الرسم العثمانيإِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلٰثَةِ ءَالٰفٍ مِّنَ الْمَلٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ
الـرسـم الإمـلائـياِذۡ تَقُوۡلُ لِلۡمُؤۡمِنِيۡنَ اَلَنۡ يَّكۡفِيَكُمۡ اَنۡ يُّمِدَّكُمۡ رَبُّكُمۡ بِثَلٰثَةِ اٰلَافٍ مِّنَ الۡمَلٰٓٮِٕكَةِ مُنۡزَلِيۡنَؕ
تفسير ميسر:
اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر أصحابك في "بدر" حين شقَّ عليهم أن يأتي مَدَد للمشركين، فأوحينا إليك أن تقول لهم; ألن تكفيكم معونة ربكم بأن يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين من السماء إلى أرض المعركة، يثبتونكم، ويقاتلون معكم؟
اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم أحد؟ على قولين " أحدهما" أن قوله "إذ تقول للمؤمنين" متعلق بقوله "ولقد نصركم الله ببدر" وهذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم واختاره ابن جرير قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله "إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة" قال; هذا يوم بدر رواه ابن أبي حاتم. ثم قال; حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا داود عن عامر يعني الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى "ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين - إلى قوله - مسومين" قال; فبلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين ولم يمد اللّه المسلمين بالخمسة. وقال الربيع بن أنس;أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف فإن قيل فما الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين - إلى قوله - إن الله عزيز حكيم"؟ فالجواب أن التنصيص على الألف ههنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله "مردفين" بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة أمد اللّه المسلمين يوم بدر بخمسة آلاف "القول الثاني" أن هذا الوعد متعلق بقوله "وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال" وذلك يوم أحد وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف لأن المسلمين فروا يومئذ زاد عكرمة ولا بالثلاثة الآلاف لقوله تعالى "إن تصبروا وتتقوا" فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بملك واحد.
فأنزل الله تعالى ; ألن يكفيكم إلى قوله ; مسومين فبلغ كرزا الهزيمة فلم يمدهم ورجع ، فلم يمدهم الله أيضا بالخمسة آلاف ، وكانوا قد مدوا بألف . وقيل ; إنما وعد الله المؤمنين يوم بدر إن صبروا على طاعته ، واتقوا محارمه أن يمدهم أيضا في حروبهم كلها ، فلم يصبروا ولم يتقوا محارمه إلا في يوم الأحزاب ، فأمدهم حين حاصروا قريظة . وقيل ; إنما كان هذا يوم أحد ، وعدهم الله المدد إن صبروا ، فما صبروا فلم يمدهم بملك واحد ، ولو أمدوا لما هزموا ; قاله عكرمة والضحاك . فإن قيل ; فقد ثبت عن سعد بن أبي وقاص أنه قال ; رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره يوم بدر رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد . قيل له ; لعل هذا مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بملكين يقاتلان عنه ، ولا يكون هذا إمدادا للصحابة ، والله أعلم .نزول الملائكة سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى ، وإنما يحتاج إليه المخلوق فليعلق القلب بالله وليثق به ، فهو الناصر بسبب وبغير سبب ; إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . لكن أخبر بذلك ليمتثل الخلق ما أمرهم به من الأسباب التي قد خلت من قبل ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولا يقدح ذلك في التوكل . وهو رد على من قال ; إن الأسباب إنما سنت في حق الضعفاء لا للأقوياء ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا الأقوياء وغيرهم هم الضعفاء ; وهذا واضح . و " مد " في الشر و " أمد " في الخير . وقد تقدم في البقرة . وقرأ أبو حيوة " منزلين " بكسر الزاي مخففا ، يعني منزلين النصر . وقرأ ابن عامر مشددة الزاي مفتوحة على التكثير .
القول في تأويل قوله ; وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا، وينصركم ربكم، =" ولقد نصركم الله ببدر " على أعدائكم وأنتم يومئذ =" أذلة " يعني; قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عددًا منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، =" فاتقوا الله "، يقول تعالى ذكره; فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه =" لعلكم تشكرون "، يقول; لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلّ عنه مخالفوكم، كما;-7733- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "، يقول; وأنتم أقل عددًا وأضعف قوة =" فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، أي; فاتقون، فإنه شكر نعمتي. (10)* * *واختلف في المعنى الذي من أجله سمي بدر " بدرًا ".فقال بعضهم; سمي بذلك، لأنه كان ماء لرجل يسمى " بدرًا "، فسمي باسم صاحبه.*ذكر من قال ذلك;7734- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن زكريا، عن الشعبي قال; كانت " بدر " لرجل يقال له " بدر "، فسميت به.* * *7735- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا، عن الشعبي أنه قال; " ولقد نصركم الله ببدر "، قال; كانت " بدر " بئرًا لرجل يقال له " بدر "، فسميت به.وأنكر ذلك آخرون وقالوا; ذلك اسم سميت به البقعة، كما سمى سائر البلدان بأسمائها.*ذكر من قال ذلك;7736- حدثنا الحارث بن محمد قال، حدثنا ابن سعد قال، حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال، حدثنا منصور، عن أبي الأسود، عن زكريا، عن الشعبي قال; إنما سمي" بدرًا "، لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له " بدر " = وقال الحارث، قال ابن سعد، قال الواقدي; فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا فلأيّ شيء سميت " الصفراء "؟ ولأي شيء سميت &; 7-171 &; " الحمراء "؟ ولأيّ شيء سمي" رابغ "؟ هذا ليس بشيء، إنما هو اسم الموضع = قال; وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاريّ فقال; سمعت شيوخنا من بني غفار يقولون; هو ماؤنا ومنـزلنا، وما ملكه أحدٌ قط يقال له " بدر "، وما هو من بلاد جهينة، إنما هي بلاد غِفار = قال الواقدي; فهذا المعروف عندنا.7737- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول; " بدر "، ماء عن يمين طريق مكة، بين مكة والمدينة.* * *وأما قوله; " أذلة "، فإنه جمع " ذليل "، كما " الأعزة " جمع " عزيز "،" والألِبَّة " جمع " لبيب ".* * *قال أبو جعفر; وإنما سماهم الله عز وجل " أذلة "، لقلة عددهم، لأنهم كانوا ثلثمئة نفس وبضعة عشر، وعدوهم ما بين التسعمئة إلى الألف -على ما قد بينا فيما مضى- فجعلهم لقلة عددهم " أذلة ".* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;7738- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، وبدر ماء بين مكة والمدينة، التقى عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون، وكان أول قتال قاتله نبي الله صلى الله عليه وسلم = وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ; " أنتم اليوم بعدَّة أصحاب طالوت يوم لقى جالوت "; فكانوا ثلثمئة وبضعة عشر رجلا والمشركون يومئذ ألفٌ، أو راهقوا ذلك. (11)7739- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر، عن عباد، عن الحسن في قوله; " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، قال; يقول; " وأنتم أذلة "، قليل، وهم يومئذ بضعة عشر وثلثمئة.7740- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، نحو قول قتادة.7741- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "، أقل عددًا وأضعف قوة. (12)* * *قال أبو جعفر; وأما قوله; " فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، فإن تأويله، كالذي قد بيَّنت، كما;-7742- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " فاتقوا الله لعلكم تشكرون "، أي; فاتقوني، فإنه شكر نعمتي. (13)----------------الهوامش ;(10) الأثر; 7733- سيرة ابن هشام 3; 113 ، هو بقية الآثار التي آخرها رقم; 7732 ، وسياق أبي جعفر في روايته ، أقوم من سياق ابن هشام.(11) الأثر; 7738- مضى بعضه برقم; 5730 ، وانظر عدة أهل بدر فيما سلف من 5724 - 5732. وقوله; "راهقوا ذلك" أي; قاربوا ذلك.(12) الأثر; 7741- سيرة ابن هشام 3; 113 ، وهو بعض الأثر السالف قريبًا رقم; 7733.(13) الأثر; 7742- سيرة ابن هشام 3; 113 ، وهو أيضًا بعض الأثر; 7733. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"نعمى" ، وأثبت ما مضى في المخطوطة والمطبوعة في الأثر السالف ، وهو مطابق نص ابن هشام.
{ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } أي: من مقصدهم هذا، وهو وقعة بدر { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } أي: معلمين بعلامة الشجعان، فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط: الصبر، والتقوى، وإتيان المشركين من فورهم هذا، فهذا الوعد بإنزال الملائكة المذكورين وإمدادهم بهم، وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له الشرطين الأولين كما تقدم في قوله: { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }
(إذ) اسم ظرفيّ مبنيّ متعلّق بـ (نصركم) في الآية السابقة ،
(تقول) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت(للمؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تقول) وعلامة الجرّ الياء
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ
(لن) حرف نفي ونصبـ (يكفي) مضارع منصوب و (كم) ضمير مفعول به
(أن) حرف مصدريّ ونصبـ (يمدّ) مضارع منصوب و (كم) ضمير مفعول به
(ربّ) فاعل مرفوع و (كم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّلـ (أن يمدّكم ربّكم) في محلّ رفع فاعل يكفي.
(بثلاثة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يمدّكم) ،
(آلاف) مضاف إليه مجرور ،
(من الملائكة) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت للتمييز المقدّر وهو ملك
(منزلين) حال من الملائكة منصوبة وعلامة النصب الياء .
جملة: «تقول ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «لن يكفيكم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «يمدّكم ربّكم» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٢٤
Ali 'Imran3:124