الرسم العثمانيلَّا يَمْلِكُونَ الشَّفٰعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمٰنِ عَهْدًا
الـرسـم الإمـلائـيلَا يَمۡلِكُوۡنَ الشَّفَاعَةَ اِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنۡدَ الرَّحۡمٰنِ عَهۡدًا ۘ
تفسير ميسر:
لا يملك هؤلاء الكفار الشفاعة لأحد، إنما يملكها مَنِ اتخذ عند الرحمن عهدًا بذلك، وهم المؤمنون بالله ورسله.
"لا يملكون الشفاعة" أي ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض كما قال تعالى مخبرا عنهم "فمالنا من شافعين ولا صديق حميم" وقوله "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" هذا استثناء منقطع بمعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهو شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها قال علي بن أبى طلحة عن ابن عباس "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال العهد شهادة أن لا إله إلا الله ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله عز وجل وقال ابن أبي حاتم حدثنا عثمان بن خالد الواسطي حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن المسعودي عن عون بن عبدالله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد قال قرأ عبدالله يعني ابن مسعود هذه الآية "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" ثم قال اتخذوا عند الله عهدا فإن الله يقول يوم القيامة من كان له عند الله عهد فليقم قالوا يا أبا عبدالرحمن فعلمنا قال قولوا; اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أن لا تكلني إلى عمل يقربني من الشر ويباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا تؤديه إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد قال المسعودي فحدثني زكريا عن القاسم بن عبدالرحمن أخبرنا ابن مسعود وكان يلحق بهن خائفا مستجيرا مستغفرا راهبا راغبا إليك ثم رواه من وجه آخر عن المسعودي بنحوه.
قوله تعالى ; لا يملكون الشفاعة أي هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا وهم المسلمون فيملكون الشفاعة فهو استثناء الشيء من غير جنسه أي لكن ( من اتخذ عند الرحمن عهدا ) يشفع ف ( من ) في موضع نصب على هذا وقيل هو في موضع رفع على البدل من الواو في يملكون أي لا يملك أحد عند الله الشفاعة ( إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) فإنه يملك وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا . والمجرمين في قوله ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا يعم الكفرة والعصاة ثم أخبر أنهم لا يملكون الشفاعة ، إلا العصاة المؤمنون فإنهم يملكونها بأن يشفع فيهم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أزال أشفع ، حتى أقول يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول يا محمد إنها ليست لك ، ولكنها لي خرجه مسلم بمعناه . وقد تقدم وتظاهرت الأخبار بأن أهل الفضل والعلم والصلاح يشفعون فيشفعون ؛ وعلى القول الأول يكون الكلام متصلا بقوله ; واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا فلا تقبل غدا [ ص; 76 ] شفاعة عبدة الأصنام لأحد ، ولا شفاعة الأصنام لأحد ، ولا يملكون شفاعة أحد لهم أي لا تنفعهم شفاعة كما قال ; فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقيل ; أي نحشر المتقين والمجرمين لا يملك أحد شفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا أي إذا أذن له الله في الشفاعة . كما قال ; من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وهذا العهد هو الذي قال ; أم اتخذ عند الرحمن عهدا وهو لفظ جامع للإيمان وجميع الصالحات التي يصل بها صاحبها إلى حيز من يشفع وقال ابن عباس ; العهد لا إله إلا الله ، وقال مقاتل وابن عباس أيضا لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله وتبرأ من الحول والقوة لله ولا يرجو إلا الله تعالى . وقال ابن مسعود سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه ; أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا قيل ; يا رسول الله وما ذاك ؟ قال ; يقول عند كل صباح ومساء اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة ، بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير وتقربني من الشر وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعا ووضعها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين لهم عند الله عهد فيقوم فيدخل الجنة .
يقول تعالى ذكره; لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض ( إِلا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ ) في الدنيا(عَهْدًا) بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به.كما حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) قال; العهد; شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) قال; المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء ( إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) قال; عملا صالحا.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ); أي بطاعته، وقال في آية أخرى لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم في بعض، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول; " إنَّ في أُمَّتِي رَجُلا لَيُدْخِلَنَّ اللهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنَّةَ أكْثَرَ مِنْ بني تَمِيمِ"، وكنا نحدّث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك، قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; " إنَّ شَفاعَتِي لِمَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ باللهِ شَيئًا " ، و " مَن " في قوله (إلا مَنْ) في موضع نصب على الاستثناء ، ولا يكون خفضا بضمير اللام، ولكن قد يكون نصبا في الكلام في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل; أردت المرور اليوم إلا العدوّ، فإني لا أمر به، فيستثنى العدوّ من المعنى، وليس ذلك كذلك في قوله ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) لأن معنى الكلام; لا يملك هؤلاء الكفار إلا من آمن بالله، فالمؤمنون ليسوا من أعداد الكافرين، ومن نصبه على أن معناه إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا، فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يملكون الشفاعة للمتقين ، فيكون معنى الكلام حينئذ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا، لا يملكون الشفاعة، إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا، فيكون معناه عند ذلك، إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا. فأما إذا جعل لا يملكون الشفاعة خبرا عن المجرمين، فإن " من " تكون حينئذ نصبا على أنه استثناء منقطع، فيكون معنى الكلام; لا يملكون الشفاعة، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يملكه.
{ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ } أي: ليست الشفاعة ملكهم، ولا لهم منها شيء، وإنما هي لله تعالى { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } وقد أخبر أنه لا تنفعهم شفاعة الشافعين، لأنهم لم يتخذوا عنده عهدا بالإيمان به وبرسله، وإلا فمن اتخذ عنده عهدا فآمن به وبرسله واتبعهم، فإنه ممن ارتضاه الله، وتحصل له الشفاعة كما قال تعالى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } وسمى الله الإيمان به واتباع رسله عهدا، لأنه عهد في كتبه وعلى ألسنة رسله، بالجزاء الجميل لمن اتبعهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - مريم١٩ :٨٧
Maryam19:87