(يستجيبوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. و (الواو) فاعلـ (اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يستجيبوا) ،
(الواو) حاليّة
(جعلنا) فعل ماض وفاعله
(بينهم) ظرف منصوب متعلّق بمفعول به ثان.. و (هم) مضاف إليه
(موبقا) مفعول به أوّل منصوب.
جملة: «يقول ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «نادوا ... » في محلّ نصب مقول القولوجملة: «زعمتم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) وجملة: «دعوهم ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة يقول وجملة: «لم يستجيبوا ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة دعوهم وجملة: «جعلنا ... » في محلّ نصب حال بتقدير
(قد)
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :٥٢
Al-Kahf18:52