الرسم العثمانيوَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقٰعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْءَانَ يَجِدْ لَهُۥ شِهَابًا رَّصَدًا
الـرسـم الإمـلائـيوَّاَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمۡعِ ؕ فَمَنۡ يَّسۡتَمِعِ الۡاٰنَ يَجِدۡ لَهٗ شِهَابًا رَّصَدًا
تفسير ميسر:
وأنا كنا قبل ذلك نتخذ من السماء مواضع؛ لنستمع إلى أخبارها، فمن يحاول الآن استراق السمع يجد له شهابًا بالمرصاد، يُحرقه ويهلكه. وفي هاتين الآيتين إبطال مزاعم السحرة والمشعوذين، الذين يدَّعون علم الغيب، ويغررون بضعفة العقول؛ بكذبهم وافترائهم.
طردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئا من القرآن فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق وهذا من لطف الله تعالى بخلقه ورحمته بعباده وحفظه لكتابه العزيز ولهذا قال الجن "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا" أي من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا لم لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه ويهلكه.
قوله تعالى ; وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا . منها أي من السماء ، و " مقاعد " ; مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء ; يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة على ما تقدم بيانه ، فحرسها الله تعالى حين بعث رسوله بالشهب المحرقة ، فقالت الجن حينئذ ; فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا يعني بالشهاب الكوكب المحرق ; وقد تقدم بيان ذلك .ويقال ; لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آية من آياته . واختلف السلف هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث ، أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال الكلبي وقال قوم ; لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد - صلوات الله عليهما وسلامه - خمسمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - منعوا من السماوات كلها ، وحرست بالملائكة والشهب .قلت ; ورواه عطية العوفي عن ابن عباس ; ذكره البيهقي . وقال عبد الله بن عمر ; لما كان اليوم الذي نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعت الشياطين ، ورموا بالشهب ، وقال عبد الملك بن سابور ; لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - ، فلما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - حرست السماء ، ورميت الشياطين بالشهب ، ومنعت عن الدنو من السماء .وقال نافع بن جبير ; كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى ، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رميت بالشهب . ونحوه عن أبي بن كعب قال ; لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرمي بها . وقيل ; كان ذلك قبل المبعث ، وإنما زادت بمبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنذارا بحاله ; وهو معنى قوله تعالى ; ملئت أي زيد في حرسها ; وقال أوس بن حجر وهو جاهلي ;فانقض كالدري يتبعه نقع يثور تخاله طنباوهذا قول الأكثرين . وقد أنكر الجاحظ هذا البيت وقال ; كل شعر روي فيه فهو مصنوع ، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث . والقول بالرمي أصح ; لقوله تعالى ; فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا . وهذا إخبار عن الجن ، أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم ; ولما روي عن ابن عباس قال ; بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم ; [ ص; 14 ] فقال ; " ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية " ؟ قالوا ; كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; " إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا - سبحانه وتعالى - إذا قضى أمرا في السماء سبح حملة العرش ثم سبح أهل كل سماء ، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه ، فتتخطف الجن فيرمون فما جاءوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه " .وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث . وروى الزهري نحوه عن علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب عن ابن عباس . وفي آخره قيل للزهري ; أكان يرمى في الجاهلية ؟ قال ; نعم . قلت ; أفرأيت قوله سبحانه ; وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا قال ; غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - . ونحوه قال القتبي . قال ابن قتيبة ; كان ولكن اشتدت الحراسة بعد المبعث ; وكانوا من قبل يسترقون ويرمون في بعض الأحوال ، فلما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - منعت من ذلك أصلا . وقد تقدم بيان هذا في سورة ( الصافات ) عند قوله ; ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب قال الحافظ ; فلو قال قائل ; كيف تتعرض الجن لإحراق نفسها بسبب استماع خبر بعد أن صار ذلك معلوما لهم ؟ فالجواب أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة ، كما ينسى إبليس في كل وقت أنه لا يسلم ، وأن الله تعالى قال له ; وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ولولا هذا لما تحقق التكليف .والرصد ; قيل من الملائكة ; أي ورصدا من الملائكة . والرصد ; الحافظ للشيء والجمع أرصاد ، وفي غير هذا الموضع يجوز أن يكون جمعا كالحرس ، والواحد ; راصد . وقيل ; الرصد هو الشهاب ، أي شهابا قد أرصد له ، ليرجم به ; فهو فعل بمعنى مفعول كالخبط والنفض .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًايقول عزّ وجلّ; وأنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها، ( فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ ) فيها منا( يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) يعني; شهاب نار قد رصد له به.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قوله; وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ... إلى قوله; ( فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) كانت الجنّ تسمع سمع السماء؛ فلما بعث الله نبيه، حُرست السماء، ومُنعوا ذلك، فتفقَّدت الجنّ ذلك من أنفسها.وذُكر لنا أن أشراف الجنّ كانوا بنصيبين، فطلبوا ذلك، وضربوا له حتى سقطوا على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدًا إلى عكاظ.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ... حتى بلغ ( فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس.
{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع } فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله. { فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } أي: مرصدا له، معدا لإتلافه وإحراقه، أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ جسيم.
(الواو) عاطفة
(منها) متعلّق بحب من مقاعد ،
(مقاعد) مفعول مطلق منصوب أي قعودات للسمع
(للسمع) متعلّق بـ (نقعد) أي لأجل السمع
(الفاء) استئنافيّة
(من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ
(يستمع) مضارع مجزوم وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين
(الآن) ظرف مبنيّ على الفتح في محلّ نصب متعلّق بـ (يستمع) ،
(له) متعلّق بمحذوف مفعول به ثان. والمصدر المؤوّلـ (أنّا كنّا..) في محلّ جرّ معطوف على المصدر المؤوّل السابق. وجملة: «كنّا نقعد ... » في محلّ رفع خبر أنّ. وجملة: «نقعد ... » في محلّ نصب خبر كنّا. وجملة: «من يستمع ... » لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: «يستمع ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) . وجملة: «يجد ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
- القرآن الكريم - الجن٧٢ :٩
Al-Jinn72:9