وَلَوْ تَرٰىٓ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
وَلَوۡ تَرٰٓى اِذۡ فَزِعُوۡا فَلَا فَوۡتَ وَاُخِذُوۡا مِنۡ مَّكَانٍ قَرِيۡبٍۙ
تفسير ميسر:
ولو ترى -أيها الرسول- إذ فَزِعَ الكفار حين معاينتهم عذاب الله، لرأيت أمرًا عظيمًا، فلا نجاة لهم ولا مهرب، وأُخذوا إلى النار من موضع قريب التناول.
يقول تبارك وتعالى " ولو ترى " يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة " فلا فوت " أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ " وأخذوا من مكان قريب " أى لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة.قال الحسن البصري حين خرجوا من قبورهم وقال مجاهد وعطية العوفي وقتادة من تحت أقدامهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك يعني عذابهم فى الدنيا وقال عبد الرحمن بن زيد يعني قتلهم يوم بدر والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة وهو الطامة العظمى وإن كان ما ذكر متصلا بذلك وحكى ابن جرير عن بعضهم قال إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس " رضي الله عنهم.ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية ثم لم ينبه على ذلك وهذا أمر عجيب غريب منه.
قوله تعالى ; ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب .قوله تعالى ; ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ذكر أحوال الكفار في وقت ما يضطرون فيه إلى معرفة الحق . والمعنى ; لو ترى إذا فزعوا في الدنيا عند نزول الموت أو غيره من بأس الله تعالى بهم ، روي معناه عن ابن عباس . الحسن ; هو فزعهم في القبور من الصيحة . وعنه أن ذلك الفزع إنما هو إذا خرجوا من قبورهم ; وقاله قتادة . وقال ابن مغفل ; إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة . السدي ; هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فرارا ولا رجوعا إلى التوبة . سعيد بن جبير ; هو الجيش الذي يخسف به في البيداء فيبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون ، فهذا هو فزعهم . ( فلا فوت ) فلا نجاة ; قاله ابن عباس . مجاهد ; فلا مهرب . وأخذوا من مكان قريب أي من القبور . وقيل ; من حيث كانوا ، فهم من الله قريب لا يعزبون عنه ولا يفوتونه . وقال ابن عباس ; نزلت في ثمانين ألفا يغزون في آخر الزمان الكعبة ليخربوها ، وكلما يدخلون البيداء يخسف بهم ; فهو الأخذ من مكان قريب .قلت ; وفي هذا المعنى خبر مرفوع عن حذيفة وقد ذكرناه في كتاب التذكرة ، قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب ; ( فبينا هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين ، جيشا إلى المشرق ; وجيشا إلى المدينة ، فيسير الجيش نحو المشرق حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة - يعني مدينة بغداد - قال ; فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفتضون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من ولد العباس ، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ويحل جيشه الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل عليه السلام فيقول يا جبريل اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم ، وذلك قوله تعالى ; [ ص; 283 ] ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة ، ولذلك جاء القول ; وعند جهينة الخبر اليقين . وقيل ; أخذوا من مكان قريب أي قبضت أرواحهم في أماكنها فلم يمكنهم الفرار من الموت ) . وهذا على قول من يقول ; هذا الفزع عند النزع . ويحتمل أن يكون هذا من الفزع الذي هو بمعنى الإجابة ; يقال ; فزع الرجل أي أجاب الصارخ الذي يستغيث به إذا نزل به خوف . ومنه الخبر إذ قال للأنصار ; ( إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع ) . ومن قال ; أراد الخسف أو القتل في الدنيا كيوم بدر قال ; أخذوا في الدنيا قبل أن يؤخذوا في الآخرة . ومن قال ; هو فزع يوم القيامة قال ; أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها . وقيل ; أخذوا من مكان قريب من جهنم فألقوا فيها .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; ولو ترى يا محمد إذ فزعوا.واختلف أهل التأويل في المعنيين بهذه الآية؛ فقال بعضهم; عُنِي بها هؤلاء المشركون الذين وصفهم تعالى ذكره بقوله وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ قال; وعُنِي بقوله ( إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ) عند نـزول نقمة الله بهم في الدنيا.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ...) الى آخر الآية، قال; هذا من عذاب الدنيا.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله (وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) قال; هذا عذاب الدنيا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله (وَلَوْ تَرَى إِذْ فُزِعُوا فَلا فَوْتَ ...) إلى آخر السورة، قال; هؤلاء قتلى المشركين من أهل بدر، نـزلت فيهم هذه الآية، قال; وهم الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم، أهل بدر من المشركين.&; 20-422 &; وقال آخرون; عنى بذلك جيش يخسف بهم ببيداء من الأرض.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد قال; ثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد في قوله ( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) قال; هم الجيش الذي يخسف بهم بالبيداء، يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه.حدثنا عصام بن روَّاد بن الجراح قال; ثنا أَبي قال; ثنا سفيان بن سعيد قال; ثني منصور بن المعتمرِ عن رِبْعيِّ بن حِراش قال; سمعت حذيفة بن اليمان يقول; قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال; فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك، حتى ينـزل دمشق، فيبعث جيشين؛ جيشًا إلى المشرق، وجيشًا إلى المدينة، حتى ينـزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشأم، فتخرج راية هذا من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ، ويخلي جيشه التالي بالمدينة، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث الله جبريل، فيقول; يا جبرائيل اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، فذلك قوله في سورة سبأ (وَلَوْ تَرَى إِذْ فُزِعُوا فَلا فَوْتَ ...) الآية، ولا ينفلت منهم إلا رجلان؛ أحدهما بشير والآخر نذير، وهما من جهينة، فلذلك جاء القول;... ... ... ... ... ...وَعِنْــدَ جُهَينَــةَ الْخَــبَرُ اليَقِيــنُ (1)حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال; سألت رواد بن الجراح، عن الحديث الذي حدث به عنه، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعى عن حذيفة، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، عن قصة ذكرها في الفتن، قال; فقلت له; أخبرني عن هذا الحديث سمعته من سفيان الثوري؟ قال; لا قلت; فقرأته عليه؟ قال; لا قلت; فقرئ عليه وأنت حاضر؟ قال; لا قلت; فما قصته فما خبره؟ قال; جاءني قوم فقالوا; معنا حديث عجيب، أو كلام هذا معناه، نقرؤه وتسمعه، قلت لهم; هاتوه، فقرءوه عليَّ ، ثم ذهبوا فحدثوا به عني، أو كلام هذا معناه.قال أَبو جعفر; وقد حدثني ببعض هذا الحديث محمد بن خلف، قال; ثنا عبد العزيز بن أبان، عن سفيان الثوري، عن منصور عن ربعى عن حذيفة عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، حديثا طويلا قال; رأيته في كتاب الحسين بن علي الصدائي، عن شيخ عن رواد عن سفيان بطوله.وقال آخرون; بل عني بذلك المشركون إذا فزعوا عند خروجهم من قبورهم.* ذكر من قال ذلك;حدثني بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة عن الحسن قوله &; 20-424 &; (وَلَوْ تَرَى إِذْ فُزِعُوا) قال; فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم.وقال قتادة; ( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ) حين عاينوا عذاب الله.حدثنا ابن حميد قال; ثنا جرير عن عطاء عن ابن معقل ( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) قال; أفزعهم يوم القيامة فلم يفوتوا.والذي هو أولى بالصواب في تأويل ذلك، وأشبه بما دل عليه ظاهر التنـزيل قول من قال; وعيد الله المشركين الذين كذبوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من قومه، لأن الآيات قبل هذه الآية جاءت بالإخبار عنهم وعن أسبابهم، وبوعيد الله إياهم مغبته، وهذه الآية في سياق تلك الآيات، فلأن يكون ذلك خبرًا عن حالهم أشبه منه بأن يكون خبرًا لما لم يجر له ذكر. وإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام; ولو ترى يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، فتعاينهم حين فزعوا من معاينتهم عذاب الله (فَلا فَوتَ) يقول; فلا سبيل حينئذٍ أن يفوتوا بأنفسهم، أو يعجزونا هربًا، وينجوا من عذابنا.كما حدثني علي قال; ثنا أَبو صالح قال; ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) يقول; فلا نجاة.حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال; ثنا مروان عن جويبر عن الضحاك في قوله ( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ) قال; لا هرب.وقوله (وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) يقول; وأخذهم الله بعذابه من موضع قريب، لأنهم حيث كانوا من الله قريب لا يبعدون عنه.
يقول تعالى { وَلَوْ تَرَى } أيها الرسول, ومن قام مقامك, حال هؤلاء المكذبين، { إِذْ فَزِعُوا } حين رأوا العذاب, وما أخبرتهم به الرسل, وما كذبوا به, لرأيت أمرا هائلا, ومنظرا مفظعا, وحالة منكرة, وشدة شديدة, وذلك حين يحق عليهم العذاب.فليس لهم عنه مهرب ولا فوت { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي: ليس بعيدا عن محل العذاب, بل يؤخذون, ثم يقذفون في النار.
(الواو) استئنافيّة
(لو) حرف شرط غير جازم
(إذ) ظرف أستعير للمستقبل متعلّق بـ (ترى) ، ومفعول ترى محذوف تقديره حالهم
(الفاء) تعليليّة
(لا) نافية للجنس
(فوت) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب، والخبر محذوف أي لا فوت لهم
(الواو) عاطفة
(من مكان) متعلّق بـ (أخذوا ... ) .
جملة: «ترى ... » لا محلّ لها استئنافيّة.. وجواب الشرط محذوف تقديره لرأيت أمرا عظيما..
وجملة: «فزعوا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «لا فوت
(لهم) ..» لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «أخذوا ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة فزعوا.
(52)
(به) متعلّق بـ (آمنّا) ،
(الواو) اعتراضيّة
(أنّى) اسم استفهام في محلّ نصب على الظرفية- وفيه معنى كيف- متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ التناوش
(لهم) متعلّق بحال من التناوش، والعامل فيها الاستقرار.
وجملة: «قالوا ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة فزعوا..
وجملة: «آمنّا به ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أنّى لهم التناوش ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.(53)
(الواو) حاليّة
(قد) حرف تحقيق
(به) متعلّق بـ (كفروا) ،
(قبل) اسم ظرفيّ مبنيّ على الضّمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (كفروا) ،
(الواو) عاطفة
(بالغيب) متعلّق بـ (يقذفون) بتضمينه معنى يرجمون أو يرمون
(من مكان) متعلّق بـ (يقذفون) .
وجملة: «كفروا ... » في محلّ نصب حال من الضمير في(به) أو من الفاعل في(قالوا) .
وجملة: «يقذفون ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة كفروا..
(54)
(الواو) عاطفة في الموضعين، ونائب الفاعل لفعلـ (حيل) ضمير مستتر يعود على مصدر الفعل أي حيل الحولـ (بينهم) ظرف منصوب متعلّق بـ (حيل) ،
(بين) الثاني معطوف على الأولـ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ مضاف إليه،
(ما) الثاني كذلك
(بأشياعهم) متعلّق بـ (فعل) ،
(كما) متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله حيل أي حيل حولا كالذي فعلناه بأشياعهم
(من قبل) مثل الأول، متعلّق بنعت لأشياعهم ،
(في شكّ) متعلّق بخبر كانوا ...وجملة: «حيل بينهم ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة فزعوا..
وجملة: «يشتهون..» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأول.
وجملة: «فعل ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني.
وجملة: «إنّهم كانوا ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «كانوا في شكّ..» في محلّ رفع خبر إنّ.