الرسم العثمانيمَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ
الـرسـم الإمـلائـيمَاۤ اَصَابَ مِنۡ مُّصِيۡبَةٍ اِلَّا بِاِذۡنِ اللّٰهِؕ وَمَنۡ يُّؤۡمِنۡۢ بِاللّٰهِ يَهۡدِ قَلۡبَهٗؕ وَاللّٰهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيۡمٌ
تفسير ميسر:
ما أصاب أحدًا شيءٌ من مكروه يَحُلُّ به إلا بإذن الله وقضائه وقدره. ومَن يؤمن بالله يهد قلبه للتسليم بأمره والرضا بقضائه، ويهده لأحسن الأقوال والأفعال والأحوال؛ لأن أصل الهداية للقلب، والجوارح تبع. والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
يقول تعالى مخبرا بما أخبر به في سورة الحديد "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير" وهكذا قال ههنا "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله" قال ابن عباس بأمر الله يعني عن قدره ومشيئته "ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم" أي ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقا وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ومن يؤمن بالله يهد قلبه" يعني يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وقال الأعمش عن أبي ظبيان قال كنا عند علقمة فقرىء عنده هذه الآية "ومن يؤمن بالله يهد قلبه" فسئل عن ذلك فقال هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما وقال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان "ومن يؤمن بالله يهد قلبه" يعني يسترجع يقول "إنا لله وإنا إليه راجعون" وفي الحديث المتفق عليه "عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" وقال أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول سمعت عباده بن الصامت يقول إن رجلا أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال "إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيل الله" قال أريد أهون من هذا يا رسول الله؟ قال "لا تتهم الله في شيء قضى لك به" لم يخرجوه.
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِأي بإرادته وقضائه .وقال الفراء ; يريد إلا بأمر الله .وقيل ; إلا بعلم الله .وقيل ; سبب نزولها أن الكفار قالوا ; لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ; فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل , يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه .وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِأي يصدق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله .يَهْدِ قَلْبَهُللصبر والرضا .وقيل ; يثبته على الإيمان .وقال أبو عثمان الجيزي ; من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة .وقيل ; " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " عند المصيبة فيقول ; " إنا لله وإنا إليه راجعون " [ البقرة ; 156 ] ; قاله ابن جبير .وقال ابن عباس ; هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه , وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .وقال الكلبي ; هو إذا ابتلي صبر , وإذا أنعم عليه شكر , وإذا ظلم غفر .وقيل ; يهد قلبه إلى نيل الثواب في الجنة .وقراءة العامة " يهد " بفتح الياء وكسر الدال ; لذكر اسم الله أولا .وقرأ السلمي وقتادة " يهد قلبه " بضم الياء وفتح الدال على الفعل المجهول ورفع الباء ; لأنه اسم فعل لم يسم فاعله .وقرأ طلحة بن مصرف والأعرج " نهد " بنون على التعظيم " قلبه " بالنصب .وقرأ عكرمة " يهدأ قلبه " بهمزة ساكنة ورفع الباء , أي يسكن ويطمئن .وقرأ مثله مالك بن دينار , إلا أنه لين الهمزة .وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌلا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لأمره , ولا كراهة من كرهه .
يقول تعالى ذكره; لم يصب أحدًا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله، يقول; إلا بقضاء الله وتقدير ذلك عليه (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) يقول; ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك يهد قلبه; يقول; يوفِّق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله; (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) يعني; يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.حدثني نصر بن عبد الرحمن الوشاء الأوديّ، قال; ثنا أحمد بن بشير، عن الأعمش، عن أَبي ظبيان قال; كنا عند علقمة، فقرئ عنده هذه الآية; (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) فسُئل عن ذلك فقال; هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيسلم ذلك ويرضى.حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال; ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن أَبي ظبيان ، قال; كنت عند علقمة وهو يعرض المصاحف، فمرّ بهذه الآية; (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال; هو الرجل... ثم ذكر نحوه.حدثنا ابن بشر، قال; ثنا أَبو عامر، قال; ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أَبي ظبيان، عن علقمة، في قوله; (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) قال; هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضَى.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; ثني ابن مهدي، عن الثوري، عن الأعمش، عن أَبي ظبيان، عن علقمة مثله ؛ غير أنه قال في حديثه; فيعلم أنها من قضاء الله، فيرضى بها ويسلم.وقوله; (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) يقول; والله بكل شيء ذو علم بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون.
يقول تعالى: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } هذا عام لجميع المصائب، في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم، فجميع ما أصاب العباد، فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله [تعالى]، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك، وسلم لأمره، هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب كما قال تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وعلم من هذا أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع مجرد الأسباب، أنه يخذل، ويكله الله إلى نفسه، وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد، قبل عقوبة الآخرة، على ما فرط في واجب الصبر. هذا ما يتعلق بقوله: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } في مقام المصائب الخاص، وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي، فإن الله أخبر أن كل من آمن أي: الإيمان المأمور به، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصدق إيمانه بما يقتضيه الإيمان من القيام بلوازمه وواجباته، أن هذا السبب الذي قام به العبد أكبر سبب لهداية الله له في أحواله وأقواله، وأفعاله وفي علمه وعمله.وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان، كما قال تعالى في الأخبار: أن المؤمنين يثبتهم الله في الحياة الدنيا وفي الآخرة.وأصل الثبات: ثبات القلب وصبره، ويقينه عند ورود كل فتنة، فقال: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات، وذلك لما معهم من الإيمان.
(ما) نافية
(مصيبة) مجرور لفظا مرفوع محلّا فاعل أصاب، ومفعوله محذوف أي: أحدا
(إلّا) للحصر
(بإذن) متعلّق بحال من مصيبة
(الواو) عاطفة
(من يؤمن باللَّه) مرّ إعرابها ،
(الواو) استئنافيّة- أو حاليّة-
(بكل) متعلّق بالخبر
(عليم) .
جملة: «أصاب ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «من يؤمن ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «يؤمن باللَّه ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «يهد قلبه ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «اللَّه ... عليم» لا محلّ لها استئنافيّة «2» .
- القرآن الكريم - التغابن٦٤ :١١
At-Tagabun64:11