الرسم العثمانيأَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهٰنَكُمْ ۖ هٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ
الـرسـم الإمـلائـياَمِ اتَّخَذُوۡا مِنۡ دُوۡنِهٖۤ اٰلِهَةً ؕ قُلۡ هَاتُوۡا بُرۡهَانَكُمۡ ۚ هٰذَا ذِكۡرُ مَنۡ مَّعِىَ وَذِكۡرُ مَنۡ قَبۡلِىۡ ؕ بَلۡ اَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُوۡنَ ۙ الۡحَـقَّ فَهُمۡ مُّعۡرِضُوۡنَ
تفسير ميسر:
هل اتخذ هؤلاء المشركون مِن غير الله آلهة تنفع وتضر وتحيي وتميت؟ قل - أيها الرسول - لهم; هاتوا ما لديكم من البرهان على ما اتخذتموه آلهة، فليس في القرآن الذي جئتُ به ولا في الكتب السابقة دليل على ما ذهبتم إليه، وما أشركوا إلا جهلا وتقليدًا، فهم معرضون عن الحق منكرون له.
أكثرهم لا يلعمون الحق فهم معرضون يقول تعالى " أم اتخذوا من دونه آلهة قل " يا محمد " هاتوا برهانكم " أي دليلكم على ما تقولون " هذا ذكر من معي " يعني القرآن " وذكر من قبلي " يعني الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولونه وتزعمون فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل ناطق بأنه لا إله إلا الله ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق فأنتم معرضون عنه ولهذا.
قوله تعالى ; أم اتخذوا من دونه آلهة أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله مبالغة في التوبيخ ، أي صفتهم كما تقدم في الإنشاء والإحياء ، فتكون أم بمعنى هل على ما تقدم ، فليأتوا بالبرهان على ذلك . وقيل ; الأول احتجاج من حيث المعقول ؛ لأنه قال ; هم ينشرون ويحيون الموتى ؛ هيهات ! والثاني احتجاج بالمنقول ، أي هاتوا برهانكم من هذه الجهة ، ففي أي كتاب نزل هذا ؟ في القرآن ، أم في الكتب المنزلة على سائر الأنبياء ؟ هذا ذكر من معي بإخلاص التوحيد في القرآن وذكر من قبلي في التوراة والإنجيل ، وما أنزل الله من الكتب ؛ فانظروا هل في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه ؟ فالشرائع لم تختلف فيما يتعلق بالتوحيد ، وإنما اختلفت في الأوامر والنواهي وقال قتادة ; الإشارة إلى القرآن ؛ المعنى ; هذا ذكر من معي بما يلزمهم من الحلال والحرام وذكر من قبلي من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك .وقيل ; ذكر من معي بما لهم من الثواب على الإيمان والعقاب على الكفر وذكر من قبلي من الأمم السالفة فيما يفعل بهم في الدنيا ، وما يفعل بهم في الآخرة . وقيل ; معنى الكلام الوعيد والتهديد ، أي افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء . وحكى أبو حاتم ; أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف قرآ ( هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ) بالتنوين وكسر الميم ، وزعم أنه لا وجه لهذا . وقال أبو إسحاق الزجاج في هذه القراءة ; المعنى ؛ هذا ذكر مما أنزل إلي ومما هو معي وذكر من قبلي . وقيل ; ذكر كائن من قبلي ، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي . بل أكثرهم لا يعلمون الحق وقرأ ابن محيصن والحسن ( الحق ) بالرفع بمعنى هو الحق وهذا هو الحق . وعلى هذا يوقف على ( لا يعلمون ) ولا يوقف عليه على قراءة النصب . فهم معرضون أي عن الحق وهو القرآن ، فلا يتأملون حجة التوحيد .
يقول تعالى ذكره; أتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة تنفع وتضرّ، وتخلق وتحيي وتميت ، قل يا محمد لهم; هاتوا برهانكم، يعني حجتكم يقول; هاتوا إن كنتم تزعمون أنكم محقون في قيلكم ذلك حجة ودليلا على صدقكم.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) يقول; هاتوا بينتكم على ما تقولون.وقوله ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ ) يقول; هذا الذي جئتكم به من عند الله من القرآن والتنـزيل، ( ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ ) يقول; خبر من معي مما لهم من ثواب الله على إيمانهم به، وطاعتهم إياه، وما عليهم من عقاب الله على معصيتهم إياه وكفرهم به ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) يقول; وخبر من قبلي من الأمم التي سلفت قبلي، وما فعل الله بهم في الدنيا وهو فاعل بهم في الآخرة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني بِشْر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ ) يقول; هذا القرآن فيه ذكر الجلال والحرام ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) يقول; ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم إلى ما صاروا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ ) قال; حديث من معي، وحديث من قبلي.وقوله ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ) يقول; بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون الصواب فيما يقولون ولا فيما يأتون ويذرون، فهم معرضون عن الحق جهلا منهم به، وقلَّة فهم.وكان قَتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ) عن كتاب الله.
رجع إلى تهجين حال المشركين، وأنهم اتخذوا من دونه آلهة فقل لهم موبخا ومقرعا: { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ْ} أي: حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم إليه، ولن يجدوا لذلك سبيلا، بل قد قامت الأدلة القطعية على بطلانه، ولهذا قال: { هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ْ} أي: قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم، من إبطال الشرك، فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء، بأدلته العقلية والنقلية، وهذه الكتب السابقة كلها، براهين وأدلة لما قلت. ولما علم أنهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا إليه، علم أنه لا برهان لهم، لأن البرهان القاطع، يجزم أنه لا معارض له، وإلا لم يكن قطعيا، وإن وجد في معارضات، فإنها شبه لا تغني من الحق شيئا. وقوله: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ْ} أي: وإنما أقاموا على ما هم عليه، تقليدا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى، وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه، وإنما ذلك، لإعراضهم عنه، وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات، لتبين لهم الحق من الباطل تبينا واضحا جليا ولهذا قال: { فَهُمْ مُعْرِضُونَ ْ}
(أم اتّخذوا.. آلهة) مرّ إعرابها ،
(من دونه) متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(هاتوا) فعل أمر جامد مبني على حذف النون..
و (الواو) فاعلـ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(معي) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة من، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، و (الياء) مضاف إليه
(من قبلي) مثل من معي
(بل) للإضراب الانتقاليّ
(الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب.
جملة: «اتّخذوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «قل ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «هاتوا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «هذا ذكر ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة- وجملة: «أكثرهم لا يعلمون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يعلمون ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(أكثرهم) .
وجملة: «هم معرضون ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة لا يعلمون.
- القرآن الكريم - الأنبياء٢١ :٢٤
Al-Anbiya'21:24