الرسم العثمانيوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُۥٓ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ
الـرسـم الإمـلائـيوَاِذَا قِيۡلَ لَهُمۡ اَنۡفِقُوۡا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ ۙ قَالَ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا لِلَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡۤا اَنُطۡعِمُ مَنۡ لَّوۡ يَشَآءُ اللّٰهُ اَطۡعَمَهٗٓ ۖ اِنۡ اَنۡـتُمۡ اِلَّا فِىۡ ضَلٰلٍ مُّبِيۡنٍ
تفسير ميسر:
وإذا قيل للكافرين; أنفقوا من الرزق الذي مَنَّ به الله عليكم، قالوا للمؤمنين مُحْتجِّين; أنطعم من لو شاء الله أطعمه؟ ما أنتم -أيها المؤمنون- إلا في بُعْدٍ واضح عن الحق، إذ تأمروننا بذلك.
وقوله عز وجل "وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله" أي وإذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين "قال الذين كفروا للذين آمنوا" أي عن الذين آمنوا من الفقراء أي قالوا لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به "أنطعم من لو يشاء الله أطعمه" أي وهؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه فنحن نوافق مشيئة الله تعالى فيهم "إن أنتم إلا في ضلال مبين" أي في أمركم لنا بذلك قال ابن جرير ويحتمل أن يكون من قول الله عز وجل للكفار حين ناظروا المومنين وردوا عليهم فقال لهم "إن أنتم إلا في ضلال مبين" وفي هذا نظر والله أعلم.
قوله تعالى ; وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله أي ; تصدقوا على الفقراء . قال الحسن ; يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وقيل ; هم المشركون ، قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله ; وذلك قوله ; وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فحرموهم وقالوا ; لو شاء الله أطعمكم - استهزاء - فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا .قوله تعالى ; " أنطعم " أي أنرزق من لو يشاء الله أطعمه كان بلغهم من قول المسلمين ; أن الرازق هو الله . فقالوا هزءا ; أنرزق من لو يشاء الله أغناه . وعن ابن عباس ; كان بمكة زنادقة ، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا ; لا والله! أيفقره الله ونطعمه نحن . وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون ; لو شاء الله لأغنى فلانا ; ولو شاء الله لأعز ، ولو شاء الله لكان كذا . فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين ، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى . وقيل ; قالوا هذا تعلقا بقول المؤمنين لهم ; أنفقوا مما رزقكم الله أي ; فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم ، فلم تلتمسون الرزق منا ؟ وكان هذا الاحتجاج باطلا ; لأن الله تعالى إذا ملك عبدا مالا ثم أوجب عليه فيه حقا فكأنه انتزع ذلك القدر منه ، فلا معنى للاعتراض . وقد صدقوا في قولهم ; لو شاء الله أطعمهم ، ولكن كذبوا في الاحتجاج . ومثله قوله ; سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا وقوله ; قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبونإن أنتم إلا في ضلال مبين قيل ; هو من قول الكفار للمؤمنين ; أي ; في سؤال المال وفي اتباعكم محمدا . قال معناه مقاتل وغيره . وقيل ; هو من قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص; 36 ] لهم . وقيل ; من قول الله تعالى للكفار حين ردوا بهذا الجواب . وقيل ; إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه - كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال ; يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال ; نعم . قال ; فما باله لم يطعمهم ؟ قال ; ابتلى قوما بالفقر ، وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء . فقال ; والله يا أبا بكر ما أنت إلا في ضلال ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى ; فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى الآيات . وقيل ; نزلت الآية في قوم من الزنادقة ، وقد كان فيهم أقوام يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع ، واستهزءوا بالمسلمين بهذا القول ; ذكره القشيري والماوردي .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)يقول تعالى ذكره; وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله; أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم، قال الذين أنكروا وحدانية الله، وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله; أنطعم أموالنا وطعامنا مَنْ لو يشاء الله أطعمه.وفي قوله ( إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) وجهان; أحدهما أن يكون من قيل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ; ما أنتم أيها القومُ في قيلكم لنا; أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم، إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد مُبين لمن تأمله وتدبره، أنه في ضلال ، وهذا أولى وجهيه بتأويله. والوجه الآخر; أن يكون ذلك من قيل الله للمشركين، فيكون تأويله حينئذ; ما أنتم أيها الكافرون في قيلكم للمؤمنين; أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إلا في ضلال مبين، عن أن قيلكم ذلك لهم ضلال.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ } أي: من الرزق الذي منَّ به اللّه عليكم، ولو شاء لسلبكم إياه، { قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا } معارضين للحق، محتجين بالمشيئة: { أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ } أيها المؤمنون { إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } حيث تأمروننا بذلك.وهذا مما يدل على جهلهم العظيم، أو تجاهلهم الوخيم، فإن المشيئة، ليست حجة لعاص أبدا، فإنه وإن كان ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، فإنه تعالى مكَّن العباد، وأعطاهم من القوة ما يقدرون على فعل الأمر واجتناب النهي، فإذا تركوا ما أمروا به، كان ذلك اختيارا منهم، لا جبرا لهم ولا قهرا.
(الواو) عاطفة
(إذا قيل لهم أنفقوا) مثل إذا قيل لهم اتّقوا ،
(ممّا) متعلّق بـ (أنفقوا) ،
(للذين) متعلّق بـ (قال) ،
(الهمزة) للاستفهام
(من) موصول مفعول به
(لو) حرف شرط غير جازم
(إن) حرف نفي(إلّا) للحصر
(في ضلال) متعلّق بمحذوف خبر أنتم..
جملة: الشرط وفعله وجوابه ... لا محلّ لها معطوفة على جملة الشرط السابقة .
وجملة: «قيل ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «أنفقوا ... » في محلّ رفع نائب الفاعل .
وجملة: «رزقكم الله ... » لا محلّ لها صلة الموصول الاسميّ أو الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «قال الذين ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين)
(الثاني) .
وجملة: «أنطعم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «لو يشاء الله ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «أطعمه ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم
(لو) .
وجملة: «إن أنتم إلّا في ضلال ... » لا محلّ لها استئنافيّة، يحتمل أن تكون من كلام المشركين أو من كلام المؤمنين أو هو قول الله للمشركين حين ردّوا بهذا الجواب.
- القرآن الكريم - يس٣٦ :٤٧
Yasin36:47