الرسم العثمانيلَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
الـرسـم الإمـلائـيلَاهِيَةً قُلُوۡبُهُمۡ ؕ وَاَسَرُّوا النَّجۡوَىۖ الَّذِيۡنَ ظَلَمُوۡا ۖ هَلۡ هٰذَاۤ اِلَّا بَشَرٌ مِّثۡلُكُمۡ ۚ اَفَتَاۡتُوۡنَ السِّحۡرَ وَاَنۡتُمۡ تُبۡصِرُوۡنَ
تفسير ميسر:
قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم، مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها، لا يعقلون ما فيه. بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيٍّ; وهو إشاعة ما يصدُّون به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم، لا يختلف عنهم في شيء، وأن ما جاء به من القرآن سحر، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه، وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟
وقوله " وأسروا النجوى الذين ظلموا " أي قائلين فيما بينهم خفية " هل هذا إلا بشر مثلكم " يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبيا لأنه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحي دونهم ولهذا قال " أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر فقال تعالى مجيبا لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب.
لاهية قلوبهم أي ساهية قلوبهم ، معرضة عن ذكر الله ، متشاغلة عن التأمل والتفهم ؛ من قول العرب ; لهيت عن ذكر الشيء إذا تركته وسلوت عنه ألهى لهيا ولهيانا . و لاهية نعت تقدم الاسم ، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب ، فإذا تقدم النعت الاسم انتصب كقوله ; خاشعة أبصارهم و ودانية عليهم ظلالها و لاهية قلوبهم قال الشاعر [ كثير عزة ] ;لعزة موحشا طلل يلوح كأنه خللأراد ; طلل موحش . وأجاز الكسائي والفراء لاهية قلوبهم بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية . وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ . وقال الكسائي ; ويجوز أن يكون المعنى ؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم . وأسروا النجوى الذين ظلموا أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب ، ثم بين من هم فقال ; الذين ظلموا أي الذين أشركوا ؛ ف الذين ظلموا بدل من الواو في أسروا وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم ؛ ولا يوقف على هذا القول على النجوى . قال المبرد وهو كقولك ; إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله فبنو بدل من الواو في انطلقوا . وقيل ; هو رفع على الذم ، أي هم الذين ظلموا . وقيل ; على حذف القول ؛ التقدير ; يقول الذين ظلموا وحذف القول ؛ مثل والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم . واختار هذا القول النحاس ؛ قال ; والدليل على صحة هذا الجواب أن بعده هل هذا إلا بشر مثلكم . وقول رابع ; يكون منصوبا بمعنى أعني الذين ظلموا . وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم ؛ ولا يوقف على هذا الوجه على النجوى ويوقف على الوجوه المتقدمة الثلاثة قبله ؛ فهذه خمسة أقوال . وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال ; أكلوني البراغيث ؛ وهو حسن ؛ قال الله تعالى ; ثم عموا وصموا كثير منهم . وقال الشاعر ;بل نال النضال دون المساعي فاهتدين النبال للأغراضوقال آخر [ الفرزدق ] ;ولكن ديافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه[ ص; 180 ] وقال الكسائي ; فيه تقديم وتأخير ؛ مجازه ; والذين ظلموا أسروا النجوى أبو عبيدة ; أسروا هنا من الأضداد ؛ فيحتمل أن يكونوا أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكونوا أظهروه وأعلنوه .قوله تعالى ; هل هذا إلا بشر مثلكم أي تناجوا بينهم وقالوا ; هل هذا الذكر الذي هو الرسول ، أو هل هذا الذي يدعوكم إلا بشر مثلكم ، لا يتميز عنكم بشيء ، يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق كما تفعلون . وما علموا أن الله - عز وجل - أنه لا يجوز أن يرسل إليهم إلا بشرا ليتفهموا ويعلمهم . أفتأتون السحر أي إن الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - سحر ، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه ؟ فأطلع الله نبيه - عليه السلام - على ما تناجوا به . و السحر في اللغة كل مموه لا حقيقة له ولا صحة . وأنتم تبصرون أنه إنسان مثلكم مثل ; كنتم تعقلون لأن العقل البصر بالأشياء . وقيل ; المعنى ؛ أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر . وقيل ; المعنى ؛ أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق ؛ ومعنى الكلام التوبيخ .
يقول تعالى ذكره ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) غافلة ; يقول; ما يستمع هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم هذا القرآن إلا وهم يلعبون غافلة عنه قلوبهم، لا يتدبرون حكمه ولا يتفكرون فيما أودعه الله من الحجج عليهم.كما حدثنا بشر قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) يقول; غافلة قلوبهم.وقوله ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول; وأسرّ هؤلاء الناس الذين اقتربت الساعة منهم وهم في غفلة معرضون، لاهية قلوبهم، النجوى بينهم، يقول; وأظهروا المناجاة بينهم فقالوا; هل هذا الذي يزعم أنه رسول من الله أرسله إليكم، إلا بشر مثلكم; يقولون; هل هو إلا إنسان مثلكم في صوركم وخلقكم؟ يعنون بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم ، وقال الذين ظلموا فوصفهم بالظلم بفعلهم وقيلهم الذي أخبر به عنهم في هذه الآيات إنهم يفعلون ويقولون من الإعراض عن ذكر الله، والتكذيب برسوله وللذين من قوله ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) في الإعراب وجهان; الخفض على أنه تابع للناس في قوله اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ) والرفع على الردّ على الأسماء الذين (1) في قوله ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ) من ذكر الناس، كما قيل; ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وقد يحتمل أن يكون رفعا على الابتداء، ويكون معناه; وأسرّوا النجوى، ثم قال; هم الذين ظلموا.وقوله ( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) يقول; وأظهروا هذا القول بينهم، وهي النجوى التي أسرّوها بينهم، فقال بعضهم لبعض; أتقبلون السحر وتصدّقون به وأنتم تعلمون أنه سحر؟ يعنون بذلك القرآن.كما حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) قال; قال أهل الكفر لنبيهم لما جاء به من عند الله، زعموا أنه ساحر، وأن ما جاء به سحر، قالوا; أتأتون السحر وأنتم تبصرون؟------------------------الهوامش ;(1) لعله على الاسم الذي . . إلخ .
{ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ } أي: قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية، وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل بالباطل، والأقوال الردية، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه، وتستمعه استماعا، تفقه المراد منه، وتسعى جوارحهم، في عبادة ربهم، التي خلقوا لأجلها، ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال، فبذلك يتم لهم أمرهم، وتستقيم أحوالهم، وتزكوا أعمالهم، وفي معنى قوله: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } قولان: أحدهما أن هذه الأمة هي آخر الأمم، ورسولها آخر الرسل، وعلى أمته تقوم الساعة، فقد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الأمم، لقوله صلى الله عليه وسلم \" بعثت أنا والساعة كهاتين \" وقرن بين إصبعيه، السبابة والتي تليها. والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت، وأن من مات، قامت قيامته، ودخل في دار الجزاء على الأعمال، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض، لا يدري متى يفجأه الموت، صباحا أو مساء، فهذه حالة الناس كلهم، إلا من أدركته العناية الربانية، فاستعد للموت وما بعده.ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد، ومقابلة الحق بالباطل، وأنهم تناجوا، وتواطأوا فيما بينهم، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، إنه بشر مثلكم، فما الذي فضله عليكم، وخصه من بينكم، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه، لكان قوله من جنس قوله، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم، ويرأس فيكم، فلا تطيعوه، ولا تصدقوه، وأنه ساحر، وما جاء به من القرآن سحر، فانفروا عنه، ونفروا الناس، وقولوا: { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } هذا وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما شاهدوا من الآيات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم، ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد، والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به، وسيجازيهم عليه
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الأنبياء٢١ :٣
Al-Anbiya'21:3