الرسم العثمانيعٰلِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوٓا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقٰىهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا
الـرسـم الإمـلائـيعٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُنۡدُسٍ خُضۡرٌ وَّاِسۡتَبۡرَقٌ وَّحُلُّوۡۤا اَسَاوِرَ مِنۡ فِضَّةٍ ۚوَسَقٰٮهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابًا طَهُوۡرًا
تفسير ميسر:
يعلوهم ويجمل أبدانهم ثياب بطائنها من الحرير الرقيق الأخضر، وظاهرها من الحرير الغليظ، ويُحَلَّون من الحليِّ بأساور من الفضة، وسقاهم ربهم فوق ذلك النعيم شرابًا لا رجس فيه ولا دنس.
"عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق" أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس "وحلوا أساور من فضة" وهذه صفة الأبرار وأما المقربون فكما قال تعالى "يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير" ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده "وسقاهم ربهم شرابا طهورا" أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال; إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن.
قوله تعالى ; عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق قرأ نافع وحمزة وابن محيصن عاليهم ساكنة الياء ، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما عاليتهم وبتفسير ابن عباس ; أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها . الفراء ; وهو مرفوع بالابتداء وخبره ثياب سندس واسم الفاعل يراد به الجمع . ويجوز في قول الأخفش أن يكون إفراده على أنه اسم فاعل متقدم و ( ثياب ) مرتفعة به وسدت مسد الخبر ، والإضافة فيه في تقدير الانفصال لأنه لم يخص ، وابتدئ به لأنه اختص بالإضافة . وقرأ الباقون عاليهم بالنصب . وقال الفراء ; هو كقولك فوقهم ، والعرب تقول ; قومك داخل الدار فينصبون داخل على الظرف ، لأنه محل . وأنكر الزجاج هذا وقال ; هو مما لا نعرفه في [ ص; 128 ] الظروف ، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء . ولكنه بالنصب على الحال من شيئين ; أحدهما الهاء والميم في قوله ; يطوف عليهم أي على الأبرار ولدان عاليا الأبرار ثياب سندس ; أي يطوف عليهم في هذه الحال ، والثاني ; أن يكون حالا من الولدان ; أي إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب أبدانهم . وقال أبو علي ; العامل في الحال إما لقاهم نضرة وسرورا وإما جزاهم بما صبروا قال ; ويجوز أن يكون ظرفا فصرف .المهدوي ; ويجوز أن يكون اسم فاعل ظرفا ; كقولك هو ناحية من الدار ، وعلى أن عاليا لما كان بمعنى فوق أجري مجراه فجعل ظرفا . وقرأ ابن محيصن وابن كثير وأبو بكر عن عاصم ( خضر ) بالجر على نعت السندس ( وإستبرق ) بالرفع نسقا على الثياب ، ومعناه عاليهم [ ثياب ] سندس وإستبرق . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب خضر رفعا نعتا للثياب ( وإستبرق ) بالخفض نعتا للسندس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه ; لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة ، وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس ، والمعنى ; عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق ، أي من هذين النوعين .وقرأ نافع وحفص كلاهما بالرفع ويكون خضر نعتا للثياب ; لأنهما جميعا بلفظ الجمع ( وإستبرق ) عطفا على الثياب . وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي كلاهما بالخفض ويكون قوله ; ( خضر ) نعتا للسندس ، والسندس اسم جنس ، وأجاز الأخفش وصف اسم الجنس بالجمع على استقباح له ; وتقول ; أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض ; ولكنه مستبعد في الكلام . والمعنى على هذه القراءة ; عاليهم ثياب سندس خضر وثياب إستبرق . وكلهم صرف الإستبرق ، إلا ابن محيصن ، فإنه فتحه ولم يصرفه فقرأ ( وإستبرق ) نصبا في موضع الجر ، على منع الصرف ، لأنه أعجمي ، وهو غلط ; لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ; تقول الإستبرق إلا أن يزعم [ ابن محيصن ] أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب . وقرئ ( واستبرق ) بوصل الهمزة والفتح على أنه سمي باستفعل من البريق ، وليس بصحيح أيضا ، لأنه معرب مشهور تعريبه ، وأن أصله استبرك والسندس ; ما رق من الديباج . والإستبرق ; ما غلظ منه . وقد تقدم .قوله تعالى ; وحلوا عطف على ويطوف . أساور من فضة وفي سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، فقيل ; حلي الرجل الفضة وحلي المرأة الذهب . وقيل ; تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة . وقيل ; يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب وسواران من فضة وسواران من لؤلؤ ، ليجتمع لهم محاسن الجنة ; قاله سعيد بن المسيب . وقيل ; أي لكل قوم ما تميل إليه [ ص; 129 ] نفوسهم .وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى ; وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال ; إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فتجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغير أبشارهم ، ولا تتشعث أشعارهم أبدا ، ثم يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم ; سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين . وقال النخعي وأبو قلابة ; هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم ، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسك ، وضمرت بطونهم . وقال مقاتل ; هو من عين ماء على باب الجنة ، تنبع من ساق شجرة ، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من أذى وقذر . وهذا معنى ما روي عن علي ، إلا أنه في قول مقاتل عين واحدة وعليه فيكون فعولا للمبالغة ، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر . وقد مضى بيانه في سورة ( الفرقان ) والحمد لله . وقال طيب الجمال ; صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ وسقاهم ربهم شرابا طهورا وجعل يحرك شفتيه وفمه ، كأنه يمص شيئا ، فلما فرغ قيل له ; أتشرب أم تقرأ ؟ فقال ; والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذته عند شربه ما قرأته .
يقول تعالى ذكره; يقال لهؤلاء الأبرار حينئذ; إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابا على ما كنتم في الدنيا تعملون من الصالحات ( وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ) يقول; كان عملكم فيها مشكورا، حمدكم عليه ربكم، ورضيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة عليه.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ) غفر لهم الذنب، وشكر لهم الحسن.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال; تلا قتادة; ( وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ) قال; لقد شَكر الله سعيا قليلا.
{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ } أي: قد جللتهم ثياب السندس والإستبرق الأخضران، اللذان هما أجل أنواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الديباج والإستبرق: ما رق منه. { وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ } أي: حلوا في أيديهم أساور الفضة، ذكورهم وإناثهم، وهذا وعد وعدهم الله، وكان وعده مفعولا، لأنه لا أصدق منه قيلا ولا حديثا.وقوله: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } أي: لا كدر فيه بوجه من الوجوه، مطهرا لما في بطونهم من كل أذى وقذى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الانسان٧٦ :٢١
Al-Insan76:21