الرسم العثمانيلَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
الـرسـم الإمـلائـيلَّا يَمَسُّهٗۤ اِلَّا الۡمُطَهَّرُوۡنَؕ
تفسير ميسر:
إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لقرآن عظيم المنافع، كثير الخير، غزير العلم، في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق، وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة. لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب، ولا يَمَسُّه أيضًا إلا المتطهرون من الشرك والجنابة والحدث.
وقال ابن جرير حدثني موسى بن إسماعيل أخبرنا شريك عن حكيم هو ابن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "لا يمسه إلا المطهرون" قال الكتاب الذي في السماء وقال العوفي عن ابن عباس "لا يمسه إلا المطهرون" يعني الملائكة وكذا قال أنس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو الشعثاء جابر بن زيد وأبو نهيك والسدي وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم. وقال ابن جرير حدثنا ابن عبدالأعلى حدثنا ابن ثور حدثنا معمر عن قتادة "لا يمسه إلا المطهرون" قال لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس قال وهي في قراءة ابن مسعود ما يمسه إلا المطهرون وقال أبو العالية "لا يمسه إلا المطهرون" ليس أنتم أنتم أصحاب الذنوب وقال ابن زيد زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين فأخبر الله تعالى أنه "لا يمسه إلا المطهرون" كما قال تعالى "وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون" وهذا القول قول جيد وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله. وقال الفراء لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به وقال آخرون "لا يمسه إلا المطهرون" أي من الجنابة والحدث قالوا ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب قالوا والمراد بالقرآن ههنا المصحف كما روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ولا يمس القرآن إلا طاهر" وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره ومثل هذا ينبغي الأخذ به وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبدالله بن عمر عثمان بن أبي العاص وفي إسناد كل منهما نظر والله أعلم.
قوله تعالى ; لا يمسه إلا المطهرون اختلف في معنى لا يمسه هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى ؟ وكذلك اختلف في المطهرون من هم ؟ فقال أنس وسعيد وابن جبير ; لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة . وكذا قال أبو العالية وابن زيد ; إنهم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم ، فجبريل النازل به مطهر ، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون . الكلبي ; هم السفرة الكرام البررة . وهذا كله قول واحد ، وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال ; أحسن ما سمعت في قوله ; لا يمسه إلا المطهرون أنها بمنزلة الآية التي في ( عبس وتولى ) ; فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وصفوا بالطهارة في سورة ( عبس ) . وقيل ; معنى لا يمسه لا ينزل به إلا [ ص; 204 ] المطهرون أي ; الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء . وقيل ; لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون . وقيل ; إن إسرافيل هو الموكل بذلك ؛ حكاه القشيري . ابن العربي ; وهذا باطل لأن الملائكة لا تناله في وقت ولا تصل إليه بحال ، ولو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه مجال . وأما من قال ; إنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل ، وهو اختيار مالك . وقيل ; المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر . وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته ; من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد وكان في كتابه ; ألا يمس القرآن إلا طاهر . وقال ابن عمر ; قال النبي صلى الله عليه وسلم ; لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر . وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة ; لا يمسه إلا المطهرون فقام واغتسل وأسلم . وقد مضى في أول سورة ( طه ) . وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره ; لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس . الكلبي ; من الشرك . الربيع بن أنس ; من الذنوب والخطايا . وقيل ; معنى لا يمسه لا يقرؤه إلا المطهرون إلا الموحدون ؛ قاله محمد بن فضيل وعبدة . قال عكرمة ; كان ابن عباس ينهى أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن ، وقال الفراء ; لا يجد طعمه ونفعه وبركته إلا المطهرون ، أي ; المؤمنون بالقرآن . ابن العربي ; وهو اختيار البخاري ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ; ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا . وقال الحسين بن الفضل ; لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق . وقال أبو بكر الوراق ; لا يوفق للعمل به إلا السعداء . وقيل ; المعنى لا يمس [ ص; 205 ] ثوابه إلا المؤمنون . ورواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قيل ; ظاهر الآية خبر عن الشرع ، أي ; لا يمسه إلا المطهرون شرعا ، فإن وجد خلاف ذلك فهو غير الشرع ، وهذا اختيار القاضي أبي بكر بن العربي . وأبطل أن يكون لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( البقرة ) . المهدوي ; يجوز أن يكون أمرا وتكون ضمة السين ضمة إعراب . ويجوز أن يكون نهيا وتكون ضمة بناء السين ضمة بناء والفعل مجزوم .واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء ، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم . وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد ، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي . واختلفت الرواية عن أبي حنيفة ، فروي عنه أنه يمسه المحدث ، وقد روي هذا عن جماعة من السلف منهم ابن عباس والشعبي وغيرهما . وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه ، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر . ابن العربي ; وهذا إن سلمه مما يقوي الحجة عليه ، لأن حريم الممنوع ممنوع . وفيما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أقوى دليل عليه . وقال مالك ; لا يحمله غير طاهر بعلاقة ولا على وسادة . وقال أبو حنيفة ; لا بأس بذلك . ولم يمنع من حمله بعلاقة أو مسه بحائل . وقد روي عن الحكم وحماد وداود بن علي أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا ، إلا أن داود قال ; لا يجوز للمشرك حمله . واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ، وهو موضع ضرورة فلا حجة فيه . وفي مس الصبيان إياه على وجهين ، أحدهما ; المنع اعتبارا بالبالغ . والثاني ; الجواز ، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن ؛ لأن تعلمه حال الصغر ؛ ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة ، لأن النية لا تصح منه ، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا .
قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) يقول تعالى ذكره; لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب.واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله; ( إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) فقال بعضهم; هم الملائكة.ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال; إذا أراد الله أن ينـزل كتابا نسخته السفرة، فلا يمسه إلا المطهرون، قال; يعني الملائكة.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; الملائكة الذين في السماء.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; الملائكة.حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; الملائكة.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جبار بن زيد وأبي نهيك في قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) يقول; الملائكة.قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال الملائكة.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال الملائكة.حدثنا ابن حُميد، قال; ثنا جرير، عن عاصم، عن أبي العالية ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; الملائكة.وقال آخرون; هم حملة التوراة والإنجيل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُريب، قال; ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; حملة التوراة والإنجيل.وقال آخرون في ذلك; هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل.* ذكر من قال ذلك;حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال; ثنا مروان، قال; أخبرنا عاصم الأحول، عن أبي العالية الرياحي، في قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; ليس أنتم أنتم أصحاب الذنوب.حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال; الملائكة والأنبياء والرسل التي تنـزل به من عند الله مطهرة، والأنبياء مطهرة، فجبريل ينـزل به مُطَهَّر، والرسل الذين تجيئهم به مُطَهَّرون فذلك قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فهؤلاء ينـزلون به مطهرون، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون، وقرأ قول الله بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ قال; بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم.وقال آخرون; عني بذلك; أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) ذاكم عند ربّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرَّجِس.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله; ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسيّ النجس، والمنافق الرجس. وقال في حرف ابن مسعود ( ما يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ ).والصواب من القول من ذلك عندنا، أن الله جلّ ثناؤه، أخبر أنه لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون فعمّ بخبره المطهرين، ولم يخصص بعضًا دون بعض؛ فالملائكة من المطهرين، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرًا من الذنوب، فهو ممن استثني، وعني بقوله; ( إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) .
{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } أي: لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام، الذين طهرهم الله تعالى من الآفات، والذنوب والعيوب، وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون، وأن أهل الخبث والشياطين، لا استطاعة لهم، ولا يدان إلى مسه، دلت الآية بتنبيهها على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر، كما ورد بذلك الحديث، ولهذا قيل أن الآية خبر بمعنى النهي أي: لا يمس القرآن إلا طاهر.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الواقعة٥٦ :٧٩
Al-Waqi'ah56:79