إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وٰرِدُونَ
اِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُوۡنَ مِنۡ دُوۡنِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَـنَّمَؕ اَنۡـتُمۡ لَهَا وَارِدُوۡنَ
تفسير ميسر:
إنكم - أيها الكفار - وما كنتم تعبدون من دون الله من الأصنام ومَن رضي بعبادتكم إياه من الجن والإنس، وقود جهنم وحطبها، أنتم وهم فيها داخلون.
يقول تعالى مخاطبا لأهل مكة من مشركي قريش ومن دان بدينهم من عبدة الأوثان " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " قال ابن عباس أي وقودها يعني كقوله " وقودها الناس والحجارة " وقال ابن عباس أيضا حصب جهنم يعني شجر جهنم وفي رواية قال " حصب جهنم " يعني حطب جهنم بالزنجية وقال مجاهد وعكرمة وقتادة حطبها وهي كذلك في قراءة علي وعائشة " وقال الضحاك جهنم. وكذا قال غيره والجميع قريب وقوله " أنتم لها واردون " أي داخلون.
قوله ; إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون[ ص; 249 ] فيه أربع مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; إنكم وما تعبدون قال ابن عباس ; آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل ; وما هي ؟ قال ; إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لما أنزلت شق على كفار قريش ، وقالوا ; شتم آلهتنا ، وأتوا ابن الزبعرى وأخبروه ، فقال ; لو حضرته لرددت عليه . قالوا ; وما كنت تقول ؟ قال ; كنت أقول له ; هذا المسيح تعبده النصارى و اليهود تعبد عزيرا أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ، ورأوا أن محمدا قد خصم ؛ فأنزل الله تعالى ; إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون وفيه نزل ولما ضرب ابن مريم مثلا يعني ابن الزبعرى إذا قومك منه يصدون بكسر الصاد ؛ أي يضجون ؛ وسيأتي .الثانية ; هذه الآية أصل القول بالعموم وأن له صيغا مخصوصة ، خلافا لمن قال ; ليست له صيغة موضوعة للدلالة عليه ، وهو باطل بما دلت عليه هذه الآية وغيرها ؛ فهذا عبد الله بن الزبعرى قد فهم ( ما ) في جاهليته جميع من عبد ، ووافقه على ذلك قريش وهم العرب الفصحاء ، واللسن البلغاء ، ولو لم تكن للعموم لما صح أن يستثنى منها ، وقد وجد ذلك فهي للعموم وهذا واضح .الثالثة ; قراءة العامة بالصاد المهملة أي إنكم يا معشر الكفار والأوثان التي تعبدونها من دون الله وقود جهنم ؛ قاله ابن عباس . وقال مجاهد وعكرمة وقتادة ; حطبها . وقرأ علي بن أبي طالب وعائشة رضوان الله عليهما ( حطب جهنم ) بالطاء . وقرأ ابن عباس ( حضب ) بالضاد المعجمة ؛ قال الفراء ; يريد الحصب . قال ; وذكر لنا أن الحضب في لغة أهل اليمن الحطب ، وكل ما هيجت به النار وأوقدتها به فهو حضب ؛ ذكره الجوهري . والموقد محضب . وقال أبو عبيدة في قوله تعالى ; حصب جهنم كل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به . ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون من الأصنام حطب لجهنم . ونظير هذه الآية قوله تعالى ; فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة . وقيل ; إن المراد بالحجارة حجارة الكبريت ؛ على ما تقدم في ( البقرة ) وأن النار لا تكون على الأصنام عذابا ولا عقوبة ؛ لأنها لم تذنب ، [ ص; 250 ] ولكن تكون عذابا على من عبدها ; أول شيء بالحسرة ، ثم تجمع على النار فتكون نارها أشد من كل نار ، ثم يعذبون بها . وقيل ; تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم وقيل ; إنما جعلت في النار تبكيتا لعبادتهم .الرابعة ; قوله تعالى ; أنتم لها واردون أي فيها داخلون . والخطاب للمشركين عبدة الأصنام ؛ أي أنتم واردوها مع الأصنام . ويجوز أن يقال ; الخطاب للأصنام وعبدتها ؛ لأن الأصنام وإن كانت جمادات فقد يخبر عنها بكنايات الآدميين . وقال العلماء ; لا يدخل في هذا عيسى ولا عزير ولا الملائكة صلوات الله عليهم ؛ لأن ( ما ) لغير الآدميين . فلو أراد ذلك لقال ; ( ومن ) . قال الزجاج ; ولأن المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة دون غيرهم .
يقول تعالى ذكره; إنكم أيها المشركون بالله ، العابدون من دونه الأوثان والأصنام ، وما تعبدون من دون الله من الآلهة .كما حُدثت عن الحسين ، قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد ، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يعني الآلهة ومن يعبدها ، (حصب جهنم ) وأما حصب جهنم ، فقال بعضهم; معناه; وقود جهنم وشجرها.*ذكر من قال ذلك; حدثني عليّ ، قال ; ثنا عبد الله ، قال; ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) ; شجر جهنم.حدثني محمد بن سعد ، قال; ثني أبى ، قال; ثني عمي ، قال; ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول; وقودها.وقال آخرون; بل معناه; حطب جهنم.ذكر من قال ذلك; حدثني محمد بن عمرو ، قال ; ثنا أبو عاصم ، قال ; ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال; حطبها.حدثنا القاسم ، قال ; ثنا الحسين ، قال; ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، (مثله)! وزاد فيه; وفى بعض القراءة (حَطَبُ جَهَنَّمَ) يعني في قراءة عائشة.حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال ; ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال; حطب جهنم يقذفون فيها.حدثنا ابن بشار ، قال ; ثنا عبد الرحمن ، قال ; ثنا سفيان ، عن ابن الحر ، عن عكرمة ، قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال; حطب جهنم.وقال آخرون; بل معنى ذلك أنهم يرمى بهم في جهنم.ذكر من قال ذلك; حُدثت عن الحسين ، قال; سمعت أبا معاذ يقول ; ثنا عبيد ، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول; إن جهنم إنما تحصب بهم ، وهو الرمي ، يقول; يرمي بهم فيها.واختلف في قراءة ذلك ، فقرأته قراء الأمصار ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) بالصاد ، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة عليه.ورُوي عن عليّ وعائشة أنهما كانا يقرآن ذلك ( حَطَبُ جَهَنَّمَ) بالطاء.ورُوي عن ابن عباس أنه قرأه ( حَضَبُ) بالضاد.حدثنا بذلك أحمد بن يوسف ، قال ; ثنا القاسم ، قال ; ثنا إبراهيم بن محمد ، عن عثمان بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأها كذلك.وكأن ابن عباس إن كان قرأ ذلك كذلك ، أراد أنهم الذين تسجر بهم جهنم ، ويوقد بهم فيها النار ، وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به ، فهو عند العرب حضب لها . فإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا ، وكان المعروف من معنى الحصب عند العرب; الرمي ، من قولهم; حصبت الرجل; إذا رميته ، كما قال جلّ ثناؤه إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا كان الأولى بتأويل ذلك قول من قال; معناه أنهم تقذف جهنم بهم ويرمى بهم فيها ، وقد ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمين; الحطب ، فإن يكن ذلك كذلك فهو أيضا وجه صحيح ، وأما ما قلنا من أن معناه الرمي فإنه في لغة أهل نجد. وأما قوله ( أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) فإن معناه; أنتم عليها أيها الناس أو إليها واردون ، يقول; داخلون ، وقد بينت معنى الورود فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي: وقودها وحطبها { أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وأصنامكم.
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب معطوف على ضميرالخطاب اسم إنّ
(من دون) متعلّق بحال من مفعول تعبدون المقدّر
(حصب) خبر إنّ مرفوع
(لها) متعلّق بـ (واردون) .
جملة: «إنّكم ... حصب» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تعبدون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «أنتم لها واردون» في محلّ رفع بدل من حصب جهنّم .
الإشارة في(هؤلاء) إلى الأوثان
(كلّ) مبتدأ مرفوع
(فيها) متعلّق بـ (خالدون) الخبر.
وجملة: «كان هؤلاء آلهة ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز الخطاب السابق.
وجملة: «ما وردوها ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم
(لو) .
وجملة: «كلّ فيها خالدون» لا محلّ لها معطوفة على جملة لو كان هؤلاء.
(لهم) متعلّق بخبر مقدّم
(فيها) متعلّق بالخبر المحذوف،
(زفير) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(الواو) عاطفة
(فيها) الثاني متعلّق بـ (يسمعون) ، ومفعول يسمعون محذوف أي لا يسمعون شيئا.. »
وجملة: «لهم فيها زفير ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «هم فيها لا يسمعون» لا محلّ لها معطوفة على جملة لهم فيها زفير.
وجملة: «لا يسمعون» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(هم) .