إِذَا جَآءَكَ الْمُنٰفِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰفِقِينَ لَكٰذِبُونَ
اِذَا جَآءَكَ الۡمُنٰفِقُوۡنَ قَالُوۡا نَشۡهَدُ اِنَّكَ لَرَسُوۡلُ اللّٰهِ ۘ وَاللّٰهُ يَعۡلَمُ اِنَّكَ لَرَسُوۡلُهٗ ؕ وَاللّٰهُ يَشۡهَدُ اِنَّ الۡمُنٰفِقِيۡنَ لَـكٰذِبُوۡنَ
تفسير ميسر:
إذا حضر مجلسك المنافقون -أيها الرسول- قالوا بألسنتهم، نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسول الله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما أظهروه من شهادتهم لك، وحلفوا عليه بألسنتهم، وأضمروا الكفر به.
يقول تعالى مخبرا عن المنافقين أنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك ولهذا قال تعالى "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله" أي إذا حضروا عندك واجهوك بذلك وأظهروا لك ذلك وليس كما يقولون ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله فقال "والله يعلم إنك لرسوله". ثم قال تعالى "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي فيما أخبروا به وإن كان مطابقا للخارج لأنهم لم يكونوا يعتقدوا صحة ما يقولون ولا صدقه ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم.
سورة المنافقون .مدنية في قول الجميع ، وهي إحدى عشرة آيةبسم الله الرحمن الرحيمإذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبونقوله تعالى ; إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله روى البخاري عن زيد بن أرقم قال ; كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول ; لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا . وقال ; لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا ; فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني . فأصابني هم لم يصبني مثله ، فجلست في بيتي فأنزل الله عز وجل ; إذا جاءك المنافقون إلى قوله ; هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله إلى قوله ; ليخرجن الأعز منها الأذل فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ; " إن الله قد صدقك " خرجه الترمذي قال ; هذا حديث حسن [ ص; 112 ] صحيح . وفي الترمذي عن زيد بن أرقم قال ; غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نبدر الماء ، وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ، ويجعل النطع عليه حتى تجيء أصحابه . قال ; فأتى رجل من الأنصار أعرابيا فأرخى زمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه ، فانتزع حجرا فغاض الماء ; فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه ، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره - وكان من أصحابه - فغضب عبد الله بن أبي ثم قال ; لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله - يعني الأعراب - وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام ; فقال عبد الله ; إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا بالطعام ، فليأكل هو ومن عنده . ثم قال لأصحابه ; لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال زيد ; وأنا ردف عمي فسمعت عبد الله بن أبي فأخبرت عمي ، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف وجحد . قال ; فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني . قال ; فجاء عمي إلي فقال ; ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمنافقون . قال ; فوقع علي من جرأتهم ما لم يقع على أحد . قال ; فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قد خففت برأسي من الهم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي ; فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا . ثم إن أبا بكر لحقني فقال ; ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت ; ما قال شيئا إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي ; فقال ; أبشر ! ثم لحقني عمر فقلت له مثل قولي لأبي بكر . فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين . قال أبو عيسى ; هذا حديث حسن صحيح . وسئل حذيفة بن اليمان عن المنافق ، فقال ; الذي يصف الإسلام ولا يعمل به . وهو اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه . وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; " آية المنافق ثلاث ; إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " . وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ; إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " . أخبر عليه السلام أن من جمع هذه الخصال كان منافقا ، [ ص; 113 ] وخبره صدق . وروي عن الحسن أنه ذكر له هذا الحديث فقال ; إن بني يعقوب حدثوا فكذبوا ، ووعدوا فأخلفوا ، واؤتمنوا فخانوا . إنما هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنذار للمسلمين ، والتحذير لهم أن يعتادوا هذه الخصال ; شفقا أن تقضي بهم إلى النفاق . وليس المعنى ; أن من بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أنه منافق . وقد مضى في سورة " التوبة " القول في هذا مستوفى والحمد لله .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " المؤمن إذا حدث صدق ، وإذا وعد أنجز ، وإذا اؤتمن وفى " . والمعنى ; المؤمن الكامل إذا حدث صدق . والله أعلم .قوله تعالى ; قالوا نشهد إنك لرسول الله قيل ; معنى نشهد نحلف . فعبر عن الحلف بالشهادة ; لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر مغيب ; ومنه قول قيس بن ذريح .وأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها لياويحتمل أن يكون ذلك محمولا على ظاهره أنهم يشهدون أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترافا بالإيمان ونفيا للنفاق عن أنفسهم ، وهو الأشبه .والله يعلم إنك لرسوله كما قالوه بألسنتهم .والله يشهد إن المنافقين لكاذبون أي فيما أظهروا من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم .وقال الفراء ; والله يشهد إن المنافقين لكاذبون بضمائرهم ، فالتكذيب راجع إلى الضمائر . وهذا يدل على أن الإيمان تصديق القلب ، وعلى أن الكلام الحقيقي كلام القلب . ومن قال شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب . وقد مضى هذا المعنى في أول " البقرة " مستوفى وقيل ; أكذبهم الله في أيمانهم وهو قوله تعالى ; يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ) يا محمد (قَالُوا ) بألسنتهم (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) قال المنافقون ذلك أو لم يقولوا; (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) يقول; والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله، وذلك أنها لا تعتقد ذلك ولا تؤمن به، فهم كاذبون في خبرهم عنها بذلك.وكان بعض أهل العربية يقول في قوله; (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) إنما كذب ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يقبل إيمانهم، وقد أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا.
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكثر المسلمون في المدينة واعتز الإسلام بها ، صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ليبقى جاههم، وتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون، لكي يحذر العباد منهم، ويكونوا منهم على بصيرة، فقال: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا } على وجه الكذب: { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } وهذه الشهادة من المنافقين على وجه الكذب والنفاق، مع أنه لا حاجة لشهادتهم في تأييد رسوله، فإن { اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } في قولهم ودعواهم، وأن ذلك ليس بحقيقة منهم.
(اللام) لام القسم المستعاض بها من اللام المزحلقة لما في(نشهد) من معنى القسم، وذلك في الموضعين الأول والثالث، وهي المزحلقةفي الموضع الثاني
(الواو) اعتراضيّة، والثانية عاطفة.
جملة: «جاءك المنافقون ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «نشهد ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «إنّك لرسول اللَّه ... » لا محلّ لها جواب القسم .
وجملة: «اللَّه يعلم ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «يعلم ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(اللَّه) .
وجملة: «إنّك لرسوله ... » في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعولي يعلم .
وجملة: «اللَّه يشهد ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب الشرط.
وجملة: «يشهد ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(اللَّه) .
وجملة: «إنّ المنافقين لكاذبون» لا محلّ لها جواب القسم .
2-
(جنّة) مفعول به ثان منصوبـ (عن سبيل) متعلّق بـ (صدّوا) ،
(ساء) ماض لإنشاء الذم
(ما) نكرة موصوفة فاعل والمخصوص بالذم محذوف تقديره النفاق- أو عدم الثبات على الإيمان- وجملة: «اتّخذوا ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «صدّوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اتّخذوا.
وجملة: «إنّهم ساء ما كانوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ساء ما كانوا ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «كانوا يعملون» في محلّ رفع نعت لـ (ما) .
وجملة: «يعملون» في محلّ نصب خبر كانوا