إِنَّا بَلَوْنٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحٰبَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
اِنَّا بَلَوۡنٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَاۤ اَصۡحٰبَ الۡجَـنَّةِ ۚ اِذۡ اَقۡسَمُوۡا لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
إنا اختبرنا أهل "مكة" بالجوع والقحط، كما اختبرنا أصحاب الحديقة حين حلفوا فيما بينهم، ليقطعُنَّ ثمار حديقتهم مبكِّرين في الصباح، فلا يَطْعَم منها غيرهم من المساكين ونحوهم، ولم يقولوا; إن شاء الله.
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ولهذا قال تعالى "إنا بلوناهم" أي اختبرناهم "كما بلونا أصحاب الجنة" وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه "إذ أقسموا ليصر منها مصبحين" أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء.
قوله تعالى ; إنا بلوناهم يريد أهل مكة . والابتلاء الاختبار . والمعنى أعطيناهم أموالا ليشكروا لا ليبطروا ; فلما بطروا وعادوا محمدا صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم . وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء - ويقال بفرسخين - وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها ; فلما مات صارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها ; فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها . قال الكلبي ; كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ; ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم . وقيل ; هي جنة بضوران ، وضوران على فرسخ من صنعاء ، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير - وكانوا بخلاء - فكانوا يجدون التمر ليلا من أجل المساكين ، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا ; لا يدخلها اليوم عليكم مسكين ، فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصريم ; أي كالليل . ويقال أيضا للنهار صريم . فإن كان أراد الليل فلاسواد موضعها . وكأنهم وجدوا موضعها حمأة . وإن كان أراد بالصريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه . وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها . فيقال ; إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ; ولذلك سميت الطائف . وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها . وقال البكري في المعجم ; [ ص; 222 ] سميت الطائف لأن رجلا من الصدف يقال له الدمون ، بنى حائطا وقال ; قد بنيت لكم طائفا حول بلدكم ; فسميت الطائف . والله أعلم .الثانية ; قال بعض العلماء ; على من حصد زرعا أو جد ثمرة أن يواسي منها من حضره ; وذلك معنى قوله ; وآتوا حقه يوم حصاده وأنه غير الزكاة على ما تقدم في " الأنعام " بيانه . وقال بعضهم ; وعليه ترك ما أخطأه الحاصدون . وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا . وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل . فقيل ; إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق . وتأول من قال هذا الآية التي في سورة " ن والقلم " . قيل ; إنما نهي عن ذلك خشية الحيات وهوام الأرض .قلت ; الأول أصح ; والثاني حسن . وإنما قلنا الأول أصح لأن العقوبة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى . روى أسباط عن السدي قال ; كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلا صالحا ، وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فما يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا ; فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض ; علام نعطي أموالنا هؤلاء المساكين ! تعالوا فلندلج فنصرمنها قبل أن يعلم المساكين ، ولم يستثنوا ، فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خفتا ; لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ; فذلك قوله تعالى ; إذ أقسموا يعني حلفوا فيما بينهم " ليصرمنها مصبحين " يعني لنجذنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين ; ولا يستثنون ; يعني لم يقولوا إن شاء الله . وقال ابن عباس ; كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين ، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين ، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل فلم يجذه من الكرم ، فإذا طرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين ، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين ، فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر ; فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين ، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين ، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم . فقالوا ; قل المال وكثر العيال ; فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنها ولا تعرف المساكين . وهو قوله ; إذ أقسموا ؛ أي حلفوا " ليصرمنها " ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة من الليل لئلا ينتبه المساكين لهم . والصرم القطع . يقال ; صرم العذق عن النخلة . وأصرم النخل أي حان وقت [ ص; 223 ] صرامه . مثل أركب المهر وأحصد الزرع ، أي حان ركوبه وحصاده .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)يعني تعالى ذكره بقوله; ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ ) ; أي بلونا مشركي قريش، يقول; امتحناهم فاختبرناهم، ( كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) يقول; كما امتحنا أصحاب البستان ( إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ) يقول; إذ حلفوا ليصرمُنّ ثمرها إذا أصبحوا.
يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير وأمهلناهم، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد، وطول عمر، ونحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجًا لهم من حيث لا يشعرون فاغترارهم بذلك نظير اغترار أصحاب الجنة، الذين هم فيها شركاء، حين زهت ثمارها أينعت أشجارها، وآن وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، [وأنه] ليس ثم مانع يمنعهم منها، ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها أي: يجذونها مصبحين، ولم يدروا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها.
(ما) حرف مصدريّ
(إذ) ظرف للزمن الماضي في محلّ نصب متعلّق بـ (بلونا) ،
(اللام) لام القسم
(يصرمنّها) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون، وحذفت لتوالي الأمثال، و (الواو) المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، و (النون) نون التوكيد، و (ها) ضمير مفعول به وهو يعود إلى الجنّة أي ثمرها
(مصبحين) حال من فاعل يصر منّ.
والمصدر المؤوّلـ (ما بلونا ... ) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله بلوناهم.
جملة: «إنّا بلوناهم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «بلوناهم ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «بلونا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «أقسموا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «يصرمنّها ... » لا محلّ لها جواب القسم.
18-
(الواو) اعتراضيّة ،
(لا) نافية ...وجملة: «لا يستثنون ... » لا محلّ لها اعتراضيّة .
19-
(الفاء) عاطفة
(عليها) متعلّق بـ (طاف) ،
(من ربّك) متعلّق بنعت لطائف
(الواو) حاليّة ...وجملة: «طاف عليها طائف ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة أقسموا.
وجملة: «هم نائمون ... » في محلّ نصب حال.
20-
(الفاء) عاطفة
(كالصريم) متعلّق بمحذوف خبر أصبحت ...وجملة: «أصبحت ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة طاف ...21- 22
(الفاء) عاطفة
(مصبحين) مثل الأولـ (أن) حرف تفسير ،
(على حرثكم) متعلّق بـ (اغدوا) بمعنى أقبلوا
(كنتم) ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط..
وجملة: «تنادوا ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة أصبحت.
وجملة: «اغدوا ... » لا محلّ لها تفسيريّة.
وجملة: «كنتم صارمين ... » لا محلّ لها استئنافيّة ... وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.
23- 24
(الفاء) عاطفة
(الواو) حاليّة
(أن) مثل الأول في الاحتمالين
(لا) ناهية جازمة
(يدخلنّها) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ جزم
(اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (يدخلنّها) ، وكذلك
(عليكم) ...وجملة: «انطلقوا ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة تنادوا.
وجملة: «هم يتخافتون ... » في محلّ نصب حال.
وجملة: «لا يدخلنّها ... مسكين» لا محلّ لها تفسيريّة.
25-
(الواو) عاطفة
(على حرد) متعلّق بـ (قادرين) ، وهو خبر الفعل الناقص غدوا ...وجملة: «غدوا ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة هم يتخافتون