الرسم العثمانييٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَآءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهٰدًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِى ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ
الـرسـم الإمـلائـييٰۤاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا لَا تَتَّخِذُوۡا عَدُوِّىۡ وَعَدُوَّكُمۡ اَوۡلِيَآءَ تُلۡقُوۡنَ اِلَيۡهِمۡ بِالۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُوۡا بِمَا جَآءَكُمۡ مِّنَ الۡحَـقِّ ۚ يُخۡرِجُوۡنَ الرَّسُوۡلَ وَاِيَّاكُمۡ اَنۡ تُؤۡمِنُوۡا بِاللّٰهِ رَبِّكُمۡ ؕ اِنۡ كُنۡـتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَادًا فِىۡ سَبِيۡلِىۡ وَ ابۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِىۡ ۖ تُسِرُّوۡنَ اِلَيۡهِمۡ بِالۡمَوَدَّةِ ۖ وَاَنَا اَعۡلَمُ بِمَاۤ اَخۡفَيۡتُمۡ وَمَاۤ اَعۡلَنۡتُمۡؕ وَمَنۡ يَّفۡعَلۡهُ مِنۡكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيۡلِ
تفسير ميسر:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تتخذوا عدوي وعدوكم خلصاء وأحباء، تُفْضون إليهم بالمودة، فتخبرونهم بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وسائر المسلمين، وهم قد كفروا بما جاءكم من الحق من الإيمان بالله ورسوله وما نزل عليه من القرآن، يخرجون الرسول ويخرجونكم- أيها المؤمنون- من "مكة"؛ لأنكم تصدقون بالله ربكم، وتوحدونه، إن كنتم- أيها المؤمنون- هاجرتم مجاهدين في سبيلي، طالبين مرضاتي عنكم، فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، تُفْضون إليهم بالمودة سرًّا، وأنا أعلم بما أخفيتم وما أظهرتم، ومن يفعل ذلك منكم فقد أخطأ طريق الحق والصواب، وضلَّ عن قصد السبيل.
كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن حاطبا هذا كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال "اللهم عم عليهم خبرنا" فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته. قال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن عمه أخبرني حسن بن محمد بن علي أخبرني عبدالله بن أبي رافع وقال مرة إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع عليا رضي الله عنه يقول; بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها" فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب قلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا حاطب ما هذا؟" قال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه صدقكم" فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه قد شهد بدرا ما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه من غير وجه عن سفيان بن عيينة به وزاد البخاري في كتاب المغازي فأنزل الله السورة "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" وقال في كتاب التفسير قال عمرو ونزلت فيه "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" وقال لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرو قال البخاري قال علي يعني ابن المديني قيل لسفيان في هذا نزلت "لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" فقال سفيان هذا في حديث الناس حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا ولا أدري أحدا حفظه غيري. وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث حصين بن عبدالرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس وقال "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين" فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا الكتاب؟ فقالت ما معي كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجنه فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبى صلى الله عليه وسلم "ما حملك على ما صنعت؟" قال حاطب والله ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال "صدق لا تقولوا له إلا خيرا" فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال "صدق لا تقولوا له إلا خيرا" فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال "أليس من أهل بدر؟ - فقال - لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة - أو - قد غفرت لكم" فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم هذا لفظ البخاري في المغازي في غزوة بدر. وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني حدثنا عبيد بن يعيش حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سنان هو سعيد بن سنان عن عمرو بن مرة الحملي عن أبي إسحاق البحتري الطائي عن الحارث عن علي لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسر إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة منهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في الناس أنه يريد خيبر قال فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس فقال "ائتوا روضة خاخ فإنكم ستلقون بها امرأة معهال كتاب فخذوه منها" فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا لها هات الكتاب فقالت ما معي كتاب فوضعنا متاعها وفتشناها فلم نجده في متاعها فقال أبو مرثد لعله أن لا يكون معها فقلت ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا فقلنا لها لتخرجنه أو لنعرينك فقالت أما تتقون الله؟ ألستم مسلمين؟ فقلنا لتخرجنه أو لنعرينك قال عمرو بن مرة فأخرجته من حجزتها وقال حبيب بن أبي ثابت أخرجته من قبلها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة فقام عمر فقال يا رسول الله خان الله ورسوله فائذن لي فلأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أليس قد شهد بدرا؟" قالوا بلى وقال عمر بلى ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني بما تعملون بصير" ففاضت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فقال "يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟" فقال يا رسول الله إنى كنت امرأ ملصقا في قريش وكان لي بها مال وأهل ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله فكتبت بذلك إليهم ووالله يا رسول الله إني لمؤمن بالله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلى حاطب فلا تقولوا لحاطب إلا خيرا" قال حبيب بن أبي ثابت فأنزل الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة" الآية وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن أبي سنان سعيد بن سنان بإسناده مثله. وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسير فقال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة حدثني محمد بن جعفر ابن الزبير عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم غيره أنها سارة مولاة لبني عبد المطلب وجعل لها جعلا على أن تبلغه لقريش فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال "أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم" فخرجا حتى أدركاها بالحليفة حليفة بني أبي أحمد فاستنزلاها بالحليفة فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي بن أبي طالب إني أحلف بالله ما كذب رسول الله وما كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال "يا حاطب ما حملك على هذا؟" فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما يدريك يا عمر؟ لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فأنزل الله عز وجل في حاطب "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة - إلى قوله - قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده" إلى آخر القصة وروى معمر عن الزهري عن عروة نحو ذلك وهكذا ذكر مقاتل بن حيان أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة أنه بعث سارة مولاة بني هاشم وأنه أعطاها عشرة دراهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأدركاها بالجحفة وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم وعن السدي قريبا منه وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة فقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" يعني المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء كما قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين". وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا" وقال تعالى "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد. ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا مصعب بن سلام حدثنا الأجلح عن قيس بن أبي مسلم عن ربعي بن حراش سمعت حذيفة يقول; ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالا; واحدا وثلاثه وخمسة وسبعة وتسعة وأحد عشر قال فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها قال "إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداء فأظهر الله أهل الضعف عليهم فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه" وقوله تعالى "يخرجون الرسول وإياكم" هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولهذا قال تعالى "أن تؤمنوا بالله ربكم" أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وكقوله تعالى "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله". وقوله تعالى "إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي" أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم. وقوله تعالى "تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم" أي تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر "ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل.
مدنية في قول الجميع ، وهي ثلاث عشرة آية .الممتحنة ( بكسر الحاء ) أي المختبرة ، أضيف الفعل إليها مجازا ، كما سميت سورة " التوبة " المبعثرة والفاضحة ; لما كشفت من عيوب المنافقين . ومن قال في هذه السورة ; الممتحنة ( بفتح الحاء ) فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها ، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، قال الله تعالى ; فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن الآية . وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ، ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن .بسم الله الرحمن الرحيميا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيلقوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء عدى اتخذ إلى مفعولين وهما عدوكم أولياء . والعدو فعول من عدا ، كعفو من عفا . ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجماعة إيقاعه على الواحد .وفي هذه الآية سبع مسائل ;[ ص; 46 ] الأولى ; قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم روى الأئمة - واللفظ لمسلم - عن علي رضي الله عنه قال ; بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ; " ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " ، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا ، فإذا نحن بالمرأة ، فقلنا ; أخرجي الكتاب ، فقالت ; ما معي كتاب . فقلنا ; لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها . فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه ; من حاطب بن أبي بلتعة . . . إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " يا حاطب ، ما هذا ؟ " قال ; لا تعجل علي يا رسول الله ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش - قال سفيان ; كان حليفا لهم ، ولم يكن من أنفسها - وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; " صدق " . فقال عمر ; دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . فقال ; " إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال ; اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . فأنزل الله عز وجل ; يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . قيل ; اسم المرأة سارة من موالي قريش . وكان في الكتاب ; " أما بعد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم ، وأنجز له موعده فيكم ، فإن الله وليه وناصره . ذكره بعض المفسرين . وذكر القشيري والثعلبي ; أن حاطب بن أبي بلتعة كان رجلا من أهل اليمن ، وكان له حلف بمكة في بني أسد بن عبد العزى رهط الزبير بن العوام . وقيل ; كان حليفا للزبير بن العوام ، فقدمت من مكة سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام بن عبد مناف إلى المدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة . وقيل ; كان هذا في زمن الحديبية ; فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " أمهاجرة جئت يا سارة ؟ " . فقالت ; لا . قال ; " أمسلمة جئت ؟ " قالت ; لا . قال ; " فما جاء بك ؟ " قالت ; كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة ، وقد ذهب الموالي - تعني قتلوا يوم بدر - وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني ; فقال عليه الصلاة والسلام ; " فأين أنت عن شباب أهل مكة " وكانت مغنية ، قالت ; ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر . فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها ; فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت إلى مكة ، وأتاها حاطب فقال ; أعطيك عشرة دنانير وبردا على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل مكة . وكتب في الكتاب ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم . فخرجت سارة ، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فبعث عليا والزبير وأبا مرثد الغنوي . وفي رواية ; عليا والزبير والمقداد . وفي رواية ; أرسل عليا وعمار بن ياسر . وفي رواية ; عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد - وكانوا كلهم فرسانا - وقال لهم ; " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها وخلوا سبيلها ، فإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها " فأدركوها في ذلك المكان ، فقالوا لها ; أين الكتاب ؟ فحلفت ما معها كتاب ، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتابا ، فهموا بالرجوع فقال علي ; والله ما كذبنا ولا كذبنا ! وسل سيفه وقال ; أخرجي الكتاب وإلا والله لأجردنك ولأضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها - وفي رواية من حجزتها - فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل إلى حاطب فقال ; " هل تعرف الكتاب ؟ " قال ; نعم . وذكر الحديث بنحو ما تقدم . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم .الثانية ; السورة أصل في النهي عن موالاة الكفار . وقد مضى ذلك في غير موضع . من ذلك قوله تعالى ; لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم . يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . ومثله كثير . وذكر أن حاطبا لما سمع يا أيها الذين آمنوا غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان .الثالثة ; قوله تعالى ; تلقون إليهم بالمودة يعني بالظاهر ; لأن قلب حاطب كان سليما ; بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ; " أما صاحبكم فقد صدق " وهذا نص في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده . والباء في بالمودة زائدة ; كما تقول ; قرأت السورة وقرأت بالسورة ، ورميت إليه ما في نفسي وبما في نفسي . ويجوز أن تكون ثابتة على أن مفعول تلقون [ ص; 48 ] محذوف ; معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم . وكذلك ; تسرون إليهم بالمودة أي بسبب المودة . وقال الفراء ; تلقون إليهم بالمودة من صلة أولياء ، ودخول الباء في المودة وخروجها سواء . ويجوز أن تتعلق ب لا تتخذوا حالا من ضميره . وب أولياء صفة له ، ويجوز أن تكون استئنافا . ومعنى تلقون إليهم بالمودة تخبرونهم بسرائر المسلمين وتنصحون لهم ; وقاله الزجاج .الرابعة ; من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي ، واعتقاده على ذلك سليم ; كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين .الخامسة ; إذا قلنا لا يكون بذلك كافرا فهل يقتل بذلك حدا أم لا ؟ اختلف الناس فيه ; فقال مالك وابن القاسم وأشهب ; يجتهد في ذلك الإمام . وقال عبد الملك ; إذا كانت عادته تلك قتل لأنه جاسوس ، وقد قال مالك بقتل الجاسوس - وهو صحيح لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض . ولعل ابن الماجشون إنما اتخذ التكرار في هذا لأن حاطبا أخذ في أول فعله . والله أعلم .السادسة ; فإن كان الجاسوس كافرا ، فقال الأوزاعي ; يكون نقضا لعهده . وقال أصبغ ; الجاسوس الحربي يقتل ، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إلا إن تظاهرا على الإسلام فيقتلان . وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعين للمشركين اسمه فرات بن حيان ، فأمر به أن يقتل ; فصاح ; يا معشر الأنصار ، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ! فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فخلى سبيله . ثم قال ; " إن منكم من أكله إلى إيمانه منهم فرات بن حيان " . وقوله ; " وقد كفروا " حال ، إما من ; لا تتخذوا ، وإما من " تلقون " ؛ أي لا تتولوهم أو توادوهم ، وهذه حالهم . وقرأ الجحدري " لما جاءكم " أي كفروا لأجل ما جاءكم من الحق .السابعة ; قوله تعالى ; يخرجون الرسول استئناف كلام كالتفسير لكفرهم وعتوهم ، أو حال من كفروا . وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم تعليل ل يخرجون ؛ المعنى يخرجون الرسول ويخرجونكم من مكة لأن تؤمنوا بالله أي لأجل إيمانكم بالله . قال [ ص; 49 ] ابن عباس ; وكان حاطب ممن أخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل ; في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي . وقيل ; في الكلام حذف ، والمعنى إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ، فلا تلقوا إليهم بالمودة .قيل ; إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي شرط وجوابه مقدم . والمعنى إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . ونصب جهادا وابتغاء ؛ لأنه مفعول . وقوله ; تسرون إليهم بالمودة بدل من تلقون ومبين عنه . والأفعال تبدل من الأفعال ، كما قال تعالى ; ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب . وأنشد سيبويه ;متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججاوقيل ; هو على تقدير أنتم تسرون إليهم بالمودة ، فيكون استئنافا . وهذا كله معاتبة لحاطب . وهو يدل على فضله وكرامته ونصيحته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق إيمانه ، فإن المعاتبة لا تكون إلا من محب لحبيبه . كما قال ;أعاتب ذا المودة من صديق إذا ما رابني منه اجتنابإذا ذهب العتاب فليس ود ويبقى الود ما بقي العتابومعنى بالمودة أي بالنصيحة في الكتاب إليهم . والباء زائدة كما ذكرنا ، أو ثابتة غير زائدة .قوله تعالى ; وأنا أعلم بما أخفيتم ; أضمرتم ، وما أعلنتم ; أظهرتم . والباء في بما زائدة ; يقال ; علمت كذا ، وعلمت بكذا . وقيل ; وأنا أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون ، فحذف من كل أحد . كما يقال ; فلان أعلم وأفضل من غيره . وقال ابن عباس ; وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم ، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد .ومن يفعله منكم أي من يسر إليهم ويكاتبهم منكم .فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ قصد الطريق .
القول في تأويل قوله تعالى ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي ) من المشركين ( وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) يعنى أنصارا.وقوله; ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) يقول جلّ ثناؤه; تلقون إليهم مودتكم إياهم، ودخول الباء في قوله; ( بِالْمَوَدَّةِ ) وسقوطها سواء، نظير قول القائل; أريد بأن تذهب، وأريد أن تذهبَ سواء، وكقوله; وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ والمعنى; ومن يرد فيه إلحادًا بظلم؛ ومن ذلك قول الشاعر;فَلمَّـا رَجَـتْ بالشُّـرْبِ هَزَّ لَهَا الْعَصَاشَــحِيحٌ لَــهُ عِنْــدَ الإزَاءِ نَهِيـمُ (1)معنى; فلما رجت الشرب.( وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) يقول; وقد كفر هؤلاء المشركون الذين نهيتكم أن تتخذوهم أولياء بما جاءكم من عند الله من الحقّ، وذلك كفرهم بالله ورسوله وكتابه الذي أنـزله على رسوله.وقوله; ( يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه; يخرجون رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وإياكم، بمعنى; ويخرجونكم أيضًا من دياركم وأرضكم، وذلك إخراج مشركي قريش رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه من مكة.وقوله; ( أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه; يخرجون الرسول وإياكم من دياركم، لأن آمنتم بالله.وقوله; ( إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ) من المؤخر الذي معناه التقديم، ووجه الكلام; يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي، وابتغاء مرضاتي ( يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ) .ويعني قوله تعالى ذكره; ( إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي ) ; إن كنتم خرجتم من دياركم، فهاجرتم منها إلى مهاجرَكم للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم، وديني الذي أمرتكم به. والتماس مرضاتي.وقوله; ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب &; 23-311 &; رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; تسرّون أيها المؤمنون بالمودّة إلى المشركين بالله ( وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ) يقول; وأنا أعلم منكم بما أخفى بعضكم من بعض، فأسره منه ( وَمَا أَعْلَنْتُمْ ) يقول; وأعلم أيضًا منكم ما أعلنه بعضكم لبعض ( وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) يقول جلّ ثناؤه; ومن يسرُّ منكم إلى المشركين بالمودّة أيها المؤمنون فقد ضلّ; يقول; فقد جار عن قصد السبيل التي جعلها الله طريقًا إلى الجنة ومحجة إليها.وذُكر أن هذه الآيات من أوّل هذه السورة نـزلت في شأن حاطب بن أبي بَلتعة، وكان كتب إلى قُريش بمكة يطلعهم على أمر كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد أخفاه عنهم، وبذلك جاءت الآثار والرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وغيرهم.* ذكر من قال ذلك;حدثني عبيد بن إسماعيل الهباريّ، والفضل بن الصباح قالا ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن حسن بن محمد بن عليّ، أخبرني عبيد الله بن أبي رافع، قال; سمعت عليًا رضي الله عنه يقول; بعثني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنا والزُّبير بن العوّام والمقداد، قال الفضل، قال سفيان; نفر من المهاجرين فقال; انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن لها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها؛ فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فوجدنا امرأة، فقلنا; أخرجي الكتاب، قالت; ليس معي كتاب، قلنا; لتخرجنّ الكتاب، أو لنلقينّ الثياب، فأخرجته من عقاصها، وأخذنا الكتاب؛ فانطلقنا به إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فإذا فيه; من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " يا حاطبُ ما هذا؟" قال; يا رسول الله لا تعجل عليّ، كنت امرًأ ملصقًا في قريش، ولم يكن لي فيهم قرابة، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات، يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ فيها يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " قَدْ صَدَقَكُمْ" فقال عمر; يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال; " إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أهْلِ بَدْرٍ فقَال; اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" زاد الفضل في حديثه، قال سفيان; ونـزلت فيه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ... إلى قوله; حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .حدثنا ابن حُمَيْد، قال; ثنا مهران، عن أبي سنان سعيد بن سنان، عن عمرو بن مرّة الجملي، عن أَبي البختري الطائي، عن الحارث، عن عليّ رضي الله عنه قال; لما أراد النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يأتي مكة، أسرّ إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة، فيهم حاطب بن أبي بلتعة، وأفشى في الناس أنه يريد خيبر، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يريدكم، قال; فبعثني النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس، فقال; " ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخ، فإنَّكُمْ سَتَلْقَوّنَ بِهَا امْرَأَةً وَمَعَهَا ِكتَاب، فَخُذُوهُ منها "؛ فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقلنا; هاتي الكتاب، فقالت; ما معي كتاب، فوضعنا متاعها وفتشنا، فلم نجده في متاعها، فقال أبو مرثد; لعله أن لا يكون معها، فقلت; ما كذب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا كَذِب، فقلنا; أخرجي الكتاب، وإلا عريناك، قال عمرو بن مرّة، فأخرجته من حجزتها، وقال حبيب; أخرجته من قبلها فأتينا به النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فإذا الكتاب; من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فقام عمر فقال; خان الله ورسوله، ائذن لي أضرب عنقه، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " أَلَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟" قال; بلى، ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك. فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " فَلَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقاَلَ; اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ"، ففَاضت عينا عمر وقال; الله ورسوله أعلم، فأرسل إلى حاطب، فقال; " ما حملك على ماصنعت؟ " فقال; يا نبيّ الله إني كنت امرأ ملصقًا في قريش، وكان لي بها أهل ومال، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله ماله، فكتبت إليهم بذلك، والله يا نبيّ الله إني لمؤمن بالله وبرسوله، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " صَدَقَ حَاطِبُ بن أبِي بَلْتَعَةَ، فَلا تَقُولُوا لِحَاطِبَ إلا خَيْرًا "، فقال حبيب بن ثابت; فأنـزل الله عزّ وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ) ... الآيةحدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، ثنا عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) ... إلى آخر الآية، نـزلت في رجل كان مع النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالمدينة من قريش، كتب إلى أهله وعَشِيرَته بمكة، يخبرهم وينذرهم أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سائر إليهم، فأخبر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بصحيفته، فبعث إليها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه بها.حدثنا ابن حُمَيْدِ، قال; ثنا سلمة، قال; ثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزُّبير، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا; لما أجمع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم السير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب وجعل لها جُعْلا على أن تبلغه قريشًا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت، وأتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب والزُّبير بن العوّام رضي الله عنهما ، فقال; " أدركا امْرَأةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبٌ بِكِتَاب إلى قُرَيْش يُحَذرُهُمْ مَا قدِ اجْتَمَعْنَا لَهُ فِي أمْرِهِمْ"، فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة ابن أَبي أحمد فاستنـزلاها فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئًا، فقال لها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه; إني أحلف بالله ما كُذِبَ رَسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا كُذِبنا، ولتخرِجِنّ إليَّ هذا الكتاب، أو لنكشفنك؛ فلما رأت الجدّ منه، قالت; أعرض عني، فأعرض عنها، فحلَّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب فدفعته إليه فجاء به إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فدعا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حاطبًا، فقال; " يا حاطب مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟" فقال; يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدّلت، ولكني كنت امرأ في القوم ليس لي أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم عليه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه; دعني يا رسول الله فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَلَّعَ عَلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فقَالَ; اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم " فأنـزل الله عزّ وجلّ في حاطب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ... إلى قوله; وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ... إلى آخر القصة.حدثنا ابن عبد الأعلى قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال; لما أنـزلت; ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) في حاطب بن أبي بلتعة، كتب إلى كفار قريش كتابًا ينصح لهم فيه، فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك، فأرسل عليًّا والزُّبير، فقال; " اذْهبا فإنَّكُما ستجدان امرأة بِمَكَان كَذَا وَكَذَا، فأتِيَا بِكِتَاب مَعَهَا "، فانطلقا حتى أدركاها، فقالا الكتاب الذي معك، قالت; ليس معي كتاب، فقالا والله لا ندع معك شيئًا إلا فتَّشناه، أو لتخرجينه، قالت; أولستم مسلمين؟ قالا بلى، ولكن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن معك كتابًا قد أيقنت أنفسنا أنه معك؟ فلما رأت جدّهما أخرجت كتابًا من بين قرونها، فذهبا به إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فإذا فيه; من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش، فدعاه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال; " أنْتَ كَتَبْتَ هَذَا الْكِتَاب؟ " قال; نعم، قال; " ما حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ " قال; أما والله ما ارتبت في الله منذ أسلمت، ولكني كنت امرأ غريبًا فيكم أيُّها الحيّ من قريش، وكان لي بمكة مال وبنون، فأردت أن أدفع بذلك عنهم، فقال عمر رضي الله عنه; ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; " مَهْلا يا ابْن الخطَّاب، ومَا يُدْرِيكَ لَعَلَ الله قَدِ اطَّلَعَ إلَى أَهْل بَدْرٍ فَقَالَ; اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فإنِّي غَافِرٌ لَكُمْ " قال الزهريّ; فيه نـزلت حتى غَفُورٌ رَحِيمٌحدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله; ( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ... إلى قوله; بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة، ومن معه كفار قريش يحذّرهم.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ... حتى بلغ (سَوَاءَ السَّبِيلِ) ; ذُكِر لنا أن حاطبًا كتب إلى أهل مكة يخبرهم سير النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إليهم زمن الحديبية، فأطلع الله عزّ وجلّ نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك، وذُكر لنا أنهم وجدوا الكتاب مع امرأة في قرن من رأسها، فدعاه نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال; " مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟" قال; والله ما شَكَكْتُ في أمر الله، ولا ارتددت فيه، ولكن لي هناك أهلا ومالا فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي. وذُكر لنا أنه كان حليفًا لقريش لم يكن من أنفسهم، فأنـزل الله عزّ وجلّ في ذلك القرآن، فقال; إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ .
ذكر كثير من المفسرين، [رحمهم الله]، أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة، حين غزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، فكتب حاطب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ليتخذ بذلك يدا عندهم لا [شكا و] نفاقا، وأرسله مع امرأة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه، فأرسل إلى المرأة قبل وصولها وأخذ منها الكتاب.وعاتب حاطبا، فاعتذر رضي الله عنه بعذر قبله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم، وإلقاء المودة إليهم، وأن ذلك مناف للإيمان، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو، الذي لا يبقي من مجهوده في العداوة شيئا، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } اعملوا بمقتضى إيمانكم، من ولاية من قام بالإيمان، ومعاداة من عاداه، فإنه عدو لله، وعدو للمؤمنين.فلا تتخذوا عدو الله { وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } أي: تسارعون في مودتهم وفي السعي بأسبابها، فإن المودة إذا حصلت، تبعتها النصرة والموالاة، فخرج العبد من الإيمان، وصار من جملة أهل الكفران، وانفصل عن أهل الإيمان.وهذا المتخذ للكافر وليا، عادم المروءة أيضا، فإنه كيف يوالي أعدى أعدائه الذي لا يريد له إلا الشر، ويخالف ربه ووليه الذي يريد به الخير، ويأمره به، ويحثه عليه؟! ومما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم، وزعموا أنكم ضلال على غير هدى.والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية، ومن رد الحق فمحال أن يوجد له دليل أو حجة تدل على صحة قوله، بل مجرد العلم بالحق يدل على بطلان قول من رده وفساده.ومن عداوتهم البليغة أنهم { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أيها المؤمنون من دياركم، ويشردونكم من أوطانكم، ولا ذنب لكم في ذلك عندهم، إلا أنكم تؤمنون بالله ربكم الذي يتعين على الخلق كلهم القيام بعبوديته، لأنه رباهم، وأنعم عليهم، بالنعم الظاهرة والباطنة، وهو الله تعالى.فلما أعرضوا عن هذا الأمر، الذي هو أوجب الواجبات، وقمتم به، عادوكم، وأخرجوكم - من أجله - من دياركم، فأي دين، وأي مروءة وعقل، يبقى مع العبد إذا والى الكفار الذين هذا وصفهم في كل زمان أو مكان؟\" ولا يمنعهم منه إلا خوف، أو مانع قوي.{ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي } أي: إن كان خروجكم مقصودكم به الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، وابتغاء مرضاة الله فاعملوا بمقتضى هذا، من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، فإن هذا هو الجهاد في سبيله وهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى ربهم ويبتغون به رضاه.{ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ } أي: كيف تسرون المودة للكافرين وتخفونها، مع علمكم أن الله عالم بما تخفون وما تعلنون؟!، فهو وإن خفي على المؤمنين، فلا يخفى على الله تعالى، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم من الخير والشر، { وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ } أي: موالاة الكافرين بعد ما حذركم الله منها { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل والمروءة الإنسانية.
(أيّها) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصبـ (الذين) بدل من أيّ في محلّ نصب- أو عطف بيان-
(لا) ناهية جازمة
(أولياء) مفعول به ثان منصوبـ (إليهم) متعلّق بـ (تلقون) وكذلك
(بالمودّة) ،و (الباء) سببيّة
(الواو) حاليّة
(قد) حرف تحقيق
(بما) متعلّق بـ (كفروا) ،
(من الحقّ) متعلّق بحال من فاعل جاءكم
(إيّاكم) ضمير منفصل في محلّ نصب معطوف على الرسول بالواو (أن) حرف مصدريّ ونصبـ (باللَّه) متعلّق بـ (تؤمنوا) .
والمصدر المؤوّلـ (أن تؤمنوا..) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف هو اللام متعلّق بـ (يخرجون) ...(ربّكم) نعت للفظ الجلالة
(كنتم) ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط
(جهادا) مصدر في موضع الحال»
(في سبيلي) متعلّق بـ (جهادا) ،
(ابتغاء) معطوف على
(جهادا) منصوبـ (إليهم) متعلّق بـ (تسرّون) ،
(بالمودّة) مثل الأول في نوع التعليق
(الواو) حاليّة
(أعلم) خبر المبتدأ
(أنا) وقصد به الوصف لا التفضيلـ (بما) متعلّق بـ (أعلم) ، والثاني معطوف عليه، والعائدان لكليهما محذوفان
(الواو) استئنافيّة
(من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ
(منكم) متعلّق بحال من فاعل يفعله
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(قد) حرف تحقيق
(سواء) مفعول به منصوب .
جملة: «النداء ... » لا محلّ لها ابتدائية.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «لا تتخذوا ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «تلقون ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ .
وجملة: «كفروا ... » في محلّ نصب حال من ضمير الغائب في(إليهم) .وجملة: «جاءكم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «يخرجون ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ .
وجملة: «تؤمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «كنتم خرجتم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «خرجتم ... » في محلّ نصب خبر كنتم.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي فلا تتّخذوا عدوى.. أولياء.
وجملة: «تسرّون ... » في محلّ نصب حال من فاعل تتّخذوا جواب الشرط .
وجملة: «أنا أعلم ... » في محلّ نصب حال من فاعل تسرّون وتلقون.
وجملة: «أخفيتم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأول.
وجملة: «أعلنتم ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني.
وجملة: «من يفعله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يفعله ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «ضلّ ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
2-
(لكم) متعلّق بحال من أعداء ،
(يبسطوا) مضارع مجزوم معطوف على
(يكونوا) بالواو (إليكم) متعلّق بـ (يبسطوا) ،
(بالسوء) متعلّق بحال من فاعل يبسطوا و (الباء) للملابسة
(الواو) عاطفة
(لو) حرف مصدريّ..
والمصدر المؤوّلـ (لو تكفرون..) في محلّ نصب مفعول به عامله ودّوا....وجملة: «يثقفوكم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يكونوا ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «يبسطوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب الشرط.
وجملة: «ودّوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب الشرط.
وجملة: «تكفرون» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(لو) .
3-
(الواو) عاطفة والثانية استئنافيّة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(أولادكم) معطوف على
(أرحامكم) مرفوع
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (تنفعكم) ،
(ما) حرف مصدريّ ..
والمصدر المؤوّلـ (ما تعملون..) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بالخبر
(بصير) .
وجملة: «لن تنفعكم أرحامكم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يفصل بينكم» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «اللَّه ... بصير» لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «تعملون» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
- القرآن الكريم - الممتحنة٦٠ :١
Al-Mumtahanah60:1