وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسٰىٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
وَقَالَتِ امۡرَاَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٍ لِّىۡ وَلَكَ ؕ لَا تَقۡتُلُوۡهُ ۖ عَسٰٓى اَنۡ يَّـنۡفَعَنَاۤ اَوۡ نَـتَّخِذَهٗ وَلَدًا وَّهُمۡ لَا يَشۡعُرُوۡنَ
تفسير ميسر:
وقالت امرأة فرعون لفرعون; هذا الطفل سيكون مصدر سرور لي ولك، لا تقتلوه؛ فقد نصيب منه خيرًا أو نتخذه ولدا، وفرعون وآله لا يدركون أن هلاكهم على يديه.
قوله تعالى; "وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك" الآية يعني أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفا من أن يكون من بني إسرائيل فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه وتذب دونه وتحببه إلى فرعون فقالت; "قرة عين لي ولك" فقال فرعون أما لك فنعم وأما لي فلا فكان كذلك وهداها الله بسببه وأهلكه الله على يديه وقد تقدم في حديث الفتون في سورة طه هذه القصة بطولها في رواية ابن عباس مرفوعا عند النسائي وغيره. وقوله; "عسى أن ينفعنا" وقد حصل لها ذلك وهداها الله به وأسكنها الجنه بسببه. وقوله; "أو نتخذه ولدا" أي أرادت أن تتخذه ولدا وتتبناه وذلك أنه لم يكن لها ولد منه وقوله تعالى; "وهم لا يشعرون" أي لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه من الحكمة العظيمة البالغة والحجة القاطعة.
قوله تعالى ; وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه يروى أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في البحر ، فأمرت بسوقه إليها وفتحه فرأت فيه صبيا صغيرا فرحمته وأحبته ; فقالت لفرعون ; قرة عين لي ولك أي هو قرة عين لي ولك ف ( قرة ) خبر ابتداء مضمر ; قاله الكسائي وقال النحاس ; وفيه وجه آخر بعيد ذكره أبو إسحاق ; قال ; يكون رفعا بالابتداء والخبر ( لا تقتلوه ) وإنما بعد لأنه يصير المعنى أنه معروف بأنه قرة عين وجوازه أن يكون المعنى ; إذا كان قرة عين لي ولك فلا تقتلوه . وقيل ; تم الكلام عند قوله ; ( ولك ) النحاس ; والدليل على هذا أن في قراءة عبد الله بن مسعود ; ( وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك ) ويجوز النصب بمعنى ; لا تقتلوا قرة عين لي ولك . وقالت ; لا تقتلوه ، ولم تقل ; لا تقتله ، فهي تخاطب فرعون كما يخاطب الجبارون ; وكما يخبرون عن أنفسهم وقيل ; قالت ; لا تقتلوه فإن الله أتى به من أرض أخرى وليس من بني إسرائيل عسى أن ينفعنا فنصيب منه خيرا أو نتخذه ولدا وكانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها ، وكان فرعون لما رأى الرؤيا وقصها على كهنته وعلمائه على ما تقدم - قالوا له إن غلاما من بني إسرائيل يفسد ملكك ; فأخذ بني إسرائيل بذبح الأطفال ، فرأى أنه يقطع نسلهم فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما ، فولد هارون في عام الاستحياء ، وولد موسى في عام الذبح .قوله تعالى ; وهم لا يشعرون هذا ابتداء كلام من الله تعالى ; أي وهم لا يشعرون أن هلاكهم بسببه وقيل ; هو من كلام المرأة ; أي وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه ، ولا [ ص; 235 ] يشعرون إلا أنه ولدنا واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون قرة عين لي ولك فقالت فرقة ; كان ذلك عند التقاطه التابوت لما أشعرت فرعون به ولما أعلمته سبق إلى فهمه أنه من بني إسرائيل ، وأن ذلك قصد به ليتخلص من الذبح فقال ; علي بالذباحين ; فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون ; أما لي فلا . قال النبي صلى الله عليه وسلم ; لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له وقال السدي ; بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده ، فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه ، وحينئذ خاطبته بهذا ، وجربته له في الياقوتة والجمرة ، فاحترق لسانه وعلق العقدة على ما تقدم في ( طه ) قال الفراء ; سمعت محمد بن مروان الذي يقال له السدي يذكر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال ; إنما قالت قرة عين لي ولك لا ثم قالت ; ( تقتلوه ) قال الفراء ; وهو لحن ; قال ابن الأنباري ; وإنما حكم عليه باللحن لأنه لو كان كذلك لكان ( تقتلونه ) بالنون ; لأن الفعل المستقبل مرفوع حتى يدخل عليه الناصب أو الجازم ، فالنون فيه علامة الرفع قال الفراء ; ويقويك على رده قراءة عبد الله بن مسعود ( وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك ) بتقديم ( لا تقتلوه ) .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9)يقول تعالى ذكره; (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) له هذا(قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) يا فرعون; فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا, أو هو. وقوله; (لا تَقْتُلُوهُ) مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِرَ أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون, قال فرعون; أما لك فنعم, وأما لي فلا فكان كذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال; قالت امرأة فرعون; ( قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) قال فرعون; قرّة عين لك, أما لي فلا. قال محمد بن قيس; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; " لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ; قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ, لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا ".حدثنا موسى, قال; ثنا عمرو, قال; ثنا أسباط, عن السدي, قال; اتخذه فرعونُ ولدا, ودُعَى على أنه ابن فرعون; فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا, فبينما هي ترقصهوتلعب به، إذ ناولته فرعون, وقالت; خذه، قرّة عين لي ولك, قال فرعون; هو قرّة عين لكِ, لا لي. قال عبد الله بن عباس; لو أنه قال; وهو لي قرّة عين إذن؛ لآمن به, ولكنه أَبَى.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قَتادة, قالت امرأة فرعون; (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) تعني بذلك; موسى.حدثنا العباس بن الوليد, قال; أخبرنا يزيد, قال; أخبرنا الأصبح بن يزيد, قال; ثنا القاسم بن أبي أيوب, قال; ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس قال; لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعونَ قالت; (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال فرعون; يكون لكِ, فأما لي فلا حاجة لي فيه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; " وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ, لَهَدَاهُ اللهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ, وَلَكِنَّ الله حَرَمَهُ ذَلِكَ".وقوله; ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) ذُكِرَ أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم; حين أتَي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم; يوم نَتَف من لحيته، أو ضربه بعصا كانت في يده.* ذكر من قال; قالت ذلك يوم نتف لحيته;حدثنا موسى, قال; ثنا عمرو, قال; ثنا أسباط, عن السدي, قال; لما أتي فرعون به صبيا أخذه إليه, فأخذ موسى بلحيته فنتفها, قال فرعون; علي بالذباحين, هو هذا! قالت آسية ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) إنما هو صبيّ لا يعقل, وإنما صَنع هذا من صباه.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قَتادة (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) قال; ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته.وقوله; (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم; معنى ذلك; وهم لا يشعرون هلاكهم على يده.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قَتادة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال; وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه, وفي زمانه.حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني سفيان, عن معمر, عن قَتادة (أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال; إن هلاكهم على يديه.حدثنا محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله; ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال; آل فرعون إنه لهم عدوّ.وقال آخرون; بل معنى ذلك; ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) بما هو كائن من أمرهم وأمره.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد, قال; ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال; قالت امرأة فرعون آسية; ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول الله; وهم لا يشعرون أي; بما هو كائن بما أراد الله به.وقال آخرون; بل معنى قوله; (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنو إسرائيل لا يشعرون أنا التقطناه.* ذِكر من قال ذلك.حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال; يقول; لا تدري بنو إسرائيل أنَّا التقطناه.والصواب من القول في ذلك, قول من قال; معنى ذلك; وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه.وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به؛ لأنه عقِيب قوله; ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) وإذا كان ذلك عقبه, فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بيانا عن غيره.
فلما التقطه آل فرعون، حنَّن اللّه عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة \" آسية \" بنت مزاحم \" وَقَالَتِ \" هذا الولد { قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ } أي: أبقه لنا، لِتقرَّ به أعيننا، ونستر به في حياتنا.{ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } أي: لا يخلو، إما أن يكون بمنزلة الخدم، الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا، أو نرقيه منزلة أعلى من ذلك، نجعله ولدا لنا، ونكرمه، ونجله.فقدَّر اللّه تعالى، أنه نفع امرأة فرعون، التي قالت تلك المقالة، فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبا شديدا، فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه اللّه وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي اللّه عنها وأرضاها.قال اللّه تعالى هذه المراجعات [والمقاولات] في شأن موسى: { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } ما جرى به القلم، ومضى به القدر، من وصوله إلى ما وصل إليه، وهذا من لطفه تعالى، فإنهم لو شعروا، لكان لهم وله، شأن آخر.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة