وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
وَمِنۡ كُلِّ شَىۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُوۡنَ
تفسير ميسر:
ومن كل شيء من أجناس الموجودات خلقنا نوعين مختلفين؛ لكي تتذكروا قدرة الله، وتعتبروا.
"ومن كل شيء خلقنا زوجين" أي جميع المخلوقات أزواج سماء وأرض وليل ونهار وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام وإيمان وكفر وموت وحياة وشقاء وسعادة وجنة ونار حتى الحيوانات والنباتات ولهذا قال تعالى "لعلكم تذكرون" أي لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له.
قوله تعالى ; ومن كل شيء خلقنا زوجين أي صنفين ونوعين مختلفين . قال ابن زيد ; أي ذكرا وأنثى وحلوا وحامضا ونحو ذلك . مجاهد . يعني الذكر والأنثى ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والنور والظلام ، والسهل والجبل ، والجن [ ص; 50 ] والإنس ، والخير والشر ، والبكرة والعشي ، وكالأشياء المختلفة الألوان من الطعوم والأراييح والأصوات . أي جعلنا هذا كهذا دلالة على قدرتنا ، ومن قدر على هذا فليقدر على الإعادة . وقيل ; ومن كل شيء خلقنا زوجين لتعلموا أن خالق الأزواج فرد ، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون ، ولا ضياء ولا ظلام ، ولا قعود ولا قيام ، ولا ابتداء ولا انتهاء ; إذ هو عز وجل وتر ليس كمثله شيء لعلكم تذكرون .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)يقول تعالى ذكره; وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين, وترك ( خَلَقْنا ) الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها.واختلف في معنى ( خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) فقال بعضهم; عنى به; ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة, ونحو ذلك.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال; ثنا ابن علية, قال; ثنا ابن جريج, قال; قال مجاهد, في قوله ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) قال; الكفر والإيمان, والشقاوة والسعادة, والهدى والضلالة, والليل والنهار, والسماء والأرض, والإنس والجنّ.حدثنا ابن بشار, قال; ثنا إبراهيم بن أبي الوزير, قال; ثنا مروان بن معاوية الفزاريُّ, قال; ثنا عوف, عن الحسن, في قوله ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) قال; الشمس والقمر.وقال آخرون; عنى بالزوجين; الذكر والأنثى.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) قال; ذكرًا وأنثى, ذاك الزوجان, وقرأ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ . قال; امرأته.وأولى القولين في ذلك قول مجاهد, وهو أن الله تبارك وتعالى, خلق لكلّ ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه, فكلّ واحد منهما زوج للآخر, ولذلك قيل; خلقنا زوجين. وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك من قوله على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء, وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه, إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين, ولا تصلح للتبريد, وكالثلج الذي شأنه التبريد, ولا يصلح للتسخين, فلا يجوز أن يوصف بالكمال, وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة.وقوله ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) يقول; لتذكروا وتعتبروا بذلك, فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه, وابتداع زوجين من كلّ شيء لا ما لا يقدر على ذلك.
{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [أي: صنفين]، ذكر وأنثى، من كل نوع من أنواع الحيوانات، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [لنعم الله التي أنعم بها عليكم] في تقدير ذلك، وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها، لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها، فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع.
«ومن كل شيء» متعلق بقوله: خلقنا «خلقنا زوجين» صنفين كالذكر والأنثى والسماء والأرض، والشمس والقمر، والسهل والجبل، والصيف والشتاء، والحلو والحامض والنور والظلمة «لعلكم تذكَّرون» بحذف إحدى التاءين من الأصل فتعلمون أن خالق الأزواج فرد فتعبدوه.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
الصرف لهذه الآية غير متوفّر