الرسم العثمانيمِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عٰهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضٰى نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
الـرسـم الإمـلائـيمِنَ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ رِجَالٌ صَدَقُوۡا مَا عَاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيۡهِۚ فَمِنۡهُمۡ مَّنۡ قَضٰى نَحۡبَهٗ وَمِنۡهُمۡ مَّنۡ يَّنۡتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوۡا تَبۡدِيۡلًا
تفسير ميسر:
من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس; فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين; النصر أو الشهادة، وما غيَّروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدَّلوه، كما غيَّر المنافقون.
لما ذكر عز وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار وصف المؤمنين أنهم استمروا على العهد والميثاق و "صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه "قال بعضهم أجله وقال البخاري عهده وهو يرجع إلى الأول "ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه قال البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال; لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "تفرد به البخاري دون مسلم وأخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما من حديث الزهري به وقال الترمذي حسن صحيح وقال البخاري أيضا حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "الآية انفرد به البخاري من هذا الوجه ولكن له شواهد من طرق أخر قال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال أنس; عمي أنس بن النضر رضي الله عنه سميت به لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عز وجل ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال له أنس رضي الله عنه يا أبا عمرو أين واها لريح الجنة إني أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه قال فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه قال فنزلت هذه الآية "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه رضي الله عنهم ورواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به ورواه النسائي أيضا وابن جرير من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به نحوه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال إن عمه يعني أنس بن النضر رضي الله عنه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين لئن أشهدني الله عز وجل قتالا للمشركين ليرين الله تعالى ما أصنع قال فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال; اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين- ثم تقدم فلقيه سعد يعني ابن معاذ رضي الله عنه دون أحد فقال أنا معك قال سعد رضي الله عنه فلم أستطع أن أصنع ما صنع فلما قتل قال فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم وكانوا يقولون فيه وفى أصحابه نزلت "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر "وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد والنسائي فيه أيضا عن إسحاق بن إبراهيم كلاهما عن يزيد بن هارون به وقال الترمذي حسن. وقد رواه البخاري في المغازي عن حسان بن حسان عن محمد بن طلحة عن مصرف عن حميد عن أنس رضي الله عنه به ولم يذكر نزول الآية ورواه ابن جرير من حديث المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس رضي الله عنه به; وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن الفضل العسقلاني حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان حدثنا عيسى بن موسى ابن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة رضي الله عنه قال; لما أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه وعزى المسلمين بما أصابهم وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر ثم قرأ هذه الآية "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه "الآية كلها فقام إليه رجل من المسلمين فقال يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران حضرميان فقال "أيها السائل هذا منهم "وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطلحي به وأخرجه الترمذي في التفسير والمناقب أيضا وابن جرير من حديث يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما رضي الله عنهما وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس وقال أيضا حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو عامر- يعني العقدي - حدثني إسحاق - يعني ابن طلحة بن عبيد الله - عن موسى بن طلحة قال; دخلت على معاوية رضي الله عنه فلما خرجت دعاني فقال ألا أضع عندك يا ابن أخي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "طلحة ممن قضى نحبه "ورواه ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبد الحميد الحماني عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطلحي عن موسى بن طلحة قال; قام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "طلحة ممن قضى نحبه "ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى "فمنهم من قضى نحبه "يعني عهده "ومنهم من ينتظر "قال يوما فيه القتال فيصدق في اللقاء وقال الحسن "فمنهم من قضى نحبه "يعني موته على الصدق والوفاء ومنهم من ينتظر الموت على مثل ذلك ومنهم من لم يبدل تبديلا وكذا قال قتادة وابن زيد وقال بعضهم نحبه نذره; وقوله تعالى "وما بدلوا تبديلا "أي وما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا "إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ".
قوله تعالى ; من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاقوله تعالى ; من المؤمنين رجال رفع بالابتداء ، وصلح الابتداء بالنكرة لأن صدقوا في موضع النعت . فمنهم من قضى نحبه ( من ) في موضع رفع بالابتداء . وكذا ( ومنهم من ينتظر ) والخبر في المجرور . والنحب ; النذر والعهد ، تقول منه ; نحبت أنحب ، بالضم . قال الشاعر ;وإذا نحبت كلب على الناس إنهم أحق بتاج الماجد المتكرموقال ثان ;قد نحب المجد علينا نحبا[ ص; 146 ] وقال آخر ;أنحب فيقضى أم ضلال وباطلوروى البخاري ومسلم والترمذي عن أنس قال ; قال عمي أنس بن النضر - سميت به - ولم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليه فقال ; أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع . قال ; فهاب أن يقول غيرها ، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل ، فاستقبله سعد بن مالك فقال ; يا أبا عمرو أين ؟ قال ; واها لريح الجنة ! أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية . فقالت عمتي الربيع بنت النضر ; فما عرفت أخي إلا ببنانه . ونزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا لفظ الترمذي ، وقال ; هذا حديث حسن صحيح . وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية ; منهم طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصيبت يده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; أوجب طلحة الجنة . وفي الترمذي عنه ; أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل ; سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته ، يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر ، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال ; أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي ; أنا يا رسول الله . قال ; هذا ممن قضى نحبه قال ; هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكير . وروى البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد ، مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه ، فوقف عليه ودعا له ، ثم تلا هذه الآية ; من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه - إلى - " تبديلا " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم ، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه . وقيل ; النحب الموت ، أي مات على ما [ ص; 147 ] عاهد عليه ؛ عن ابن عباس . والنحب أيضا الوقت والمدة يقال ; قضى فلان نحبه إذا مات . وقال ذو الرمة ;عشية فر الحارثيون بعدما قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبروالنحب أيضا الحاجة والهمة ، يقول قائلهم ما لي عندهم نحب ، وليس المراد بالآية . والمعنى في هذا الموضع بالنحب النذر كما قدمنا أولا ، أي منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل ، مثل حمزة وسعد بن معاذ وأنس بن النضر وغيرهم . ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدلوا عهدهم ونذرهم . وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم من بدل تبديلا ) . قال أبو بكر الأنباري ; وهذا الحديث عند أهل العلم مردود ، لخلافه الإجماع ، ولأن فيه طعنا على المؤمنين والرجال الذين مدحهم الله وشرفهم بالصدق والوفاء ، فما يعرف فيهم مغير وما وجد من جماعتهم مبدل ، رضي الله عنهم .
القول في تأويل قوله تعالى ; مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23)يقول تعالى ذكره (مِنَ المُؤْمِنِينَ) بالله ورسوله ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) يقول; أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضرّاء، وحين البأس (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) يقول; فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره الله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أُحد، وبعض في غير ذلك من المواطن (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده، والنصر من الله، والظفر على عدوّه. والنحب; النذر في كلام العرب. وللنحب أيضا في كلامهم وجوه غير ذلك، منها الموت، كما قال الشاعر;قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى القَوْمِ هَوْبَرُ (1)يعني; منيته ونفسه؛ ومنها الخطر العظيم، كما قال جرير;بِطَخْفَــةَ جالَدْنــا المُلُـوكَ وَخَيْلُنَـاعَشِـيَّةَ بِسْـطامٍ جَـرَيْنَ عَـلى نَحْـبِ (2)أي على خطر عظيم؛ ومنها النحيب، يقال; نحب في سيره يومه أجمع; إذا مدّ فلم ينـزل يومه وليلته؛ ومنها التنحيب، وهو الخطار، كما قال الشاعر;وإذْ نَحَّـبَتْ كَـلْبٌ عـلى النَّـاس أيُّهُمْأحَــقُّ بِتــاجِ المَــاجِدِ المُتَكَـوِّم? (3)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال; ثني يزيد بن رومان ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) ; أي; وفوا الله بما عاهدوه عليه (فمنهم من قَضَى نَحْبَهُ) أي فرغ من عمله، ورجع إلى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أُحد (ومنهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ما وعد الله من نصره والشهادة على ما مضى عليه أصحابه.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; عهده فقتل أو عاش (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يوما فيه جهاد، فيقضي (نحبه) عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; عهده (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قال; يوما فيه قتال، فيصدق في اللقاء.قال; ثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; مات على العهد.قال; ثنا أبو أُسامة، عن عبد الله بن فلان -قد سماه، ذهب عني اسمه- عن أبيه (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; نذره.حدثنا ابن إدريس، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة; أن أعرابيا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله; من الذين قضوا نحبهم؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ودخل طلحة من باب المسجد وعليه ثوبان أخضران، فقال; " هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ".حدثنا ابن بشار، قال; ثنا هوذة، قال; ثنا عوف، عن الحسن، في قوله; (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; موته على الصدق والوفاء.(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت على مثل ذلك، ومنهم من بدّل تبديلا (4) .حدثني محمد بن عمارة، قال; ثنا عبيد الله بن موسى، قال; أخبرنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن مجاهد ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) قال; النحب; العهد.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) على الصدق والوفاء (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) من نفسه الصدق والوفاء.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) ذلك.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا ابن أبي بكير، قال شريك بن عبد الله، أخبرناه عن سالم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) قال; الموت على ما عاهد الله عليه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت على ما عاهد الله عليه.وقيل; إن هذه الآية نـزلت في قوم لم يشهدوا بدرا، فعاهدوا الله أن يفوا قتالا للمشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أوفى فقضى نحبه، ومنهم من بدّل، ومنهم من أوفى ولم يقض نحبه، وكان منتظرا، على ما وصفهم الله به من صفاتهم في هذه الآية.* ذكر من قال ذلك;حدثنا عمرو بن عليّ، قال; ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال; ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن أنس بن النضر تغيب عن قتال بدر، فقال; تغيبت عن أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئن رأيت قتالا ليرين الله ما أصنع؛ فلما كان يوم أُحُد، وهُزم الناس، لقي سعد بن معاذ فقال; والله إني لأجدُ ريح الجنة، فتقدم فقاتل حتى قُتل، فنـزلت فيه هذه الآية; ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ).حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الله بن بكير، قال; ثنا حميد، قال; زعم أنس بن مالك قال; غاب أنس بن النضر، عن قتال يوم بدر، فقال; غبت عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله قتالا ليرينّ الله ما أصنع؛ فلما كان يوم أُحُد، انكشف المسلمون، فقال; اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، فمشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال; أي سعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقال سعد; يا رسول الله، فما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك; فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة، بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه، قال أنس; فكنا نتحدّث أن هذه الآية ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) نـزلت فيه، وفي أصحابه.حدثنا سوار بن عبد الله، قال; ثنا المعتمر، قال; سمعت حميدا يحدّث، عن أنس بن مالك، أن أنس بن النضر; غاب عن قتال بدر، ثم ذكر نحوه.حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا يونس بن بكير، قال; ثنا طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى بن طلحة عن طلحة أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال; وكانوا لا يجرءون على مسألته، فقالوا للأعرابي; سله (مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) من هو؟ فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم دخلت من باب المسجد وعليّ ثياب خُضر؛ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; " أيْنَ السَّائِل عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ؟" قال الأعرابيّ; أنا يا رسول الله قال; " هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ".حدثنا أبو كُرَيب، قال; ثنا عبد الحميد الحِمَّاني، عن إسحاق بن يحيى الطَّلْحِي، عن موسى بن طلحة، قال; قام معاوية بن أبي سفيان، فقال; إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول; " طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ".حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، قال; ثنا سليمان بن أيوب، قال; ثني أبي، عن إسحاق، عن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال; لما قدمنا من أُحُد وصرنا بالمدينة، صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم المنبر، فخطب الناس &; 20-241 &; وعزّاهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر، ثم قرأ; (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ...) الآية، قال; فقام إليه رجل فقال; يا رسول الله، من هؤلاء؟ فالتفت وعليّ ثوبان أخضران، فقال; " أيُّها السَّائِلُ هَذَا مِنْهُمْ".وقوله; (وَما بَدَّلًوا تَبْديلا) ; وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييرا، كما غيره المعوّقون القائلون لإخوانهم; هلمّ إلينا، والقائلون; إن بيوتنا عورة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (وَما بَدَّلُوا تَبْديلا) يقول; ما شكُّوا وما تردّدوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; (وَما بَدَّلُوا تَبْديلا) ; لم يغيروا دينهم كما غير المنافقون.------------------------الهوامش;(1) هذا عجز بيت لذي الرمة وصدره * عيشـة فـر الحـارثيون بعدمـا *وهوبر; اسم رجل، أراد ابن هوبر (اللسان; هبر). وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن، عند قوله تعالى; (فمنهم من قضى نحبه); أي نذره الذي كان. والنحب أيضًا النفس; أي الموت. قال ذو الرمة; "قضى نحبه ..." أي نفسه، وإنما هو أيضًا يزيد بن هوبر، ا هـ . وفي الديوان (طبعة كمبردج سنة 1919 ص 235) أراد يزيد بن هوبر، وهو رجل من بني الحارث بن كعب.(2) البيت لجرير بن عطية بن الخطفي (أبو عبيدة، مجاز القرآن، الورقة 174 - ب) و (اللسان; نحب) قال; وجعله جرير بن الخطفي; الخطر العظيم، قال "بطخفة ..." البيت، أي خطر عظيم. وطخفة، بفتح الطاء، وكسرها; جبل أحمر طويل في ديار بني تميم. كانت به وقعة بين بني يربوع، وقابوس بن النعمان، وكان النعمان قد بعث إليهم جيشًا، وأمر عليه ابنه قابوس وأخاه حسان، فهزمتهم بنو يربوع بطخفة، وأسروهما حتى منوا عليهما، فذلك الذي أراد جرير (انظر معجم ما ستعجم للبكري طخفة).(3) البيت للفرزدق (ديوانه طبعة الصاوي بالقاهرة ص 759) والتنحيب هنا مصدر نحب، بشد الحاء أي صاح أو نادى بشدة. وأصل التنحيب; الدأب على الشيء، والإكباب عليه لا يفارقه (اللسان; نحب). وجعله المؤلف بمعنى الخطار، ولعله يريد المخاطرة بالنفس.(4) الذي في الدر المنثور بدله; وآخرون ما بدلوا تبديلا.
ولما ذكر أن المنافقين، عاهدوا اللّه، لا يولون الأدبار، ونقضوا ذلك العهد، ذكر وفاء المؤمنين به، فقال: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ } أي: وفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبَّلوا أنفسهم في طاعته.{ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ } أي: إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحق، فقتل في سبيل اللّه، أو مات مؤديًا لحقه، لم ينقصه شيئًُا.{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه ولما يكمله، وهو في رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجد.{ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } كما بدل غيرهم، بل لم يزالوا على العهد، لا يلوون، ولا يتغيرون، فهؤلاء، الرجال على الحقيقة، ومن عداهم، فصورهم صور رجال، وأما الصفات، فقد قصرت عن صفات الرجال.
(من المؤمنين) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ المؤخّر
(رجال) ،
(ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به
(عليه) متعلّق بـ (عاهدوا) ،
(الفاء) عاطفة
(منهم) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ من(الواو) عاطفة
(ما) نافية
(تبديلا) مفعول مطلق منصوب.
جملة: «من المؤمنين رجال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «صدقوا..» في محلّ رفع نعت لرجال.
وجملة: «عاهدوا..» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «منهم من قضى ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «قضى ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) الأول.
وجملة: «منهم من(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة منهم من(الأولى) .
وجملة: «ينتظر ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) الثاني.
وجملة: «ما بدّلوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة منهم من(الثانية) .
(24)
(اللام) للتعليلـ (يجزي) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(بصدقهم) متعلّق بـ (يجزي)والمصدر المؤوّلـ (أن يجزي) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (صدقوا) .
(الواو) عاطفة
(يعذّب) مضارع منصوب معطوف على
(يجزي) ،
(شاء) فعل ماض مبنيّ في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل هو (أو) حرف عطف
(يتوب) معطوف على
(يعذّب) منصوب،
(عليهم) متعلّق بـ (يتوب) ..
وجملة: «يجزي الله ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «يعذّب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يجزي.
وجملة: «إن شاء ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.. وجواب الشرط محذوف أي: إن شاء تعذيبهم عذّبهم بأن يميتهم على النفاق.
وجملة: «يتوب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يعذّب ...وجملة: «إن الله كان....» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «كان غفورا ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
- القرآن الكريم - الأحزاب٣٣ :٢٣
Al-Ahzab33:23