فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا
فَاصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ اٰثِمًا اَوۡ كَفُوۡرًاۚ
تفسير ميسر:
فاصبر لحكم ربك القدري واقبله، ولحكمه الديني فامض عليه، ولا تطع من المشركين من كان منغمسًا في الشهوات أو مبالغًا في الكفر والضلال، وداوم على ذكر اسم ربك ودعائه في أول النهار وآخره.
"فاصبر لحكم ربك" أي كما أكرمك بما أنزل عليك فاصبر على قضائه وقدره واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره "ولا تطع منهم آثما أو كفورا" أي لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك بل بلغ ما أنزل إليك من ربك وتوكل على الله فإن الله يعصمك من الناس فالآثم هو الفاجر في أفعاله والكفور هو الكافر قلبه.
قوله تعالى ; فاصبر لحكم ربك أي لقضاء ربك . وروى الضحاك عن ابن عباس قال ; اصبر على أذى المشركين ; هكذا قضيت . ثم نسخ بآية القتال . وقيل ; أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات ، أو انتظر حكم الله إذ وعدك أنه ينصرك عليهم ، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة .ولا تطع منهم آثما أي ذا إثم أو كفورا أي لا تطع الكفار . فروى معمر عن قتادة قال ; قال أبو جهل ; إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه . فأنزل الله - عز وجل - ; ولا تطع منهم آثما أو كفورا . ويقال ; نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضان عليه الأموال والتزويج ، على أن يترك ذكر النبوة ، ففيهما نزلت ; ولا تطع منهم آثما أو كفورا . قال مقاتل ; الذي عرض التزويج عتبة بن ربيعة ; قال ; إن بناتي من أجمل نساء قريش ، فأنا أزوجك ابنتي من غير مهر وارجع عن هذا الأمر . وقال الوليد ; إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال ، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الأمر ; فنزلت . ثم قيل ; أو في قوله تعالى ; آثما أو كفورا أوكد من الواو ; لأن الواو إذا قلت ; لا تطع زيدا وعمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص ; لأنه أمره ألا يطيع الاثنين ، فإذا قال ; لا تطع منهم آثما أو كفورا ف " أو " قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى ; كما أنك إذا قلت ; لا تخالف الحسن أو ابن سيرين ، أو اتبع الحسن أو ابن سيرين فقد قلت ; هذان أهل أن يتبعا وكل واحد منهما أهل لأن يتبع ; قاله الزجاج . وقال الفراء ; أو [ ص; 131 ] هنا بمنزلة لا كأنه قال ; ولا كفورا ; قال الشاعر ;لا وجد ثكلى كما وجدت ولا وجد عجول أضلها ربع أو وجد شيخ أضل ناقتهيوم توافى الحجيج فاندفعواأراد ولا وجد شيخ . وقيل ; الآثم المنافق ، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر ; أي لا تطع منهم آثما ولا كفورا . وهو قريب من قول الفراء .
يقول تعالى ذكره; ( وَاذْكُرْ ) يا محمد ( اسْمَ رَبِّكَ ) فادعه به بكرة في صلاة الصبح، وعشيا في صلاة الظهر والعصر.--------------------------------------------------------------------------------الهوامش;(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( 351 ) ، قال ; وقوله ; { يشرب بها } ويشربها سواء في المعنى . وكأنه يشرب بها ; يروي بها وينقع . وأما يشربونها فبين . وقد أنشدني بعضهم ; " شربن بماء " ومثله ; إنه ليتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاما حسنا . ا هـ . وفي خزانة الأدب للبغدادي ( 3 ; 193 - 195 ) استشهد به على أن ( متى ) عند هذيل حرف جر ؛ بمعنى " من " أو " في " . أو اسم بمعنى ; " وسط " . والباء في قوله ; " بماء البحر " قيل ; على بابها ، وشربن ; مضمن معنى " روين " . وقيل ; هي للتبعيض . وقيل ; زائدة ، كقول الفراء ، قال ابن جني في سر الصناعة ; الباء فيه زائدة ، إنما معناه ; شربن ماء البحر . هذا هو الظاهر من الحال . والعدول عنه تعسف . ا هـ . قلت ; هذه هي الرواية المشهورة في كتب اللغويين والنحاة . وفي شعر أبي ذؤيب ( ديوان الهذليين 1 ; 51 ) ;سَــقَى أُمَّ عَمْـرٍو كُـلَّ آخِـرِ لَيْلَـةٍحَنــاتِمُ سُــودٌ مــاؤُهُنَّ ثَجــيجُتَــرَوَّتْ بِمَـاءِ البَحْـرِ ثُـمَّ تَـرَفَّعَتْعَــلى حَبَشِــيَّاتٍ لَهُــنَّ نَئــيجُشبه السحاب الأسود بالحناتم ، ويقال للسحاب إذا كان ريان ; " أسود كأنه الحنتم . يقول ; إن تلك الحناتم " وهي الجرار ، قد تروت من ماء البحر ، ثم ارتفعت على سحائب سود لهن نئيج ; أي ; مر سريع مع صوت .(2) البيت لعنترة في معلقته المشهورة يهجو حصينا وهرما ابني ضمضم وقد ذكرهما في البيت قبله ، وهو ;ولقَـدْ خَشِـيتُ بـأنْ أمُـوتَ ولم تَدُرْللْحَـرْبِ دائِـرَةٌ عَـلى ابْنَـيْ ضَمْضَميقول ; اللذان يشتمان عرضي ولم أشتمهما أنا ، والموجبان على أنفسهما سفك دمي إذا لم أرهما . يريد أنهما يتوعدانه حال غيبته، فأما في الحضور فلا يتجاسران عليه .(3) البيت للأعشى ( ديوانه 93 ) والرواية فيه ; " أورثت " في موضع " أثأرت " ويظهر أن رواية المؤلف محرفة عن " أسأرت " بالسين ، لا بالثاء ؛ لأنه لا معنى للإثآر هنا . والصدع ; الشق . والمستطير كما في اللسان ; المنتثر . وفي مجاز القرآن عند قوله تعالى ; { كان شره مستطيرا } أي ; فاشيا . وفي معاني القرآن للفراء ( 351 ) { ويخافون يوما كان شره مستطيرا } ممتد البلاء ، والعرب تقول ; استطار الصدع في القارورة وشبهها ، واستطال . ا هـ .(4) البيت في ( اللسان ; قمطر ) ولم ينسبه . قال ; ويوم مقمطر ، وقماطر ، وقمطرير ; مقبض ما بين العينين لشدته . وقيل ; إذا كان شديدا غليظا ، قال الشاعر ; وقماطر بضم القاف ، واقمطر يومنا ; اشتد . وفي التنزيل العزيز { إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا } جاء في التفسير ; أنه يعبس الوجه ، فيجمع ما بين العينين وهذا شائع في اللغة . ا هـ . وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 183 ) ; العبوس ، والمقطمر ، والقماطر ، والعصيب ; أشد ما يكون من الأيام ، وأطولها في البلاء . ا هـ . وقال الفراء في معاني القرآن ( 351 ) وقوله ; { عبوسًا قمطريرا } والقمطرير ; الشديد . ويقال ; يوم قمطرير ، ويوم قماطر ، أنشدني بعضهم ; " بني عمنا ... " البيت . ا هـ .(5) لعله قوارير في الصفاء من فضة ، كالفضة في البياض .(6) في الدر المنثور ; أهل الدنيا .(7) هذا بيت رواه يونس النحوي ولم يذكر قائله يصف قوسا من شجر النبع . والشاهد عند المؤلف في البيت أن " الصيب مرفوع ؛ لأنه صفة للسهم ، وأنه ليس كقوله تعالى ; { يسمى سلسبيلا } " . يريد أن هذه القوس بنعت سهمها الصيب ويوصف ، لكثرة ما أصاب به الصيود وهي جمع صيد . هذا معنى كلامه . وقال الفراء في معاني القرآن ( 352 ) وقوله ; { تسمى سلسبيلا } ذكروا أن السلسبيل اسم العين ، وذكر أنه صفة للماء لسلسلته وعذوبته . ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء ( الصرف ) فيه أكثر ، ولم نر أحدًا من القراء ترك إجراءها وهو جائز في العربية ، كما كان في قراءة عبد الله ابن مسعود ; ( ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوثا ويعوقا ) بالألف . وكما قال ; سلاسلا وقواريرا ، بالألف ، فأجروا ما لا يجري ، وليس بخطأ ؛ لأن العرب تجري ما لا يجري في الشعر ، فلو كان خطأ ما أدخلوه في أشعارهم . قال متمم بن نويرة ;فَمَــا وَجْـدُ أظْـآرٍ ثَـلاَثٍ رَوَائـمٍرأيْـنَ مخـرًّا مِـنْ حُـوَارٍ وَمَصْرَعَافأجرى روائم ، وهي مما لا يجري ، فيما لا أحصيه من أشعارهم . ا هـ .(8) البيت لمتمم بن نويرة كما قال الفراء ( تقدم في الشاهد قبله ) ، وهو في ( اللسان ; ظأر ) قال ; تقول ( ظئرت ) الناقة مبينا للمجهول ، على ولد غيرها أو على بَوٍّ ( فأظأرت ) بالظاء ، فهي ظئور ومظئورة وجمع " الظئور " أظآر وظؤار ، قال متمم ; " فما وجد أظآر ... " البيت . والروائم ; جمع رائم ، يقال ; رئمت الناقة ولدها ترأمه رأما ورأمانا ; عطفت عليه ولزمته ، وفي التهذيب ; رئمانا ; أحبته . ومخرا ; مصدر ميمي بمعنى ; الخرور ، أي ; السقوط على الأرض ، وقد يكون معناه الموت ، من خر يخر ; إذا مات . ومصرعا ; أي مهلكا ، وهو مصدر ميمي بمعنى ; الصرع . وأما موضع الشاهد في البيت فهو صرف " روائم " لضرورة الشعر ، وهو مما لا يصرف كما قال الفراء في الشاهد قبله .(9) هذا البيت لا أعرف قائله ، أنشده المؤلف عند قوله تعالى; { ولدان مخلدون } قال في ( اللسان ; خلد ) ، وقوله تعالى ; { يطوف عليهم ولدان مخلدون } قال الزجاجي ; محلون . وقال أبو عبيدة مسورون يمانية وأنشد ; " ومخلدات باللجين " . ولم أجد قول أبي عبيدة هذا في المخطوطة التي بين يدي منه ، ولعل العبارة والشاهد أسقطا من بعض أصول الكتاب . ا هـ . وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 352 ) وقوله ; { مخلدون } يقول ; محلون مسورون ( بأساور ) . ويقال ; مقرطون . ويقال ; مخلدون ; دائم شبابهم لا يتغيرون عن تلك السن ، وهو أشبهها بالصواب ، والله أعلم . وذلك أن العرب إذا كبر الرجل ، وثبت سواد شعره ، قيل ; إنه لمخلد . وكذلك يقال إذا كبر وثبتت له أسنانه وأضراسه قيل ; أنه لمخلد ; ثابت الحال ، كذلك الولدان ثابتة أسنانهم . ا هـ .(10) البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن قال ( 352 - 353 ) عند قوله تعالى ; { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } أو هاهنا ; بمنزلة " لا " . وأو في الجحد والاستفهام والجزاء تكون في معنى " لا " ، فهذا من ذلك وقال الشاعر ; " لا وجد ثكلى " البيتين . قال ; وقد يكون في العربية لا تطيعن منهم من أثم أو كفر ، فيكون المعنى في " أو " قريبا من معنى الواو ، كقولك للرجل ; لأعطينك سكت أو سألت ؛ معناه لأعطيناك على كل حال . ا هـ . والثكلى ; التي فقدت ولدها أو أخاها أو زوجها . والوجد ; الحزن . والعجول من النساء والإبل ; الواله التي فقدت ولدها ، الثكلى لعجلتها في جيئتها وذهابها جزعا . والجمع عجل وعجائل ومعاجيل . ( اللسان ; عجل ) . ا هـ . والربع ; الفصيل ينتج في الربيع ، وهو أول النتاج ، والجمع ; رباع وأرباع ، مثل رطب ورطاب وأرطاب . وأضلها ; فقدته وذهب عنها ، لا تدري أين أخذ . وأضل ناقته يقال ; أضل البعير والفرس ; ذهبا عنه . ا هـ .
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } أي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، ولحكمه الديني، فامض عليه، ولا يعوقك عنه عائق. { وَلَا تُطِعْ } من المعاندين، الذين يريدون أن يصدوك { آثِمًا } أي: فاعلا إثما ومعصية ولا { كَفُورًا } فإن طاعة الكفار والفجار والفساق، لا بد أن تكون في المعاصي، فلا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم. ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله ،
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة