أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتٰبِ يَشْتَرُونَ الضَّلٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ
اَلَمۡ تَرَ اِلَى الَّذِيۡنَ اُوۡتُوۡا نَصِيۡبًا مِّنَ الۡكِتٰبِ يَشۡتَرُوۡنَ الضَّلٰلَةَ وَيُرِيۡدُوۡنَ اَنۡ تَضِلُّوا السَّبِيۡلَ
تفسير ميسر:
ألم تعلم -أيها الرسول- أمر اليهود الذين أُعطوا حظًّا من العلم مما جاءهم من التوراة، يستبدلون الضلالة بالهدى، ويتركون ما لديهم من الحجج والبراهين، الدالة على صدق رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويتمنون لكم -أيها المؤمنون المهتدون- أن تنحرفوا عن الطريق المستقيم؛ لتكونوا ضالين مثلهم.
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة أنهم يشترون الضلالة بالهدي ويعرضون عما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ليشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا "ويريدون أن تضلوا السبيل" أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع.
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيلقوله تعالى ; ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله تعالى ; فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه الآية .نزلت في يهود المدينة وما والاها . قال ابن إسحاق ; وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود ، إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال ; أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ؛ ثم طعن في الإسلام وعابه فأنزل الله عز وجل ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله قليلا . ومعنى يشترون يستبدلون فهو في موضع نصب على الحال ، وفي الكلام حذف تقديره يشترون الضلالة بالهدى ؛ كما قال تعالى ; أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى [ ص; 209 ] قاله القتبي وغيره .ويريدون أن تضلوا السبيل عطف عليه ، والمعنى تضلوا طريق الحق . وقرأ الحسن ; " تضلوا " بفتح الضاد أي عن السبيل .
القول في تأويل قوله ; أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِقال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في معنى قوله جل ثناؤه; " ألم تر إلى الذين ". فقال قوم; معناه; ألم تخبر؟* * *وقال آخرون; معناه ألم تعلم؟ (151)* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك; ألم تر بقلبك، يا محمد، علمًا (152) " إلى الذين أوتوا نصيبًا ". وذلك أن " الخبر " و " العلم " لا يجليان رؤية، ولكنه رؤية القلب بالعلم. فذلك كما قلنا فيه. (153)* * *وأما تأويل قوله; " إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب "، فإنه يعني; إلى الذين أعطوا حظَّا من كتاب الله فعلموه (154)وذكر أن الله عنى بذلك طائفة من اليهود الذين كانوا حوالَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم.*ذكر من قال ذلك;9687 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل "، فهم أعداء الله اليهود، اشتروا الضلالة.9688 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة; " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب " إلى قوله; يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، قال; نـزلت في رفاعة بن زيد بن السائب اليهودي. (155)9689 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق &; 8-428 &; قال، (156) حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال; كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم - يعني من عظماء اليهود = إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال; " راعنا سمعَك، يا محمد حتى نفهمك "! ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنـزل الله; " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة " إلى قوله; فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (157)9690 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، (158) بإسناده، عن ابن عباس، مثله.* * *القول في تأويل قوله ; يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) ، اليهود الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، يختارون الضلالة = وذلك; الأخذ على غير طريق الحقّ، وركوبُ غير سبيل الرشد والصواب، مع العلم منهم بقصد السبيل ومنهج الحق. (159) وإنما عنى الله بوصفهم باشترائهم الضلالة; مقامهم على التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتركهم الإيمان به، وهم عالمون أنّ السبيل الحقَّ الإيمانُ به، &; 8-429 &; وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم.* * *وأما قوله; ( وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) ، يعني بذلك تعالى ذكره; ويريد هؤلاء اليهود الذين وصَفهم جل ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبًا من الكتاب = (أَنْ تَضِلُّوا) أنتم، يا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، المصدقين به = ( أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ) ، يقول; أن تزولوا عن قصد الطريق ومَحَجَّة الحق، فتكذبوا بمحمد، وتكونوا ضلالا مثلهم.وهذا من الله تعالى ذكره تحذيرٌ منه عبادَه المؤمنين، أن يستنصحوا أحدًا من أعداء الإسلام في شيء من أمر دينهم، أو أن يسمعوا شيئًا من طعنهم في الحق.* * *---------------الهوامش ;(151) انظر تفسير"ألم تر" فيما سلف 3; 160 / 5; 429 ، 430 / 6; 288 = ومعاني القرآن للفراء 1; 270.(152) في المخطوطة; "ألم تر بعلمك" ، وهو خطأ ، صوابه ما في المبطوعة.(153) في المطبوعة والمخطوطة; "لذلك" ، وصواب السياق ما أثبت.(154) انظر تفسير"الإيتاء" في فهارس اللغة = وتفسير"النصيب" فيما سلف 4; 206 / 6; 288 / 8; 274.(155) هكذا في المخطوطة أيضًا"رفاعة بن زيد بن السائب" ، وسترى أنه; "... بن زيد بن التابوت" في الأثر التالي ، وأسماء يهود مشكلة ، فلم أستطع أن أقطع بخطئها ، فلعل"السائب" اسم جده ، ولقبه"التابوت".(156) كان في المطبوعة والمخطوطة; "عن أبي إسحاق" ، وهو خطأ فاحش.(157) الأثر; 9689 - سيرة ابن هشام 2; 209 ، وهو تال للأثر السالف رقم; 9501.(158) في المطبوعة وحدها; "عن أبي إسحاق" ، والمخطوطة صواب هنا.(159) انظر تفسير"الاشتراء" فيما سلف 1; 312-315 / 2; 340-342 ، 455 / 3; 328 / 6; 527 = وتفسير"الضلالة" 1; 195 ، 313 / 2; 495 ، 496 / 6; 66 ، 500 ، 584 / 7; 369.
هذا ذم لمن { أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ } وفي ضمنه تحذير عباده عن الاغترار بهم، والوقوع في أشراكهم، فأخبر أنهم في أنفسهم { يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ } أي: يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه. فيؤثرون الضلال على الهدى، والكفر على الإيمان، والشقاء على السعادة، ومع هذا { يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ } . فهم حريصون على إضلالكم غاية الحرص، باذلون جهدهم في ذلك .ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم، بيَّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال، ولهذا قال: { وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا } أي: يتولى أحوال عباده ويلطف بهم في جميع أمورهم، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم. { وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا } ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم. فولايته تعالى فيها حصول الخير، ونصره فيه زوال الشر.
(الهمزة) للاستفهام
(لم) حرف نفي وجزم وقلبـ (تر) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(إلى) حرف جر
(الذين) اسم موصول مبني في محل جر متعلق بـ (تر) بتضمينه معنى تنظر
(أوتوا) فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم ... والواو نائب فاعلـ (نصيبا) مفعول به منصوبـ (من الكتاب) جار ومجرور متعلق بنعت لنصيبـ (يشترون) مضارع مرفوع والواو فاعلـ (الضلالة) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(يريدون) مثل يشترون
(أن) حرف مصدري ونصبـ (تضلوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعلـ (السبيل) مفعول به منصوب.
(الواو) استئنافية
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(أعلم) خبر مرفوع
(بأعداء) جار ومجرور متعلق بـ (أعلم) و (كم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(كفى) فعل ماض مبني على الفتح المقدر
(الباء) زائدة
(الله) لفظ الجلالة مجرور لفظا مرفوع محلّا فاعل كفى
(وليا) تمييز منصوب- أو حال.
(الواو) عاطفة
(كفى بالله نصيرا) مثل المتقدمة.
جملة «لم تر إلى ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «أوتوا ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «يشترون ... » في محل نصب حال من نائب الفاعل.
وجملة «يشترون ... » في محل نصب حال من نائب الفاعل، وهي على رأي ابن هشام تفسير لمقدّر عطفت عليها جملة يريدون فالمعنى:
ألم تر إلى قصة الذين أوتوا.
وجملة «يريدون ... » في محل نصب معطوفة على جملة يشترون.
وجملة «تضلوا ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «الله أعلم ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «كفى بالله وليا» لا محل لها معطوفة على الاستئنافية الأخيرة.
وجملة «كفى بالله نصيرا» لا محل لها معطوفة على جملة كفى السابقة .