الرسم العثمانيوَأَنَّا لَا نَدْرِىٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا
الـرسـم الإمـلائـيوَّاَنَّا لَا نَدۡرِىۡۤ اَشَرٌّ اُرِيۡدَ بِمَنۡ فِى الۡاَرۡضِ اَمۡ اَرَادَ بِهِمۡ رَبُّهُمۡ رَشَدًا
تفسير ميسر:
وأننا معشر الجن- لا نعلم; أشرًّا أراد الله أن ينزله بأهل الأرض، أم أراد بهم خيرًا وهدى؟
أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل والخير أضافوه إلى الله عز وجل وقد ورد في الصحيح "الشر ليس إليك" وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك ولكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان كما في حديث العباس بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار فقال "ما كنتم تقولون في هذا؟ فقلنا كنا نقول يولد عظيم يموت عظيم فقال "ليس كذلك ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء" وذكر تمام الحديث وفد أوردناه في سورة سبأ بتمامه وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء فآمن من آمن منهم وتمرد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن" الآية ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له وارتاعوا لذلك وظنوا أن ذلك لخراب العالم كما قال السدي لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر فكانت الشياطين قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا يستمعون ما يحدث في السماء من أمر فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا رجموا ليلة من الليالي ففزع لذلك أهل الطائف فقالوا هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو بن عمير; ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وإن نظرتم فلم تروها فقد هلك أهل السماء فنظروا فرأوها فكفوا عن أموالهم وفزعت الشياطين في تلك الليلة فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشم فقال صاحبكم بمكة فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا مكة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن فدنوا منه حرصا على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه ثم أسلموا فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من "كتاب السيرة" المطول والله أعلم ولله الحمد والمنة.
قوله تعالى ; وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أي هذا الحرس الذي حرست بهم السماء أم أراد بهم ربهم رشدا أي خيرا . قال ابن زيد ; قال إبليس لا ندري ، هل أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا أو يرسل إليهم رسولا . وقيل ; هو من قول الجن فيما بينهم قبل أن يسمعوا قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - . أي لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بإرسال محمد إليهم ، فإنهم يكذبونه ويهلكون بتكذيبه كما هلك من كذب من الأمم ، أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا ; فالشر والرشد على هذا الكفر والإيمان ; وعلى هذا كان عندهم علم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولما سمعوا قراءته علموا أنهم منعوا من السماء حراسة للوحي . وقيل ; لا ; بل هذا قول قالوه لقومهم بعد أن انصرفوا إليهم منذرين ; أي لما آمنوا أشفقوا ألا يؤمن كثير من أهل الأرض فقالوا ; إنا لا ندري أيكفر أهل الأرض بما آمنا به أم يؤمنون ؟
فقالوا; منع منا السمع، فقال لهم; إن السماء لم تُحرس قطّ إلا على أحد أمرين; إما لعذاب يريد الله أن ينـزله على أهل الأرض بغتة، وإما نبيّ مرشد مصلح؛ قال; فذلك قول الله; ( وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ).وقوله; ( وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ; وأنا لا ندري أعذابا أراد الله أن ينـزله بأهل الأرض، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب ( أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) يقول; أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولا مرشدا يرشدهم إلى الحقّ وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل.وذُكر عن الكلبي في ذلك ما;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، عن الكلبي في قوله; ( وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم.وإنما قلنا القول الأوّل لأن قوله; ( وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ ) عقيب قوله; ( وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ )... الآية، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه.
وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر، فلهذا قالوا: { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض، وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى، والشر حذفوا فاعله تأدبا مع الله.
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(الهمزة) للاستفهام
(شرّ) فاعل لفعل محذوف على الاشتغال تقديره حصل أو تمّ .
(بمن) متعلّق بـ (أريد) ،
(أم) عاطفة ،
(بهم) متعلّق بـ (أراد) ... و (في الأرض) متعلّق بصلة من ... والمصدر المؤوّلـ (أنّا لا ندري ... ) في محلّ جرّ معطوف على المصدر المؤوّل السابق. وجملة: «لا ندري ... » في محلّ رفع خبر أنّ. وجملة: «
(أحصل) شرّ ... » في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعول ندري المعلّق بالاستفهام. وجملة: «أريد ... » لا محلّ لها تفسيريّة. وجملة: «أراد بهم ربّهم ... » في محلّ نصب معطوفة على الجملة المقدّرة حصل.
- القرآن الكريم - الجن٧٢ :١٠
Al-Jinn72:10