الرسم العثمانيلَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ
الـرسـم الإمـلائـيلَقَدۡ مَنَّ اللّٰهُ عَلَى الۡمُؤۡمِنِيۡنَ اِذۡ بَعَثَ فِيۡهِمۡ رَسُوۡلًا مِّنۡ اَنۡفُسِهِمۡ يَتۡلُوۡا عَلَيۡهِمۡ اٰيٰتِهٖ وَيُزَكِّيۡهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ الۡكِتٰبَ وَالۡحِكۡمَةَ ۚ وَاِنۡ كَانُوۡا مِنۡ قَبۡلُ لَفِىۡ ضَلٰلٍ مُّبِيۡنٍ
تفسير ميسر:
لقد أنعم الله على المؤمنين من العرب؛ إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم، يتلو عليهم آيات القرآن، ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة، ويعلمهم القرآن والسنة، وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر.
قوله تعالى "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم" أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به كما قال تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها" أي من جنسكم وقال تعالى "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد" الآية وقال تعالى "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" وقال تعالى "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى" وقال تعالى "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم" فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسل إليهم منهم بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه. ولهذا قال تعالى "يتلو عليهم آياته" يعني القرآن "ويزكيهم" أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم "ويعلمهم الكتاب والحكمة" يعني القرآن والسنة "وإن كانوا من قبل" أي من قبل هذا الرسول "لفي ضلال مبين" أي لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد.
قوله تعالى ; لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبينبين الله تعالى عظيم منته عليهم ببعثه محمدا - صلى الله عليه وسلم - . والمعنى في المنة فيه أقوال ; منها أن يكون معنى " من أنفسهم " أي بشر مثلهم . فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم علم أن ذلك من عند الله . وقيل ; من أنفسهم منهم . فشرفوا به - صلى الله عليه وسلم - فكانت تلك المنة . وقيل ; من أنفسهم ليعرفوا حاله ولا تخفى عليهم طريقته . وإذا كان محله فيهم هذا كانوا أحق بأن يقاتلوا عنه ولا ينهزموا دونه . وقرئ في الشواذ " من أنفسهم " ( بفتح الفاء ) يعني من أشرفهم ; لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل من قريش ، وقريش أفضل من العرب ، والعرب أفضل من غيرهم . ثم قيل ; لفظ المؤمنين عام ومعناه خاص في العرب ; لأنه ليس حي من أحياء العرب [ ص; 249 ] إلا وقد ولده - صلى الله عليه وسلم - ولهم فيه نسب ; إلا بني تغلب فإنهم كانوا نصارى فطهره الله من دنس النصرانية . وبيان هذا التأويل قوله تعالى ; هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم . وذكر أبو محمد عبد الغني قال ; حدثنا أبو أحمد البصري حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي أبو بكر المروزي حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ; لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم قالت ; هذه للعرب خاصة . وقال آخرون ; أراد به المؤمنين كلهم . ومعنى من أنفسهم أنه واحد منهم وبشر ومثلهم ، وإنما امتاز عنهم بالوحي ; وهو معنى قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به ، فالمنة عليهم أعظم .يتلو عليهم " يتلو " في موضع نصب نعت لرسول ، ومعناه يقرأ . والتلاوة القراءة . ويعلمهم الكتاب والحكمة تقدم في البقرة . وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين أي ولقد كانوا من قبل ، أي من قبل محمد ، وقيل ; " إن " بمعنى " ما " ، واللام في الخبر بمعنى إلا . أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين . ومثله وإن كنتم من قبله لمن الضالين أي وما كنتم من قبله إلا من الضالين . وهذا مذهب الكوفيين . وقد تقدم في " البقرة " معنى هذه الآية .
القول في تأويل قوله ; لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)قال أبو جعفر; يعني بذلك; لقد تطوّل الله على المؤمنين =" إذ بعث فيهم رسولا "، حين أرسل فيهم رسولا =" من أنفسهم "، نبيًّا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول =" يتلو عليهم آياته "، يقول; يقرأ عليهم آي كتابه وتنـزيله (67) =" ويزكيهم "، يعني; يطهّرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم (68) =" ويعلمهم الكتاب والحكمة "، يعني; ويعلمهم كتاب الله الذي أنـزله عليه، ويبين لهم تأويله ومعانيه =" والحكمة "، ويعني بالحكمة، السُّنةَ التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيانَه لهم (69) =" وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين "، يعني; وإن كانوا من قبل أن يمنّ الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته =" لفي ضلال مبين "، يقول; في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقًّا، ولا يبطلون باطلا.* * *وقد بينا أصل " الضلالة " فيما مضى، وأنه الأخذ على غير هدى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (70) .* * *= و " المبين "، الذي يبَين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه، أنه على غير استقامة ولا هدى (71) .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;8177- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم "، منّ الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم = قوله; " ويعلمهم الكتاب والحكمة "، الحكمة، السنة =" وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين "، ليس والله كما تقول أهل حروراء; " محنة غالبة، من أخطأها أهَريق دمه "، (72) ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلَّمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدَّبهم.8178- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،" لقد منّ الله على المؤمنين "، إلى قوله; " لفي ضلال مبين "، أي; لقد منّ الله عليكم، يا أهل الإيمان، إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم، (73) ويعلمكم الخير والشر، لتعرفوا الخير فتعملوا به، والشر فتتقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه، لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتتخلصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته =" وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين "، أي; في عمياء من الجاهلية، لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة، (74) صُمٌّ عن الحق، عُمْيٌ عن الهدى. (75)--------------------الهوامش ;(67) انظر تفسير"يتلو" فيما سلف 2; 411 ، 569 / 6 ; 466 ، تعليق; 3 ، وفهارس اللغة"تلا".(68) انظر تفسير"يزكي" فيما سلف 1; 573 ، 574 / 3 ; 88 / 5 ; 29 / 6 ; 528.(69) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 3; 87 ، 88 / 5 ; 15 ، 371 ، 576 - 579.(70) انظر تفسير"الضلالة" فيما سلف 1; 195 / 2; 495 ، 496.(71) انظر تفسير"مبين" فيما سلف 3; 300 / 4 ; 258.(72) أهل حروراء; هم الخوارج ، وهذا مذهبهم.(73) في المطبوعة; "فيما أخذتم وفيما عملتم" لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب منها ومن سيرة ابن هشام.(74) في المطبوعة; "تستغيثون من سيئة" ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة "يستغيثون" غير منقوطة ، والأرجح أنه خطأ ، صوابه ما في سيرة ابن هشام.(75) الأثر; 8178- سيرة ابن هشام 3; 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها; 8172 ، 8176. والجملة الأخيرة في ابن هشام; "صم عن الخير ، بكم عن الحق ، عمى عن الهدى".
هذه المنة التي امتن الله بها على عباده، أكبر النعم، بل أصلها، وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة، وعصمهم به من الهلكة، فقال: { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } يعرفون نسبه، وحاله، ولسانه، من قومهم وقبيلتهم، ناصحا لهم، مشفقا عليهم، يتلو عليهم آيات الله، يعلمهم ألفاظها ومعانيها. { ويزكيهم } من الشرك، والمعاصي، والرذائل، وسائر مساوئ الأخلاق. و { يعلمهم الكتاب } إما جنس الكتاب الذي هو القرآن، فيكون قوله: { يتلو عليهم آياته } المراد به الآيات الكونية، أو المراد بالكتاب -هنا- الكتابة، فيكون قد امتن عليهم، بتعليم الكتاب والكتابة، التي بها تدرك العلوم وتحفظ، { والحكمة } هي: السنة، التي هي شقيقة القرآن، أو وضع الأشياء مواضعها، ومعرفة أسرار الشريعة. فجمع لهم بين تعليم الأحكام، وما به تنفذ الأحكام، وما به تدرك فوائدها وثمراتها، ففاقوا بهذه الأمور العظيمة جميع المخلوقين، وكانوا من العلماء الربانيين، { وإن كانوا من قبل } بعثة هذا الرسول { لفي ضلال مبين } لا يعرفون الطريق الموصل إلى ربهم، ولا ما يزكي النفوس ويطهرها، بل ما زين لهم جهلهم فعلوه، ولو ناقض ذلك عقول العالمين.
(اللام) لام القسم لقسم مقدّر
(قد) حرف تحقيق
(منّ) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(على المؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق بـ (منّ) ، وعلامة الجرّ الياء
(إذ) ظرف للزمن الماضي مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بـ (منّ)
(بعث) فعل ماض، والفاعلضمير مستتر تقديره هو (في) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (بعث)
(رسولا) مفعول به منصوبـ (من أنفس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لـ (رسولا) ، و (هم) ضمير مضاف إليه
(يتلو) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الواو والفاعل هو (عليهم) مثل فيهم متعلّق بـ (يتلو) ،
(آيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة و (الهاء) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(يزكّي) مثل يتلو و (هم) ضمير مفعول به
(الواو) عاطفة
(يعلّمهم) مثل يزكيهم
(الكتاب) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(الحكمة) معطوف على الكتاب منصوب مثله
(الواو) حاليّة
(إن) مخفّفة من الثقيلة مهملة
(كانوا) فعل ماض ناقص مبنيّ على الضمّ.. والواو اسم كان
(من) حرف جرّ
(قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر
(اللام) هي الفارقة التي تشعر بكون
(إن) مخفّفة
(في ضلال) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كانوا
(مبين) نعت لضلال مجرور مثله.
جملة: «منّ الله» لا محلّ لها جواب قسم مقدّر.
وجملة: «بعث ... » في محلّ جرّ بإضافة
(إذ) إليها.
وجملة: «يتلو ... » في محلّ نصب إمّا حال من(رسولا) أو نعت له.
وجملة: «يزكّيهم» في محلّ نصب معطوفة على جملة يتلو.
وجملة: «يعلّمهم ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة يتلو.
وجملة: «كانوا ... » في محلّ نصب حال من ضمير النصب في يعلّمهم.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٦٤
Ali 'Imran3:164