الرسم العثمانيوَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوٓا أَهٰٓؤُلَآءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنۢ بَيْنِنَآ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّٰكِرِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَكَذٰلِكَ فَتَـنَّا بَعۡضَهُمۡ بِبَـعۡضٍ لِّيَـقُوۡلُـوۡۤا اَهٰٓؤُلَآءِ مَنَّ اللّٰهُ عَلَيۡهِمۡ مِّنۡۢ بَيۡنِنَا ؕ اَلَـيۡسَ اللّٰهُ بِاَعۡلَمَ بِالشّٰكِرِيۡنَ
تفسير ميسر:
وكذالك ابتلى الله تعالى بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من الأرزاق والأخلاق، فجعل بعضهم غنيًّا وبعضهم فقيرًا، وبعضهم قويًّا وبعضهم ضعيفًا، فأحوج بعضهم إلى بعض اختبارًا منه لهم بذلك؛ ليقول الكافرون الأغنياء; أهؤلاء الضعفاء مَنَّ الله عليهم بالهداية إلى الإسلام مِن بيننا؟ أليس الله تعالى بأعلم بمن يشكرون نعمته، فيوفقهم إلى الهداية لدينه؟
وقوله "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" أي ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض "ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غالب من اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل كما قال قوم نوح لنوح "وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي" الآية وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل فقال له; فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقال; بل ضعفاؤهم. فقال هم أتباع الرسل. والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون عليه منهم وكانوا يقولون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ؟ أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير لو كان ما صاروا إليه خيرا ويدعنا كقولهم "لو كان خيرا ما سبقونا إليه" وكقوله تعالى "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا" قال الله تعالى في جواب ذلك "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا" وقال في جوابهم حين قالوا "أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" أي أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "وفي الحديث الصحيح إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وقال ابن جرير; حدثنا القاسم حدثنا الحسين عن حجاج عن ابن جريج عن عكرمة في قوله "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" الآية قال; جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا; يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له قال فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بذلك فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه; لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون وإلى ما يصيرون من قولهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" إلى قوله "أليس الله بأعلم بالشاكرين" قال; وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارئ وواقد بن عبدالله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو وذو الشمالين ومرثد بن أبي مرثد وأبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبدالمطلب وأشباههم من الحلفاء فنزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا" الآية فلما نزلت أقبل عمر رضي الله عنه فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر من مقالته;.
قوله تعالى ; وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين .قوله تعالى ; وكذلك فتنا بعضهم ببعض أي ; كما فتنا من قبلك كذلك فتنا هؤلاء . والفتنة الاختبار ; أي ; عاملناهم معاملة المختبرين . ليقولوا نصب بلام كي ، يعني الأشراف والأغنياء . أهؤلاء يعني الضعفاء والفقراء . من الله عليهم من بيننا قال النحاس ; وهذا من المشكل ; لأنه يقال ; كيف فتنوا ليقولوا هذه الآية ؟ لأنه إن كان إنكارا فهو كفر منهم . وفي هذا جوابان ; أحدهما ; أن المعنى اختبر الأغنياء بالفقراء أن تكون مرتبتهم واحدة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ليقولوا على سبيل الاستفهام لا على سبيل الإنكار أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، والجواب الآخر ; أنهم لما اختبروا بهذا فآل عاقبته إلى أن قالوا هذا على سبيل الإنكار ، وصار مثل قوله ; فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا . أليس الله بأعلم بالشاكرين فيمن عليهم بالإيمان دون الرؤساء الذين علم الله منهم الكفر ، وهذا استفهام تقرير ، وهو جواب لقولهم ; أهؤلاء من الله عليهم من بيننا وقيل ; المعنى أليس الله بأعلم من يشكر الإسلام إذا هديته إليه .
القول في تأويل قوله ; وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بقوله; " وكذلك فتنا بعضهم ببعض "، وكذلك اختبرنا وابتلينا، كالذي;-13289 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر = وحدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر = عن قتادة; " وكذلك فتنا بعضهم ببعض "، يقول; ابتلينا بعضهم ببعض.* * *وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى " الفتنة ", وأنها الاختبار والابتلاء, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)* * *وإنما فتنة الله تعالى ذكره بعضَ خلقه ببعضٍ, مخالفتُه بينهم فيما قسم لهم من الأرزاق والأخلاق, فجعل بعضًا غنيًّا وبعضًا فقيرًا، وبعضًا قويًّا، وبعضًا ضعيفًا, فأحوج بعضهم إلى بعض, اختبارًا منه لهم بذلك.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;13290 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله; " وكذلك فتنا بعضهم ببعض " ، يعني أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء, فقال الأغنياء للفقراء; " أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا "، يعني; هداهم الله. وإنما قالوا ذلك استهزاءً وسُخريًّا. (2)* * *وأما قوله; " ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا "، يقول تعالى; اختبرنا الناس بالغنى والفقر، والعزّ والذل، والقوة والضعف، والهدى والضلال, كي يقول من أضلّه الله وأعماه عن سبيل الحق، للذين هداهم الله ووفقهم; " أهؤلاء منّ الله عليهم "، بالهدى والرشد، وهم فقراء ضعفاء أذلاء (3) =" من بيننا "، ونحن أغنياء أقوياء؟ استهزاءً بهم, ومعاداةً للإسلام وأهله.يقول تعالى ذكره; " أليس الله بأعلم بالشاكرين " ، وهذا منه تعالى ذكره إجابة لهؤلاء المشركين الذين أنكروا أن يكون الله هدى أهل المسكنة والضعف للحق, وخذلهم عنه وهم أغنياء = وتقريرٌ لهم; أنا أعلم بمن كان من خلقي شاكرًا نعمتي، ممن هو لها كافر. فمنِّي على من مَنَنْتُ عليه منهم بالهداية، جزاء شكره إياي على نعمتي, وتخذيلي من خذلت منهم عن سبيل الرشاد، عقوبة كفرانه إياي نعمتي، لا لغنى الغني منهم ولا لفقر الفقير، لأن الثواب والعقاب لا يستحقه أحدٌ إلا جزاءً على عمله الذي اكتسبه، لا على غناه وفقره, لأن الغنى والفقر والعجز والقوة ليس من أفعال خلقي.-----------------الهوامش ;(1) انظر تفسير"الفتنة" فيما سلف ص; 297 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.(2) في المطبوعة; "سخرية" ، وأثبت ما في المخطوطة.(3) انظر تفسير"المن" فيما سلف 7; 369/9 ; 71.
{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } أي: هذا من ابتلاء الله لعباده، حيث جعل بعضهم غنيا؛ وبعضهم فقيرا، وبعضهم شريفا، وبعضهم وضيعا، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع؛. كان ذلك محل محنة للغني والشريف فإن كان قصده الحق واتباعه، آمن وأسلم، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف، وإن لم يكن صادقا في طلب الحق، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق. وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم: { أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } فمنعهم هذا من اتباع الحق، لعدم زكائهم، قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء، وعدم هدايتهم هم. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر، فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله عند من ليس له بأهل، وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف، بخلاف من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون.
(الواو) استئنافية
(الكاف) حرف جر وتشبيه ،
(ذا) اسم إشارة مبني في محلّ جر متعلق بمحذوف مفعول مطلق عامله فتنا أي وفتونا كذلك فتنا بعضهم و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (فتنّا) فعل ماض..
(ونا) فاعلـ (بعض) مفعول به منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه
(ببعض) جار ومجرور متعلق بحال من بعضهم
(اللام) لام العاقبة أو للتعليلـ (يقولوا) مضارع بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعل.
والمصدر المؤوّلـ (أن يقولوا) في محلّ جر باللام متعلق بـ (فتنّا) .(الهمزة) للاستفهام للاستخفاف
(ها) حرف تنبيه
(أولاء) اسم إشارة مبني في محلّ رفع مبتدأ
(منّ) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(على) حرف جر و (هم) ضمير في محلّ جر متعلق بـ (منّ) ،
(من بين) جار ومجرور متعلق بـ (منّ) ، ، و (نا) ضمير مضاف إليه
(الهمزة) للاستفهام
(ليس) فعل ماض ناقص جامد
(الله) لفظ الجلالة اسم ليس مرفوع
(الباء) حرف جر زائد
(أعلم) مجرور لفظا منصوب محلا خبر ليس
(بالشاكرين) جارّ ومجرور متعلق بـ (أعلم) ، وعلامة الجر الياء.
جملة «فتنّا ... » لا محلّ لها استئنافية.
وجملة «يقولوا....» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «هؤلاء منّ الله....» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «منّ الله عليهم» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(هؤلاء) .
وجملة «ليس الله ... » لا محلّ لها استئنافية.
- القرآن الكريم - الأنعام٦ :٥٣
Al-An'am6:53