أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرٰى
اَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِّزۡرَ اُخۡرٰىۙ
تفسير ميسر:
أنه لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها، ووزرها لا يحمله عنها أحد، وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه.
ألا تزر وازرة وزر أخرىأي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال " وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" .
كما قال ألا تزر وازرة وزر أخرى وخص صحف إبراهيم وموسى بالذكر ; لأنه كان ما بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة أخيه وابنه وأبيه ; قاله الهذيل بن شرحبيل . وأن هذه المخففة من الثقيلة وموضعها جر بدلا من ( ما ) أو يكون في موضع رفع على إضمار " هو " . وقرأ سعيد بن جبير وقتادة " وفى " خفيفة ومعناها صدق في قوله وعمله ، وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة " وفى " بالتشديد أي قام بجميع ما فرض عليه فلم يخرم منه شيئا . وقد مضى في ( البقرة ) عند قوله تعالى ; وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن والتوفية الإتمام . وقال أبو بكر الوراق ; قام بشرط ما ادعى ; وذلك أن الله تعالى قال له ; أسلم قال أسلمت لرب العالمين فطالبه الله بصحة دعواه ، فابتلاه في ماله وولده ونفسه فوجده وافيا بذلك ; فذلك قوله ; وإبراهيم الذي وفى أي ; ادعى الإسلام ثم صحح دعواه . وقيل ; وفى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار ; رواه الهيثم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى سهل بن سعد الساعدي عن أبيه ألا أخبركم لم سمى الله تعالى خليله إبراهيم الذي وفى ؛ لأنه كان يقول [ ص; 105 ] كلما أصبح وأمسى ; فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون الآية . ورواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل ; وفى أي وفى ما أرسل به ، وهو قوله ;ألا تزر وازرة وزر أخرى قال ابن عباس ; كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره ، ويأخذون الولي بالولي في القتل والجراحة ; فيقتل الرجل بأبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وابن عمه وقريبه وزوجته وزوجها وعبده ، فبلغهم إبراهيم عليه السلام عن الله تعالى ; ألا تزر وازرة وزر أخرى وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير في قوله تعالى وفى ; عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربه . وهذا أحسن ; لأنه عام . وكذا قال مجاهد ; وفى بما فرض عليه . وقال أبو مالك الغفاري قوله تعالى ; ألا تزر وازرة وزر أخرى إلى قوله ; فبأي آلاء ربك تتمارى في صحف إبراهيم وموسى . وقد مضى في آخر ( الأنعام ) القول في ولا تزر وازرة وزر أخرى مستوفى .
وقوله ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) يقول; وإبراهيم الذي وفى من أرسل إليه ما أرسل به.ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذي وفى, فقال بعضهم; وفاؤه بما عهد إليه ربه من تبليغ رسالاته, وهو ( أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء, عن عكرمة, عن ابن عباس ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال; كانوا قبل إبراهيم يأخذون الوليّ بالوليّ, حتى كان إبراهيم, فبلغ ( أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن عكرمة ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قالوا; بلغ هذه الآيات ( أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال; وفّى طاعة الله, وبلَّغ رسالات ربه إلى خلقه.وكان عكرمة يقول; وفَّى هؤلاء الآيات العشر ( أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ... حتى بلغ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) وفَّى طاعة الله ورسالاته إلى خلقه.حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي, قال; ثنا أبو بكير, عن أبي حصين, عن سعيد بن جبير, في قوله ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال; بلَّغ ما أمر به.حدثنا ابن حُميد, قال; ثنا مهران, عن سفيان ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال; بلَّغ.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال; وفى; بلغ رسالات ربه, بلَّغ ما أُرسل به, كما يبلغ الرجل ما أُرسل به.
وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله: { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة