القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك, والحجرات; جمع حجرة, والثلاث; حُجَر, ثم تجمع الحجر فيقال; حجرات وحُجْرات, وقد تجمع بعض العرب الحجر; حجَرات بفتح الجيم, وكذلك كلّ جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فُعَلٍ يجمعونه على فعَلات بفتح ثانيه, والرفع أفصح وأجود; ومنه قول الشاعر;أمــا كــانَ عَبَّــادٌ كَفِيئـا لِـدَارِمبَــلى, وَلأبْيــاتٍ بِهـا الحُجُـرَات (5)يقول; بلى ولبني هاشم.وذُكر أن هذه الآية والتي بعدها نـزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من وراء حجراته; يا محمد اخرج إلينا.* ذكر الرواية بذلك;حدثنا أبو عمار المروزي, والحسن بن الحارث, قالا ثنا الفضل بن موسى, عن الحسين بن واقد, عن أبي إسحاق, عن البرّاء في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) قال; جاء رجل إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال; يا محمد إنّ حمدي زين, وإن ذمِّي شين, فقال; " ذَاكَ اللّهُ تَباركَ وتَعَالى ".حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا يحيى بن واضح, قال; ثنا الحسين, عن أبي إسحاق, عن البراء بمثله, إلا أنه قال; ذاكم الله عزّ وجلّ.حدثنا الحسن بن عرفة, قال; ثنا المعتمر بن سليمان التيمي, قال; سمعت داود الطُّفاوي يقول; سمعت أبا مسلم البجلي يحدث عن زيد بن أرقم, قال; جاء أناس من العرب إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال بعضهم لبعض; انطلقوا بنا إلى هذا الرجل, فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به, وإن يكن ملِكا نعش في جناحه; قال; فأتيت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأخبرته بذلك, قال; ثم جاءوا إلى حجر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فجعلوا ينادونه. يا محمد, فأنـزل الله على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) قال; فأخذ نبيّ الله بأذني فمدّها, فجعل يقول; " قَدْ صَدَّقَ اللّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ, قَدْ صَدَّقَ اللّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ".حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي, قال; ثنا عفان, قال; ثنا وُهَيب, قال; ثنا موسى بن عقبة, عن أبي سَلَمة, قال; ثني الأقرع بن حابس التميميّ أنه أتى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فناداه, فقال; يا محمد إن مدحي زين, وإن شتمي شين; فخرج إليه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال; وَيْلَكَ ذَلِكَ اللّهُ، فأنـزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ )... الآية.حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) ; أعراب بني تميم.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة " أن رجلا جاء إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فناداه من وراء الحُجَر, فقال; يا محمد إنّ مدحي زين, وإنّ شتمي شَيْن; فخرج إليه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال; وَيْلَكَ ذلكَ اللّهُ، فأنـزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ).حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ )... الآية, ذُكر لنا أن رجلا جعل ينادي يا نبيّ الله يا محمد, فخرج إليه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال; ما شأنُكَ ؟ فقال; والله إنّ حمده لزين, وإنّ ذمَّه لَشَيْن, فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; ذَاكُمُ اللّهُ , فأدبر الرجل, وذُكر لنا أن الرجل كان شاعرا.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن حبيب بن أبي عمرة, قال; كان بشر بن غالب ولَبيد بن عُطارد, أو بشر بن عُطارد ولبيد بن غالب, وهما عند الحجاج جالسان, يقول بشر بن غالب للبيد بن عطارد نـزلت في قومك بني تميم ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) فذكرت ذلك لسعيد بن جُبير, فقال; أما إنه لو علم بآخر الآية, أجابه يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قالوا; أسلمنا, ولم يقاتلك بنو أسد.حدثنا ابن حُمَيد, قال; ثنا مهران, عن المبارك بن فضالة, عن الحسن, قال; " أتى أعرابيّ إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من وراء حجراته, فقال; يا محمد, يا محمد; فخرج إليه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال; مالك ؟ مالك؟, فقال; تعلم إنّ مدحي لزين, وإن ذمِّي لشين, فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; ذَاكُمُ اللّهُ, فنـزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) فقرأته قرّاء الأمصار بضمّ الحاء والجيم من الحُجُرات, سوى أبي جعفر القارئ, فإنه قرأ بضم الحاء وفتح الجيم على ما وصفت من جمع الحُجرة حُجَر, ثم جمع الحُجْر; حُجُرات ".والصواب من القراءة عندنا الضم في الحرفين كليهما لما وصفت قبل.وقوله ( أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) يقول; أكثرهم جهال بدين الله, واللازم لهم من حقك وتعظيمك.------------------------الهوامش;(5) في كتاب الكامل للمبرد ( طبعة الحلبي 85 ) ; يقال ; فلان كفاء فلان ، وكفيء فلان ، وكفء فلان ؛ أي ; عديله. ويروى أن الفرزدق بلغه أن رجلا من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، فقال الفرزدق ;بَنُــو دَارِمٍ أكْفــاؤُهُمْ آلُ مِسْــمَعٍوتنكــح فــي أكفائهـا الحَبِطـاتُ( آل مسمع بيت بكر بن وائل في الإسلام ، وهم من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة ) قال ; فقال رجل من الحبطات ; " أما كان عباد كفيئا ... " البيت . يعني بني هاشم ( يريد أبيات بني هاشم ) من قول الله عز وجل ; " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات " . والشاهد في البيت قوله " الحجرات " بضم الحاء والجيم ، وهي جمع حجرة ، وتجمع الحجرة وما شابهها على حجرات بضمتين ، وبضم ففتح ، وبضم فسكون . ويرى المؤلف أن الجمع الأول أفصح وأجود . أ هـ .