الرسم العثمانيلٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهٰرُ خٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ
الـرسـم الإمـلائـيلٰكِنِ الَّذِيۡنَ اتَّقَوۡا رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنّٰتٌ تَجۡرِىۡ مِنۡ تَحۡتِهَا الۡاَنۡهٰرُ خٰلِدِيۡنَ فِيۡهَا نُزُلًا مِّنۡ عِنۡدِ اللّٰهِؕ وَمَا عِنۡدَ اللّٰهِ خَيۡرٌ لِّلۡاَبۡرَارِ
تفسير ميسر:
لكن الذين خافوا ربهم، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، قد أعدَّ الله لهم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، هي منزلهم الدائم لا يخرجون منه. وما عد الله أعظم وأفضل لأهل الطاعة مما يتقلب فيه الذين كفروا من نعيم الدنيا.
وهكذا لما ذكر حال الكفار في الدنيا وذكر أن مآلهم النار قال بعده"لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار" وقال ابن مردويه; حدثنا أحمد بن نصر حدثنا أبو طاهر سهل بن عبدالله أنبأنا هشام بن عمار أنبأنا سعيد أنبأنا يحيى أنبأنا عبدالله بن الوليد الرصافي عن محارب بن دثار عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذا لولدك عليك حق" كذا رواه ابن مردويه عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعا وقال ابن أبي حاتم; حدثنا أبي حدثنا أحمد بن جناب حدثنا عيسى بن يونس عن عبدالله بن الوليد الرصافي عن محارب بن دثار عن عبدالله بن عمرو قال; إنما سماهم الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حق وهذا أشبه والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم; حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن رجل عن الحسن قال; الأبرار الذين لا يؤذون الذر. وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن الأسود قال عبدالله يعني ابن مسعود ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها لئن كان برا لقد قال الله تعالى "وما عند الله خير للأبرار" وكذا رواه عبدالرزاق عن الثوري عن الأعمش به وقرأ "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين" وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا ابن أبي جعفر عن نوح بن فضالة عن لقمان عن أبي داود أنه كان يقول; ما من مؤمن إلا والموت خير له وما من كافر إلا والموت خير له ومن لم يصدقني فإن الله يقول "وما عند الله خير للأبرار" ويقول "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين".
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا استدراك بعد كلام تقدم فيه معنى النفي ; لأن معنى ما تقدم ليس لهم في تقلبهم في البلاد كبير الانتفاع , لكن المتقون لهم الانتفاع الكبير والخلد الدائم .فموضع " لكن " رفع بالابتداء .وقرأ يزيد بن القعقاع " لكن " بتشديد النون . نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نزلا مثل ثوابا عند البصريين , وعند الكسائي يكون مصدرا .الفراء ; هو مفسر .وقرأ الحسن والنخعي " نزلا " بتخفيف الزاي استثقالا لضمتين , وثقله الباقون .والنزل ما يهيأ للنزيل , والنزيل الضيف .قال الشاعر ; نزيل القوم أعظمهم حقوقا وحق الله في حق النزيل والجمع الأنزال .وحظ نزيل ; مجتمع .والنزل ; أيضا الريع ; يقال ; طعام كثير النزل والنزل .قلت ; ولعل النزل - والله أعلم - ما جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الحبر الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ; أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ( هم في الظلمة دون الجسر ) قال ; فمن أول الناس إجازة ؟ قال ; ( فقراء المهاجرين ) قال اليهودي ; فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال ( زيادة كبد النون ) قال ; فما غذاؤهم على إثرها ؟ فقال ; ( ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ) قال ; فما شرابهم عليه ؟ قال ; ( من عين فيها تسمى سلسبيلا ) وذكر الحديث .قال أهل اللغة ; والتحفة ما يتحف به الإنسان من الفواكه .والطرف محاسنه وملاطفه , وهذا مطابق لما ذكرناه في النزل , والله أعلم .وزيادة الكبد ; قطعة منه كالأصبع .قال الهروي ; " نزلا من عند الله " أي ثوابا .وقيل رزقا . وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ أي مما يتقلب به الكفار في الدنيا .والله أعلم .
القول في تأويل قوله ; لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ (198)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; (23) " لكن الذين اتقوا ربهم "، لكن الذين اتقوا الله بطاعته واتّباع مرضاته، في العمل بما أمرهم به، واجتناب ما نهاهم عنه=" لهم جنات " يعني; بساتين، (24) =" تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها "، يقول; باقين فيها أبدًا. (25) =" نـزلا من عند الله "، يعني; إنـزالا من الله إياهم فيها، أنـزلوها.ونصب " نـزلا " على التفسير من قوله; " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار "، كما يقال; " لك عند الله جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابًا "، وكما يقال; " هو لك صدقة "; و " هو لك هبة ". (26)* * *= وقوله; " من عند الله " يعني; من قبل الله، (27) ومن كرامة الله إياهم، وعطاياه لهم.* * *وقوله; " وما عند الله خير للأبرار "، يقول; وما عند الله من الحياة والكرامة، وحسن المآب، " خير للأبرار "، مما يتقلب فيه الذين كفروا، فإن الذي يتقلبون فيه زائل فانٍ، وهو قليلٌ من المتاع خسيس، وما عند الله من كرامته للأبرار - (28) وهم أهل طاعته (29) باقٍ، غيرُ فانٍ ولا زائل.* * *8373 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله; " وما عند الله خير للأبرار "، قال; لمن يطيع الله.8374 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود، عن عبد الله قال; ما من نَفْس بَرَّة ولا فاجرة إلا والموتُ خير لها. ثم قرأ عبد الله; " وما عند الله خير للأبرار "، وقرأ هذه الآية; وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ . (30) [سورة آل عمران; 178]8375 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن فرج بن فضالة، عن لقمان، عن أبي الدرداء أنه كان يقول; ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له، ومن لم يصدقني فإن الله يقول; " وما عند الله خير للأبرار "، ويقول; وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا . (31)-----------------------الهوامش ;(23) في المطبوعة والمخطوطة; "يعني بذلك جل ثناؤه" ، والسياق يقتضي ما أثبت.(24) انظر تفسير"الجنة" فيما سلف 1; 384 / 5; 535 ، 542 / 6; 261 ، 262 / 7; 227.(25) انظر تفسير"الخلود" فيما سلف 6; 261; 262 تعليق; 1 ، والمراجع هناك ، وفهارس اللغة.(26) "التفسير" ، عند الكوفيين ، هو التمييز عند البصريين ، وانظر ما سلف 2; 338 ، تعليق; 1 / 3; 90 ، تعليق; 2 / 5; 91 ، تعليق; 4 وانظر معاني القرآن للفراء 1; 251.(27) انظر تفسير"عند" فيما سلف قريبًا ص; 490 ، تعليق 6 ، والمراجع هناك.(28) في المطبوعة; "وما عند الله خير من كرامته للأبرار" ، وهو فاسد المعنى ، وكان مثله في المخطوطة ، إلا أنه ضرب على"خير" بإشارة الحذف ، ولكن الناشر لم يدرك معنى الإشارة فأبقاها. فأفسدت الكلام.(29) انظر تفسير"الأبرار" فيما سلف قريبًا ص; 482 ، تعليق; 6 ، والمراجع هناك.(30) الحديث; 8374 - مضى برقم; 8267 ، عن محمد بن بشار ، عن عبد الرحمن -وهو ابن مهدي- عن سفيان.ورواه ابن أبي حاتم ، من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش كما نقله ابن كثير عنه 2; 328.(31) الحديث-; 8375 - فرج بن فضالة; ضعيف ، كما بينا في; 1688.لقمان; هو ابن عامر الوصابي الحمصي. وهو ثقة ، ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 1 / 251 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 182- 183. ولم يذكرا فيه جرحا.و"الوصابي"; بفتح الواو وتشديد الصاد المهملة ، كما ضبطه ابن الأثير في اللباب ، والذهبي في المشتبه ، ووهم الحافظ ابن حجر ، فضبطه في التقريب بتخفيفها.والحديث ذكره ابن كثير 2; 328 - 329 ، عن هذا الموضع من الطبري. ووقع في طبعته"نوح ابن فضالة" بدل"فرج بن فضالة" ، وهو خطأ مطبعي سخيف.وذكره السيوطي 2; 104 ، عند الآية السابقة; 178 ، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر.
وأما المتقون لربهم، المؤمنون به- فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } فلو قدر أنهم في دار الدنيا، قد حصل لهم كل بؤس وشدة، وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، والسرور والحبور، والبهجة نزرا يسيرا، ومنحة في صورة محنة، ولهذا قال تعالى: { وما عند الله خير للأبرار } وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما، وعطاء جسيما، وفوزا دائما.
(لكن) حرف استدراك لا عمل له
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(اتّقوا) فعل ماض مبنيّ على الضم المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ... والواو فاعلـ (ربّ) مفعول به منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه
(اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(جنّات) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(تجري من تحتها الأنهار) مرّ إعرابها ،
(خالدين) حال منصوبة من الهاء في(لهم) ، وعلامة النصب الياء
(فيها) مثل لهم متعلّق بخالدين
(نزلا) مفعول مطلق لفعل محذوف أي تنزلهم نزلا،
(من عند) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لـ (نزلا) ،
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(الواو) استئنافيّة
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف صلة ما
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(خير) خبر مرفوع
(للأبرار) جارّ ومجرور متعلّق بخير.
جملة: «الذين اتّقوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «اتّقوا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «لهم جنّات..» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .
وجملة: «تجري ... » الأنهار في محلّ رفع نعت لجنّات.
وجملة: «ما عند الله خير..» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٩٨
Ali 'Imran3:198