الرسم العثمانيفَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُو بِالْبَيِّنٰتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتٰبِ الْمُنِيرِ
الـرسـم الإمـلائـيفَاِنۡ كَذَّبُوۡكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّنۡ قَبۡلِكَ جَآءُوۡ بِالۡبَيِّنٰتِ وَالزُّبُرِ وَالۡكِتٰبِ الۡمُنِيۡرِ
تفسير ميسر:
فإن كذَّبك -أيها الرسول- هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكفر، فقد كذَّب المبطلون كثيرًا من المرسلين مِن قبلك، جاءوا أقوامهم بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات، والكتب السماوية التي هي نور يكشف الظلمات، والكتابِ البيِّن الواضح.
قال تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم "فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير" أي لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة "والزبر" وهي الكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين والكتاب المنير أي الواضح الجلي.
ثم قال تعالى معزيا لنبيه ومؤنسا له ; فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات أي بالدلالات . والزبر أي الكتب المزبورة ، يعني المكتوبة . والزبر جمع زبور وهو الكتاب . وأصله من زبرت أي كتبت . وكل زبور فهو كتاب ; قال امرؤ القيس ;لمن طلل أبصرته فشجاني كخط زبور في عسيب يمانيوأنا أعرف تزبرتي أي كتابتي . وقيل ; الزبور من الزبر بمعنى الزجر . وزبرت الرجل انتهرته . وزبرت البئر ; طويتها بالحجارة . وقرأ ابن عامر " بالزبر وبالكتاب المنير " بزيادة باء في الكلمتين . وكذلك هو في مصاحف أهل الشام . والكتاب المنير أي الواضح [ ص; 278 ] المضيء ; من قولك ; أنرت الشيء أنيره ، أي أوضحته ; يقال ; نار الشيء وأناره ونوره واستناره بمعنى ، وكل واحد منهما لازم ومتعد . وجمع بين الزبر والكتاب - وهما بمعنى - لاختلاف لفظهما ، وأصلها كما ذكرنا .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ; فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)قال أبو جعفر; وهذا تعزية من الله جل ثناؤه نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل. يقول الله تعالى له; لا يحزنك، يا محمد، كذب هؤلاء الذين قالوا; إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ، وقالوا; إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ، وافتراؤهم على ربهم اغترارًا بإمهال الله إياهم، ولا يَعظمن عليك تكذيبهم إياك، وادعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذبوك وكذبوا على الله، فقد كذَّبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذرَ، والأدلة الباهرة العقلَ، والآيات المعجزة الخلقَ، وذلك هو البينات. (16)* * *وأما " الزبر " فإنه جمع " زبور "، وهو الكتاب، وكل كتاب فهو; " زبور "، ومنه قول امرئ القيس;لِمــنْ طَلــلٌ أَبْصَرْتُـهُ فَشَـجَانِي?كخَـطِّ زَبُـورٍ فـي عَسِـيبٍ يَمَـانِي (17)* * *ويعني; بـ" الكتاب "، التوراة والإنجيل. وذلك أن اليهود كذَّبت عيسى وما جاء به، وحرَّفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وبدلت عهده إليهم فيه، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته، وغيرت ما أمرهم به في أمره.* * *وأما قوله; " المنير "، فإنه يعني; الذي يُنير فيبين الحق لمن التبس عليه ويوضحه.* * *وإنما هو من " النور " والإضاءة، يقال; " قد أنار لك هذا الأمر "، بمعنى; أضاء لك وتبين،" فهو ينير إنارة، والشيء منيرٌ"، (18) وقد;-8312 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك; " فإن كذبوك فقد كُذِّب رسل من قبلك "، قال; يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم.* * *8313 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله; " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك "، قال; يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم.* * *وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق; " وَالزُّبُرِ" بغير " باء "، وهو في مصاحف أهل الشام; " وبالزُّبُرِ" بالباء، مثل الذي في" سورة فاطر ". [25].----------------------الهوامش;(16) انظر تفسير"البينات" فيما سلف 2; 318 ، 355 / 3; 249 / 4; 259 / 5; 379 ، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة.(17) ديوانه; 186 ، وهو مطلع قصيدته. قال الشنتمرى في شرح البيت; "يقول; نظرت إلى هذا الطلل فشجاني ، أي; أحزنني. وقوله; "كخط زبور" ، أي قد درس وخفيت آثاره ، فلا يرى منه إلا مثل الكتاب في الخفاء والدقة. والزبور; الكتاب. وقوله; "في عسيب يمان" ، كان أهل اليمن يكتبون في عسيب النخلة عهودهم وصكاكهم. ويروى; "عسيب يماني" ، على الإضافة ، أراد; في عسيب رجل يمان.(18) في المخطوطة والمطبوعة; "والشيء المنير" ، وعبارة بيان اللغة تقتضي ما أثبت.
ثم سلَّى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك } أي: هذه عادة الظالمين، ودأبهم الكفر بالله، وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله، عن قصور ما أتوا به، أو عدم تبين حجة، بل قد { جاءوا بالبينات } أي: الحجج العقلية، والبراهين النقلية، { والزبر } أي: الكتب المزبورة المنزلة من السماء، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل. { والكتاب المنير } للأحكام الشرعية، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية، ومنير أيضا للأخبار الصادقة، فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل، الذين هذا وصفهم، فلا يحزنك أمرهم، ولا يهمنك شأنهم.
(الفاء) عاطفة
(إن) حرف شرط جازم
(كذّبوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ في محلّ جزم ... والواو فاعل و (الكاف) ضمير مفعول به
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(قد) حرف تحقيق
(كذّب) فعل ماض مبنيّ للمجهولـ (رسل) نائب فاعلـ (من قبل) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لرسل و (الكاف) مضاف إليه
(جاؤوا) مثل كذّبوا لا محلّ له
(بالبينّات) جارّ ومجرور متعلّق بـ (جاؤوا) ،
(الواو) عاطفة في الموضعين
(الزبر، الكتاب) اسمان معطوفان بحرفي العطف على البيّنات مجروران مثله
(المنير) نعت للكتاب مجرور.
جملة: «كذبوك» لا محلّ لها معطوفة على جملة قل في الآية السابقة، وجواب الشرط محذوف تقديره فاصبر كما صبر رسل من قبلك أو فتسلّ.
وجملة: «قد كذّب رسل» لا محلّ لها تعليل للمقدّر لأن الفعل ماض لفظا ومعنى.
وجملة: «جاؤوا ... » لا محلّ لها رفع نعت لرسل.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٨٤
Ali 'Imran3:184