الرسم العثمانيوَسَارِعُوٓا إِلٰى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمٰوٰتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَسَارِعُوۡۤا اِلٰى مَغۡفِرَةٍ مِّنۡ رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا السَّمٰوٰتُ وَالۡاَرۡضُۙ اُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة، عرضها السموات والأرض، أعدها الله للمتقين.
ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات فقال تعالى "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين" أي كما أعدت النار للكافرين وقد قيل إن معنى قوله عرضها السموات والأرض تنبيها على اتساع طولها كـما قال في صفة فرش الجنة "بطائنها من إستبرق" أي فما ظنك بالظهائر وقيل بل عرضها كطولها لأنها قبة فيه تحت العرش والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وسقفها عرش الرحمن" وهذه الآية كقوله في سورة الحديد "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض" الآية. وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار". وقد رواه ابن جرير فقال حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن أبي خيثمة عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة قال لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص شيخا كبيرا قد فسد فقال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل فتناول الصحيفة رجل عن يساره قال; قلت من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا; معاوية فإذا كتاب صاحبي; إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار قال; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار". وقال الأعمش وسفيان الثوري وشعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب; أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال لهم عمر; أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل وإذا جاء الليل أين النهار فقالوا; لقد نزعت مثلها من التوراة رواه ابن جرير من ثلاثة طرق. ثم قال; حدثنا أحمد بن حازم حدثنا أبو نعيم حدثنا جعفر بن برقان أنبأنا يزيد بن الأصم; أن رجلا من أهل الكتاب قال; يقولون جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه أين يكون الليل إذا جاء النهار وأين يكون النهار إذا جاء الليل. وقد روى هذا مرفوعا فقال البزار حدثنا محمد بن معمر حدثنا المغيرة بن سلمة أبو هشام حدثنا عبدالواحد بن زياد عن عبيد الله بن عبدالله بن الأصم عن عمه يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال; جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال; أرأيت قوله تعالى "جنة عرضها السموات والأرض" فأين النار؟ قال "أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيء فأين النهار"؟ قال; حيث شاء الله قال "وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل". وهذا يحتمل معنيين " أحدهما" أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه; وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة عن البزار " الثاني" أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها كما قال الله عز وجل "كعرض السموات والأرض" والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار والله أعلم.
قوله تعالى ; وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقينفيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى ; وسارعوا قرأ نافع وابن عامر " سارعوا " بغير واو ; وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام . وقرأ باقي السبعة وسارعوا . وقال أبو علي ; كلا الأمرين شائع مستقيم ، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة ، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن العطف بالواو . والمسارعة المبادرة ، وهي مفاعلة . وفي الآية حذف . أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة . قال أنس بن [ ص; 193 ] مالك ومكحول في تفسير ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ) ; معناه إلى تكبيرة الإحرام . وقال علي بن أبي طالب ; إلى أداء الفرائض . عثمان بن عفان ; إلى الإخلاص . الكلبي ; إلى التوبة من الربا . وقيل ; إلى الثبات في القتال . وقيل غير هذا . والآية عامة في الجميع ، ومعناها معنى فاستبقوا الخيرات وقد تقدم .الثانية ; قوله تعالى ; وجنة عرضها السماوات والأرض تقديره ( كعرض ) فحذف المضاف ; كقوله ; ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ; أي إلا كخلق نفس واحدة وبعثها . قال الشاعر ;حسبت بغام راحلتي عناقا وما هي ويب غيرك بالعناقيريد صوت عناق . نظيره في سورة الحديد وجنة عرضها كعرض السماء والأرضواختلف العلماء في تأويله ; فقال ابن عباس ; تقرن السماوات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض ; فذلك عرض الجنة ، ولا يعلم طولها إلا الله . وهذا قول الجمهور ، وذلك لا ينكر ; فإن في حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ) . فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض ، وقدرة الله أعظم من ذلك كله . وقال الكلبي ; الجنان أربعة ; جنة عدن ، وجنة المأوى ، وجنة الفردوس ، وجنة النعيم . وكل جنة منها كعرض السماء والأرض لو وصل بعضها ببعض . وقال إسماعيل السدي ; لو كسرت السماوات والأرض وصرن خردلا ، فكل خردلة جنة عرضها كعرض السماء والأرض . وفي الصحيح ; إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنى ويتمنى حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى ; لك ذلك وعشرة أمثاله رواه أبو سعيد الخدري ، خرجه مسلم وغيره . وقال يعلى بن أبي مرة ; لقيت التنوخي رسول هرقل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بحمص شيخا [ ص; 194 ] كبيرا قال ; قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره ; قال ; فقلت من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا ; معاوية ; فإذا كتاب صاحبي ; إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ( سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ) . وبمثل هذه الحجة استدل الفاروق على اليهود حين قالوا له ; أرأيت قولكم وجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقالوا له ; لقد نزعت بما في التوراة . ونبه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض . قال الزهري ; إنما وصف عرضها ، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله ; وهذا كقوله تعالى ; متكئين على فرش بطائنها من إستبرق فوصف البطانة بأحسن ما يعلم من الزينة ، إذ معلوم أن الظواهر تكون أحسن وأتقن من البطائن . وتقول العرب ; بلاد عريضة ، وفلاة عريضة ، أي واسعة ; قال الشاعر ;كأن بلاد الله وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابلوقال قوم ; الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة ; فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السماوات والأرض ; كما تقول للرجل ; هذا بحر ، ولشخص كبير من الحيوان ; هذا جبل . ولم تقصد الآية تحديد العرض ، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه . وعامة العلماء على أن الجنة مخلوقة موجودة ; لقوله أعدت للمتقين وهو نص حديث الإسراء وغيره في الصحيحين وغيرهما . وقالت المعتزلة ; إنهما غير مخلوقتين في وقتنا ، وإن الله تعالى إذا طوى السماوات والأرض ابتدأ خلق الجنة والنار حيث شاء ; لأنهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخلقتا بعد التكليف في وقت الجزاء ; لئلا تجتمع دار التكليف ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة . وقال ابن فورك ; الجنة يزاد فيها [ ص; 195 ] يوم القيامة . قال ابن عطية ; وفي هذا متعلق لمنذر بن سعيد وغيره ممن قال ; إن الجنة لم تخلق بعد . قال ابن عطية ; وقول ابن فورك " يزاد فيها " إشارة إلى موجود ، لكنه يحتاج إلى سند يقطع العذر في الزيادةقلت ; صدق ابن عطية - رضي الله عنه - فيما قال ; وإذا كانت السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إلى الكرسي كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض ، والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة ; فالجنة الآن على ما هي عليه في الآخرة عرضها كعرض السماوات والأرض ; إذ العرش سقفها ، حسب ما ورد في صحيح مسلم . ومعلوم أن السقف يحتوي على ما تحته ويزيد . وإذا كانت المخلوقات كلها بالنسبة إليه كالحلقة فمن ذا الذي يقدره ويعلم طوله وعرضه إلا الله خالقه الذي لا نهاية لقدرته ، ولا غاية لسعة مملكته ، سبحانه وتعالى .
القول في تأويل قوله ; وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; وأطيعوا الله، أيها المؤمنون، فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء، وفيما أمركم به الرسول. يقول; وأطيعوا الرسول أيضًا كذلك =" لعلكم ترحمون "، يقول; لترحموا فلا تعذبوا.* * *وقد قيل إن ذلك معاتبة من الله عز وجل أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمرَه يوم أحد، فأخلُّوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها.*ذكر من قال ذلك;7829- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " وأطيعوا &; 7-207 &; الله والرسول لعلكم ترحمون "، معاتبة للذين عصوْا رسوله حين أمرهم بالذي أمرهم به في ذلك اليوم وفي غيره - يعني; في يوم أحُد. (81)* * *----------------(81) الأثر; 7829- سيرة ابن هشام 3; 115 ، تابع الآثار التي آخرها; 7828.
ثم أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٣٣
Ali 'Imran3:133