أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيْبَ الْمَنُونِ
اَمۡ يَقُوۡلُوۡنَ شَاعِرٌ نَّتَـرَبَّصُ بِهٖ رَيۡبَ الۡمَنُوۡنِ
تفسير ميسر:
أم يقول المشركون لك -أيها الرسول-; هو شاعر ننتظر به نزول الموت؟ قل لهم; انتظروا موتي فإني معكم من المنتظرين بكم العذاب، وسترون لمن تكون العاقبة.
ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول صلى الله عليه وسلم "أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون" أي قوارع الدهر والمنون الموت يقولون ننتظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه.
قوله تعالى ; أم يقولون شاعر أي بل يقولون ; محمد شاعر . قال سيبويه ; خوطب العباد بما جرى في كلامهم . قال أبو جعفر النحاس ; وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبين ولا مشروح ; يريد سيبويه أن " أم " في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث ; كما قال [ الأعشى ] ; [ ص; 67 ]أتهجر غانية أم تلمفتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال ;أم الحبل واه بها منجذمفما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث ، والنحويون يمثلونها ب " بل " .نتربص به ريب المنون قال قتادة ; قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان . قال الضحاك ; هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر ; أي يهلك عن قريب كما هلك من قبل من الشعراء ، وأن أباه مات شابا فربما يموت كما مات أبوه . وقال الأخفش ; نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر ، كما تقول ; قصدت زيدا وقصدت إلى زيد . والمنون ; الموت في قول ابن عباس .قال أبو الغول الطهوي ;هم منعوا حمى الوقبى بضرب يؤلف بين أشتات المنونأي ; المنايا ; يقول ; إن الضرب يجمع بين قوم متفرقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم لأتتهم متفرقة ، فاجتمعوا في موضع واحد فأتتهم المنايا مجتمعة . وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس ; ريب في القرآن شك إلا مكانا واحدا في الطور ريب المنون يعني حوادث الأمور ; وقال الشاعر ;تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلهاوقال مجاهد ; ريب المنون حوادث الدهر ، والمنون هو الدهر ; قال أبو ذؤيب ;أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزعوقال الأعشى ;أأن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبلقال الأصمعي ; المنون الليل والنهار ; وسميا بذلك لأنهما ينقصان الأعمار ويقطعان الآجال . وعنه ; أنه قيل للدهر منون ، لأنه يذهب بمنة الحيوان أي قوته وكذلك المنية . أبو عبيدة ; قيل للدهر منون ; لأنه مضعف ، من قولهم حبل منين أي ضعيف ، والمنين الغبار الضعيف . قال الفراء ; والمنون مؤنثة وتكون واحدا وجمعا . الأصمعي ; المنون واحد لا جماعة له . الأخفش ; هو جماعة لا واحد له ، والمنون يذكر ويؤنث ; فمن ذكره جعله الدهر أو الموت ، ومن أنثه فعلى الحمل على المعنى كأنه أراد المنية .
وقوله; ( أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) يقول جلّ ثناؤه; بل يقول المشركون يا محمد لك; هو شاعر نتربص به حوادث الدهر, يكفيناه بموت أو حادثة متلفة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه, فقال بعضهم فيه كالذي قلنا. وقال بعضهم; هو الموت.ذكر من قال; عنى بقوله; ( رَيْبَ الْمَنُونِ ) ; حوادث الدهر;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله; ( رَيْبَ الْمَنُونِ ) قال; حوادث الدهر.حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, قال; قال مجاهد ( رَيْبَ الْمَنُونِ ) حوادث الدهر.ذكر من قال; عنى به الموت; حدثني عليّ, قال; ثنا أبو صالح, قال; ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله; ( رَيْبَ الْمَنُونِ ) يقول; الموت.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله; ( نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) قال; يتربصون به الموت.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) قال; قال ذلك قائلون من الناس; تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه, كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله; ( رَيْبَ الْمَنُونِ ) قال; هو الموت, نتربص به الموت, كما مات شاعر بني فلان, وشاعر بني فلان.وحدثني سعيد بن يحيى الأموي, قال; ثني أبي, قال; ثنا محمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم; احبسوه في وثاق, ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة, إنما هو كأحدهم, فأنـزل الله في ذلك من قولهم; ( أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) .حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله; ( نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) الموت, وقال الشاعر;تَـرَبَّصْ بِهـا رَيْـبَ المَنُـونِ لَعَلَّهَـاسَــيَهْلِكُ عَنْهــا بَعْلهـا أو " تُسَرَّحُ" (5)وقال آخرون; معنى ذلك; ريب الدنيا, وقالوا; المنون; الموت.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن أبي سنان ( رَيْبَ الْمَنُونِ ) قال; ريب الدنيا, والمنون; الموت.------------------------الهوامش;(5) وضعنا كلمة " تسرح " في قافية البيت في مكان " شحيح " التي جاءت في الأصل خطأ ، فاختل بها معنى البيت ووزنه . على أن رواية الشطر الثاني كله في اللسان ; ربص . وفي تفسير الشوكاني ( 5 ; 96 ) وفي البحر المحيط لأبي حيان ( 8 ; 151 ) والقرطبي ( 17 ; 72 ) مختلفة عن رواية المؤلف . وهو ;* تطلـق يومـا أو يمـوت حليلهـا *والسراح والتسريح ; هو الطلاق ، وفي التنزيل ; " فسرحوهن سراحا جميلا " . ومعنى التربص ; الانتظار . وتربص به ; انتظر به خيرا أو شرا . وتربص به الشيء ; كذلك . وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 314 ) " نتربص به ريب المنون " ; أوجاع الدهر ، فيشغل عنكم ، ويتفرق أصحابه ؛ أو عمر آبائه ، فإنا قد عرفنا أعمارهم أ . هـ .
وتارة { يَقُولُونَ } فيه: إنه { شَاعِرٌ } يقول الشعر، والذي جاء به شعر،والله يقول: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } { نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } أي: ننتظر به الموت فسيبطل أمره، [ونستريح منه].
(أم) منقطعة بمعنى بل والهمزة وهي للاستفهام التوبيخيّ ،(شاعر) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو (به) متعلّق بـ (نتربّص) جملة: «يقولون ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «
(هو) شاعر ... » في محلّ نصب مقول القول وجملة: «نتربّص ... » في محلّ رفع نعت لشاعر